قصة سجينة مصرية وموقف القاضي منها

عرف بجمهورية مصر العربية قاضي يدعى (هشام الشريف) رئيس دائرة جنح استئناف حلوان وكان مشهور بالتزامه الادب والرحمة مع الجميع، والمتهمون يطمئنون لأحكامه لانها تتسم بالعدل والانصاف .. وفي احد الجلسات عُرِضَت عليه قضية هزت محكمة جنوب القاهرة في باب الخَلق .. تتعلق بامرأة عمرها قارب الخمسين، وحال فقرها واضح بجلاء للناظرين وكانت محبوسة بتهمة عدم تسديد مبلغ دين بذمتها( وكان القاضي هشام عند محاكمة النساء لا يضعهم داخل قفص الاتهام ) فسألها :
يا ست ( فلانة ) ما دفعتيش ال 7000 جنيه ليه الى ( فلان )؟ .. اجابت المسكينة بصوت الباكي الخائف المرتعش أن المبلغ ليس 7000 جنيه وانما في حقيقة الأمر 1000 فقط لانني كنت ادفع اقساط الدين في كل شهر 60 جنيه، لكن حصل لي ظروف منعتني من السداد، لذلك رفع التاجر عليّ دعوى واودعني في السجن ..
التفت القاضي لمحامية المشتكي وسألها بأدب وهدوء :
هل كلام الست صحيح ؟ ..
فأنكرت المحامية معرفتها بالاقساط .. فما كان من القاضي إلا أن نظر إلى المتهمة وسألها عن حالها وبيتها ( فعلم منها أنها أرملة وتعول 3 بنات ) ..
فنظر إليها بمنتهى الشفقة والرأفة وقال : سوف تتحل إن شاء الله .. وأمر برفع الجلسة، وقبل أن يدخل غرفة المُداوَلَة وَجَّهَ كلامه إلى المحامين والحاضرين في القاعة قائلا :
أعلم أنكم أصحاب فضل مروءة ولن تتأخروا عن فِعل المعروف، وأخرج مِنديلاً كان في جيبه ووضعه على المنصة ثم أخرج من جيبه مبلغاً من المال وقال : ( هذه 500 جنيه ) هي كل ما معي، ولا أدري هل السادة الحضور سيشاركونني في سداد دين هذه السيدة، وشكرهم ودخل غرفة المُداوَلَة ..
وبدأ الحاضرون التباري في الدفع، واول واحد دفع 1000 جنيه، ثم توالى الباقون بوضع المال بالمنديل الذي تجاوز ال( 8500 جنيه ) اما المحامية فقد خرجت مسرعة من قاعة المحكمة واتصلت بصاحب الدين لتخبره بما حدث بالقاعة ثم عادت بعد ان نودي عليها القاضي قائلاً : فيه 7000 جنيه موجودة بالمنديل تقدري تأخذيه وتتصالحي مع المتهمة ونمشيها لبيتها ..
ولكن المحامية قالت : أنها سألت موكلها وأخبرها بأن لا تأخذ أكثر من ( 500 جنيه ) هو المبلغ المتبقي على المتهمة .. فشكرها القاضي وقال: أظن المحامية اخذت ال ( 500 جنيه ) بتاعتي .. فضحك الجميع .. ونظر إلى المتهمة قائلاً لها باقي (8000 جنيه هذه من الله لكِ ولبناتك ).. وضجّت القاعة بالتهليل والتكبير بما فعل القاضي الرحيم من موقف انساني ابتغاءً لوجه الله.
…………


كم نحن بحاجة لمثل هؤلاء وما اعظم القاضي حينما يكون عادلاً ورحيماً ولا يخشى في الحق لومة لائم .. بينما نحن اليوم في العراق بدلاً من يأتون بقضاة رحماء يتسم تاريخهم بالعدل والحياد يأتون بمعممين لا علاقة لهم بالقضاء ولا بالقانون وانما لهم تاريخ مشهود بالطائفية والغل والحقد النابع من سواد القلوب التي تحرض على الكراهية والانتقام .

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى