غداً العاشر من حزيران الجاري من المتوقع ان يلتقي وفدا البلدين، جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية، للتفاوض حول العلاقات المستقبلية بين الطرفين في مختلف المجالات المدنية والعسكرية، في ظرف لانحسد عليه، بعد أن تعرض العراق خلال الأشهر القليلة الماضية الى تحديات خطيرة جديدة، وهي بالتحديد انتشار فايروس كوفيد 19 من جهة والعجز المالي من جهة أخرى، لتضاف الى التحديات التقليدية التي لازال العراق يعاني منها منذ سنوات بعد أن تعطلت عجلة الإصلاح بالنظر لضعف الدولة ومؤسساتها أمام سطوة اللادولة وعصاباتها ومافياتها وميليشياتها…
أساس التفاوض، الاتفاقيتان الموقعتان بين الطرفين عام 2008، ونقصد بهما الاتفاقية الأمنية ( الصوفا) واتفاقية الإطار الاستراتيجي وكلاهما توفران فرص للدعم العسكري والامني من جهة، والدعم الاقتصادي والصحي والتعليمي والمهني التكنلوجي من جهة أخرى، وبالتأكيد فإن مصلحة العراق تقتضي تفعيل اتفاقية الإطار لما فيها من منافع للجانب العراقي وعلى الوفد المفاوض استثمار الفرصة للتركيز على مواجهة التحديين الراهنين أعلاه، بالنظر لمحدودية الموارد الذاتية الوطنية، على الرغم من أن شيوع حالة الفساد في مؤسسات الدولة ستعمل على إهدار هذه الموارد وكما كان عليه الحال في الماضي، رغم ان المتوقع ان تكون المساعدات والمنح هذه المرة بل حتى التسهيلات والقروض مشروطة بنظام حوكمة شفاف ومراقبة صارمة تضمن توجيه الموارد القادمة نحو وجهتها الصحيحة وهي المواطن العراقي، وإذا لم يتدارك الجانب الامريكي هذه المسألة حتى الان فعليه ان يعيد النظر بها.
نعتقد أن مهمة الطرفين في التوصل الى اتفاق جديد حول الاحتياجات المدنية سهلة ميسّرة، خلاف الاتفاق على الجوانب الأمنية والعسكرية، ويبقى السؤال المركزي الكبير معلق الإجابة ! هل سينجح الطرفان في الاتفاق على تواجد عسكري أمريكي في العراق ام لا؟
حيث ينقسم الساسة حول هذه المسألة إنقساماً حاداً، بين من يرفض تواجد قطعات أمريكية على الارض العراقية رفضا قاطعاً متأثراً بالضغوطات الإيرانية، وآخرون على العكس، يتبنون موقفاً موضوعياً غير منحاز، فهم يرحبون بذلك ويرغبون به ليس من أجل المساعدة في مواجهة التحديات الأمنية التي ظهرت على السطح مجدداً فحسب والتي تتجاوز إمكانيات الحكومة العراقية بل من أجل تحقيق توازن النفوذ الإيراني، على قاعدة أخف الضررين، وحجتهم في ذلك، إن كنت عاجز عن تخليص العراق من براثن النفوذ الإيراني فلا مناص ولا مفر من تخفيفه بالقبول “النسبي والمؤقت والمشروط ” بنفوذ مضاد، هو حصراً خيار المضطر، وإلى أن يستعيد العراق عافيته ويتمتع بسيادته الناجزة. ويبقى الأصل والمبدأ، عراق حر، لا تدخل، ولا نفوذ فيه لأحد، كا ئناً من كان. لا إيران ولا الولايات المتحدة ولا غيرهما.
لاينبغي تحميل الموقف الأخير فوق مايحتمل، وهو ليس تفضيلاً لنفوذ دولة على نفوذ دولة أخرى، و العراقيون سيبقون يحملّون الولايات المتحدة بالكامل مغبة التداعيات المؤلمة لغزو عسكري غاشم عام 2003 ثبت انه لم يكن له مايبرره، ومن هذه التداعيات هو أضعاف الدولة العراقية والتمكين لإيران ولغيرها في مد نفوذ لا سابق له، وهي لذلك، اي الولايات المتحدة، ستبقى مسؤولة، أخلاقياً وشرعياً وقانونياً وسياسياً، في تعافي العراق وتخليصه من أمراضه التي نشأت بفعل الغزو.
المسألة ليست سهلة والمفاوضات متوقع ان تكون معقدة وصعبة وقد تأخذ وقتاً أطول.
ملاحظة أخيرة، هذه المفاوضات تهم العراقيين جميعاً ولا تهم مكون دون آخر وبالتالي فإن وفدا عراقياً متوازناً هو من الأهمية بمكان لكلا الطرفين لأسباب لاتخفى على أحد.
623
تعليق واحد