كاظم المقدادي، بمائة دينار سافر الى باريس وعاد بالدكتوراه …!

حاورته الصحفية: رنا خالد

رنا خالد

قرأت له كثيرا، قبل أن أحاوره، وهذا الأسلوب اتخذته مسارا في حياتي المهنية، فمن حق القارئ أن يعرف عن الذي أحاوره معلومات خافية عنه، وهي من خصال الصحفي المحاور الذي يحترم القارئ.

لقد وجدتً في ضيفي الصحفي المعروف د. كاظم المقدادي، قلباً منشرحا لمن يخالفه في الرأي، مرِنا معه إلى أقصى حد، وقلمه نقي، ناصع البياض، في قولة الحق، شهرته الصحفية، معروفة، لكنه بقي على تواضع ملموس بين طلابه في الجامعة وعند أصدقاءه، فلن يدخل قلبه الغرور والتعالي، فالغرور يؤدي إلى تدمير الذات، وكلما صغر العقل زاد الفخر بالنفس، وهنا يكمن سقوط المرء، عُرف بمهنئته العالية وحبه وانتماءه لبلده بكل المحن، وخلال حوارنا معه استذكر لنا الماضي المشرق بكل متاعبه والحاضر المزدهر بكل عطاءه.

مقالات ذات صلة

ولادته ونشأته

ولد كاظم شنون محمد المقدادي، في بغداد عام 1949، متزوج من المهندسة فاطمة يوسف، ولديه ثلاث أولاد أنهي صفه الابتدائي بمدرسة المسعودي بالجعيفر وصفه المتوسط في متوسطة العطيفية وبعدها الإعدادي في الثانوية المركزية بجانب رصافة بغداد متفوقا بين زملائه ليدخل كلية الآداب قسم الصحافة وتخرج عام 1974.

في العام 1977حصل على الماجستير من جامعة السوربون عن رسالته الموسومة (سيكولوجيا الإعلان السياحي) التي عززها بالدكتوراه في عام 1979، من نفس الجامعة عن رسالته الموسومة (التيارات الفكرية في الصحافة العربية المهاجرة الى باريس/ القرن التاسع عشر)

 شغلَ المقدادي سكرتير تحرير صحيفة (الصحافة) في العام ١٩٧١، التي كانت تصدر عن قسم الأعلام-جامعة بغداد، ثم رئيساً لتحريرها في العام ٢٠٠٦، وحاليا رئيس تحرير مجلة (معين)، وهي مجلة عراقية فصلية تختص بنشر البحوث للمجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية مع نخبة من الأساتذة المختصين منهم الأستاذ واثق الهاشمي، والدكتور عزيز شيال، والأستاذ حازم الشمري، والأستاذ ياسين البكري

 مؤلفاته

 الفّ الدكتور كاظم المقدادي مجموعة قيمة من الكتب اذكر منها: (البحث عن حرية التعبير/طبع في باريس ١٩٨٤ ـ تصدع السلطة الرابعة/في طبعتين / بغداد وعمان ٢٠١١ ـ ديمقراطية الفرجة/ مقالات في الصحافة الساخرة) فيما انجز (نظرية “الملوية” في العام 2008 كأسلوب جديد في تحرير الأخبار بدلا من نظرية “الهرم” المتبعة في المدرسة المصرية).

 إصداراته

 أصدر صحيفة (الكاروك) الساخرة في العام 2007. قدم الكثير من الأعمال لحساب عدد من القنوات التلفازية والإذاعية اذكر منها: (برنامج صاحب الامتياز 2009) لحساب قناة البغدادية وبرنامج (الرازونة) لحساب أذاعه دي موزي. فيما أنتج نشيد التحرير (دعوني امشي) من كلماته والحان الفنان المبدع إبراهيم السيد. ويعمل حالياً على إنجاز كتاب (جدل الاتصال) الذي يبحث في التطور المذهل في عالم الاتصال (حدوده وإمكانياته).

  • وبعد نقاش عن الصحافة وأيام زمان أحببت أن يكون سؤالي الأول له: هل الصحافة المستقلة في عالمنا الحالي لها وجود؟       
  • لا يمكن التحدث عن صحافة مستقلة بالوقت الحاضر. لا سيما مع وجود سطوة مال وانعدام وجود جدوى اقتصادية، لذلك علينا التحدث والاهتمام بالموضوعية في الصحافة وهي التي تسرق القارئ بين هذا الموضوع وذاك.
  • الحركة الإعلامية اليوم كيف تراها؟
  • الإعلام هو نتاج يومي مستمر وليس حركة وكل يوم يجب أن يكون أفضل من الآخر بإضافة جديد للصحافة ككل… كما في الحديث الشريف (من استوى يوماه فهو مغبون) وهذا طبقته في صحيفة الكاروك، يجب الابتكار وترك التكرار.
  • حدثنا عن الكاروك؟
  • الكاروك هي صحيفة أسبوعية ساخرة أصدرتها من حسابي الخاص وكانت جريئة في طرح للموضوعات.
  • هل مازالت تَصدر؟
  • لا فقط استمرت سنة واحدة.
  • لماذا الكاروك؟
  • فيه حركة النقاء والولادة الجديدة.
  • كيف جاءت فكرة إصدار جريدة بوضع متقلب في العراق؟
  • بعد سنة 2003 ظهرت صحف تحاكي الصحافة الساخرة مثل جريدة حبزبوز. كان لطالبة عندنا اسمها عشتار، وهي طالبة ممتازة لكن الشكل والمضمون للصحيفة كان أشبه بتقليد لصحيفة حبزبوز التي أسسها العملاق نوري ثابت. وانصح بعدم التقليد بل الإضافة على النتاجات السابقة، هذا ما اتبعته في صحيفة الكاروك. والتي عنوانه وحده كلفني من التفكير مدة 3 أشهر.
  • ثقافة في الصحف السابقة والحاضرة ترى فيها تجدد مستمر؟
  • ثقافتنا مع الأسف اعتمد على التكرار. استذكر لكم موقف لأول مرة أقوله: بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية سنة 1988، كان هناك اجتماع من اجل تطوير الصحافة في العراق بحضور وزير الإعلام لطيف نصيف جاسم، وبدعوة من حميد المطبعي، وعلماء كبار مثل على الوردي، وكنت جالس بجانبه حينها. تحدثت فيه وكنت على ما اعتقد خامس متحدث. قلت لا توجد صحافة حتى نطورها لم نبني صحافة حتى نطورها. قال وزير الإعلام يومها كيف؟! قلت: الصحافة تكون مع التقرير مع الخبر أو العمود ونحن نفتقر لرؤساء تحرير مختصين ومع احترامي للموجودين سامي مهدي، شاعرا وحميد سعيد، واخونا هاني وهيب، كاتب سياسي أذا الصحافة يجب أن تتطور مع أشخاص صحفيين عاشوا مع الخبر أو يكون كمراسل حربي وهذا أفضل ما يكون. ولكن في وقتها انزعج مني وحولها الى قضية وقال هؤلاء رموز البلد، لكن أستاذي على الوردي، طبطب على كتفي وقال (عفارم) أحسنت وهذا أسعدني يومها!
  • هل تميل للكتابة الساخرة؟
  • منذ الصغر وانا أميل للنكتة بالبيت والشارع وانا أخر إخوتي الستة، كنت دائما صاحب نكته أصدقائي ينتظروني حتى أقول لهم شيء لطيف. وعلى فكرة هذا النوع من أصعب أنواع الكتابة وذلك يعود لسبب رئيسي هو وجود قضية مهمه نخفف من وطأتها بشكل هزلي ساخر وتبقى في الذهن، وأتذكر بعض منها الآن، قلت في احدى الفضائيات نحن كنا ننتظر دولة مؤسسات وإذا بها دولة مسدسات. وأخرى أن بغداد بناها المنصور وخرّبها العيساوي، دائما ابحث على الكلمة المؤثرة التي لا تنسى، كما في العنوان الذي يلخص زمن وجهد طويل كعنوان (علوه المرشحين) وهو عرض المرشح لنفسه وتقديم الهدايا
  • كيف ترى الشباب الصحفي اليوم وحضرتك أستاذ في جامعة بغداد كلية الإعلام؟
  • مع الأسف هناك من يتصور الإعلام بأنه شهرة ومال، والشهرة أكثر شيء يتصوره انه سوف يلتقي بنجوم العالم. الصحافة هي نقل رسالة والدفاع عن حقوق الناس والدفاع بشرف وأمانة وجرأة. وذلك يتطلب وجود ثقافة ولكن لا أرى هذا في طلبة اليوم يجب على الطالب أن يكتب عشرات المرات في جميع أنواع الصحف وأيضا العمل في الإذاعة والتلفزيون والظهور فيها حتى يكتسب لقب إعلامي بجدارة، أي أن يتقن جميع المهارات
  • لكن اليوم نشاهد الإعلامي متنقل بين الفضائيات؟
  • لا يوجد انتماء مع الأسف البعض يتنقل من قناة الى أخرى من اجل كسب المال الأكثر أو الشهرة دون الاهتمام بصناعة اسم له. ومثلما يوجد حديثي النعمة اليوم هناك حديثي الإعلام ونظرية كونفوشيوس في أساس فكرة الانتماء للعمل في جميع المؤسسات والخوف عليها مثل الخوف على بيوتنا وسابقا أتذكر أنا وأستاذ زيد الحلي، والأستاذ احمد عبد المجيد، والأستاذ طه الجزاع، كنا نعمل في الصحف وكل ما يهمنا الإخلاص للعمل فقط.
  • لكن لا يمكن تعميم الحالة … أليس كذلك؟
  • لا يمكن أن ننفي وجود طلبة جيدين. مثل د. نبيل جاسم، واحمد العذارى، ورحيم مزيد، كثر في الحقيقة ويظهرون في الفضائيات. نحن قد ننجح مهنيا ولكن عدم الالتزام يرجع لأمور أخرى ربما مادية. ولكن أي مرفق إعلامي تذهب إليه عليك معرفة من هم الممولين له حتى تحمي نفسك على سبيل المثال أنت صحفي جيد وصاحب العمل غير ذلك وكثير من الفضائيات يحركها المال السياسي وليس المهني. نحن دائما بحاجة للموضوعية. وانا كنت أظهر على الحرة بالعراق وأول من ظهر فيها وهي قناة أمريكية ولكن استخدم منبرهم لصالح بلدي وهذه القناعات التي اكتسبتها من خلال عملي.
  • بعد هذا الحديث المفعم بالمعلومات سألت د. كاظم المقدادي عن البدايات كيف كانت؟
  • منذ أيام المدرسة وانا في الأول المتوسط كانت هوايتي التصوير وما زلت أتذكر نوع الكاميرا التي كنت استخدمها (كيف) بعدها اكتشفت أن كييف عاصمة أوكرانيا. وأتذكر العطيفية والجسر الحديدي (الصرافية) ونهر دجلة والبساتين الجميلة، كنت استغل الوقت كل الوقت في التصوير أو السباحة في النهر، احتفظ ببعض الصور لشروق الشمس ولغروبها على جسر الصرافية. وذات مرة كنت في بستان للحاج طعمه، ووجدت نخلة لها رأسين وكان صديقي يدعى سيروان فتاح، وكان كردي الأصل وأنا احبه كثير لذلك ذهبت إليه وأخذت معي الصورة وقلت له (هذه الأخوة العربية الكردية) وكتبت الموضوع بهذا المعنى مرفق مع الصورة وأخذته بنفسي الى جريدة التأخي. كنت أترقب يوم نشر الموضوع وأتابعه. وفعلا نشر في الجريدة ويومها كان فرح كبير، الصورة والتعليق واسمي أسعدني الموقف جدا. بالمدرسة كنت اعمل نشرة مدرسية أسمها (الأنوار) وكنت اهتم بها كثيرا، في الإعدادية كنت أتقن هذا العمل بشكل جيد جدا وفي الكلية كنت اعملها كصحيفة وكانت الأساتذة حميدة سميسم، تشجعني دوما على عملي وأستاذي زكي الجابر، واحمد عبد الستار الجواري، وأستاذي علي الوردي.
  • تربطك علاقة محبة بالأستاذ علي الوردي؟
  • أنا من اشد المعجبين به على الرغم أنى كنت ادرس إعلام لكن كنت اذهب لحضور محاضراته في علم الاجتماع. ومن الأشياء الجميلة التي أتذكرها عندما رجعت من فرنسا وذهبت كي أرى امر تعيني الذي تأخر أكثر من سنة لأني ذهبت للدراسة على نفقتي الخاصة، يومها رأيت الأستاذ على الوردي، وكان منزعج جدا سلمت، عليه وعرفني وقال إنه جاء لمقابلة وكيل الوزير بعد اخذ موعد طبعا وإذا بهم يقولون لا وجود لموعد معك وأخذته معي وأوصلته الى بيته ومن يومها أصبحت اصطحب طلبتي الى الوردي وأشيد به لأني رأيت الدولة تحاربه. وأيضا المؤرخ الكبير عبد الرزاق الحسني بيته قريب من بيتي في الكرادة بعد أن انتقلت إلى السكن هناك، كنت اصطحب الطلبة على طول إليه منهم عبد الهادي مهودر وجدت انهم بحاجة لمثل علم الوردي وعلم الحسني.
  • كيف كان سفرك لفرنسا؟
  • كنت أتواجد دائماً في المركز الثقافي الفرنسي وانا طالب في الكلية وأيضا لي صديقة تعلمت منها بعض الكلمات كانت في القسم الفرنسي وانا في قسم الإعلام. سنة التخرج توفرت لي فرصة، دفع مبلغ (100) دينار بدل الخدمة العسكرية وكنت من عائلة غنية والحمد الله. لكن خشيت من أبي الذي كان يريد أن أكون ضابطا في الجيش ولم اخذ منه المبلغ واستدنته من صديق عمري وجاري في العطيفية وسام جرجيس دفعته كبدل نقدي وسافرت سنة 1974، وهي نفس السنة التي تخرجت فيها وكانت فرصة وقتها. من خلال معلوماتي من المركز الثقافي الفرنسي عرفت الكثير من أمور الدراسة واللغة والحياة في فرنسا ودرست الماجستير والدكتوراه لمدة 6 سنوات.
  • هل دراستك في فرنسا منحتك التحدث باللغة الفرنسية بطلاقة؟
  • نعم… والى يومنا هذا لا اخرج من البيت دون أن اسمع نشرة الأخبار الفرنسية. وكما ذكرت كنت اذهب للمعهد الفرنسي قبل السفر ودراستي كلها باللغة الفرنسية وحتى مناقشة رسالة الدكتوراه بالفرنسية حيث كان رئيس الجنة فرنسي من أصل جزائري يدعى (محمد أركون).
  • هل كل بقاؤك في فرنسا كان للدراسة؟
  • لا… أنا ذهبت على نفقتي الخاصة كما ذكرت ولم أكن مضطر للعودة السريعة، لذلك عملت لقاءات منها مع (جالك شيراك) وعلاقته بالرئيس العراقي (صدام حسين) خدمتني. وكانت لي علاقة طيبة بالسفارة العراقية هناك وكنت اذهب للسفارة بالمناسبات الوطنية والتقي بالشخصيات الكبيرة والمهمة واطلب مواعيد ومنها حوار مميز مع المرحوم عدنان خير الله نشر في مجلة (كل العرب). ومن الشخصيات الفرنسية الكبيرة روجيه جارودي أو (رجاء جارودي) بالعربية لأنه كان قد أسلم في عام 1982، جاك بيرك، والممثلة الفرنسية المشهورة كاترين دينوف، وشاهرنز نابور الذي توفي قبل مدة قصيرة وكان يتحدث العربية قليلا. وكنت لا أفضل اللقاءات مع الفنانين رغم الشهرة أكبر بل أحب المفكرين وأصحاب قضايا
  • تميل للسياسيين أكثر؟
  • لا… أنا أميل للثقافة بشكل عام ومن واجب الصحفي الجيد أن ينتقل بين العام والخاص وهنا أقول خاص أي التحدث بلغة المثقفين والتحاور معهم تحمل رسالة أعمق.
  • متى رجعت للبلد؟
  • رجعت في أواخر عام 1987، وكان من أجل إثبات موقف ولا أريد أن ارجع الى بلدي بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية. لكن زرت العراق قبلها في سنة 1982 وتركت فرنسا وجمالها وذهبت للمعايشة مدة أسبوعين حتى لا يقولون (تكتب عن الوطن وأنت بعيد عنه) والكثير من الزملاء استغربوا لعودتي بعد 14عام. لكن أنا إنسان حذر ولا أريد أن أكون ضعيف أمام موقف أو أمام شخص معين.
  • هل ذهبت إلى باريس مرة أخرى بعد عودتك منها أخر مرة؟
  • الحمد لله توفرت لي فرصة قبل خمس سنوات وفرها لي سفير فرنسي حضر ودعانا نحن الخريجين وأخذته في جولة الى شارع المتنبي ومقهى الشهبندر وأرسل بعدها لي دعوة. مكثت أسبوعيين ومن فرحتي لم ارتاح في الفندق، فقط وضعت حقيبتي وخرجت مسرعاً الى جامعة السوربون والى الأماكن الجميلة اسأل فيها على من اعرفهم ووجدتهم تقلصوا بسبب العنصرية وأتذكر حتى جورج بهجوري الرسام المصري الكبير الذي قال لي قبل عودتي لا يمكن أن اترك فرنسا، هو الآخر قد رحل منها هو ايضا وكان صديق مقرب من بين هاني شكري، وأمير حجازي، ولكن أرقي واحد من المصريين أمين محمود العالم، الذي سجنه عبد الناصر سبعة سنوات ولم يتكلم يوما بسوء عن عبد الناصر، ولدية كتاب مميز. الإنسان موقف وانا تعلمت منه وكان كاتب يساري واكتشفت بعدها أن 14 سنة كأنها 14 يوم سبحان الله.
  • رأيك في المستشرق الجزائري الفرنسي جاك بيرك؟
  • فيما بعد وفي أكاديمية (كولج دفرنس) التي تقع في حي كبير قرب جامعة السوربون، تعرفت على (جاك بيرك) لكن كنت ما زلت لا أتحدث الفرنسية بطلاقة حيث لم يمضِ على تواجدي سوى ستة شهور ولكن تعادل أربع سنوات دراسة في قسم اللغة الفرنسية بسبب بتواجدك بنفس البلد. المهم سألني عن لغتي وانا كنت امدح باللغة الفرنسية جدا، بعدها قال لي (لا) لغتكم أجمل بكثير أنا اندهشت من كلامه، فلغتنا صعبة. سألته كيف؟ قال: (أنا اجلس الآن على مكتب باللغة العربية تقولون مكتب وهذا يشتق منه كتاب وكاتب ومكتبة وكتب بينما نحن غير ذلك لا نمتلك اشتقاقات للغة وعبقرية اللغة أن فيها اشتقاقات) من يومها أصبحت أحبها وبتُّ انتبه للغة العربية كثيرا. ومن خلال تجربتي أن اللغة العظيمة تنتج أدب عظيم وهذا ما نراه في لغتنا العربية، وكونها عظيمة انتتجت المتنبي وكذلك اللغة الفرنسية انتتجت فولتير وجان جاك روسو والإنكليزي شكسبير وعلى سبيل المثال اللغة التركية لم تنتج أدب عظيم كونها لغة خليط.

   جاء سؤال في خاطري بعد هذا الحديث الطويل والشيق (وجهة نظر)

  • كيف ترى نفسك د. كاظم المقدادي؟
  • رجل يحب بلده جدا، وارى نفسي صاحب رسالة يجب أن أوصلها ومتمسك بها، ولا يهمني شيء مادي مطلقا، وأتذكر قول لمانديلا، يقول فيه: (عندما يريد المناضل ثمن مقابل نضاله، سيتحول الى مرتزق) لذلك لا أريد العمل في قناة وأكون منفذ لأوامرها… مؤمن بأفكاري ومسؤول عنها. وأفتخر أن طلبتي يتعلمون مني
  • بيتك أيام الطفولة والشباب كان يطل على نهر دجلة، فماذا علمتك؟     
  • السباحة والجراءة
  • المرأة بعيدة عن كتاباتك، لكن ماذا تعني للمقدادي؟
  • أوكسجين الحياة …وكمياء الحياة … بالوقت ذاته… إنها في تفاعل مستمر
  • عرفنا أنك اخترت زوجة عراقية. كيف وكنت تعيش في حينها في باريس؟
  • أميل للمرأة العراقية وعندما قررت الزواج اخترت زوجتي من بغداد وتزوجنا سنة 1985 سافرنا الى فرنسا وكانت تتحدث الفرنسية وهذا ما شدني اليها أكثر. في أول لقاء بيننا تحدثنا باللغة الفرنسية وأتذكر بعد زواجي كتبت الصحفيّة والزميلة إنعام كجه جي عمود قالت فيه الشاب الذي أحب العزوبية أخيرا وقع في قفص الزوجية…!
  • السعادة كيف تدخل لعالم المقدادي؟
  • أن اعمل كل يوم شيء جديد… أن أُقدم كل يوم عمل ويضاف لي.
  • هل الحرية تسبب مشاكل للصحفي؟
  • السلطة ضد مبدا الحرية ودائما غاشمة وفي كل العالم … على الصحفي أن ينتزعها انتزاعا بل هو الذي يرسمها لنفسه وكم عانيت ما عانيت من هذه الحرية …وأخر مشكلة لي كانت ستنهي على مستقبلي وحياتي …الإعلام الغربي إعلام سياسي ونحن الآن نشاهد ما يحدث في فرنسا وكيف الرئيس الفرنسي (ماكرون) بدأ يحافظ على كرسيه ويقول على أصحاب الستر الصفراء انهم مندسين، وعندما تقرأ موضوعا ما منشور ترى انه يحمل الموضوعية والحيادية ولكن الإعلامي الذكي لا يمكن أن يغفل لما بين السطور لو تبحّر بالمضمون يكتشف انه لا يوجد أخلاقيات العمل الإعلامي بل هناك ابتزاز وانتقاص من حرية الصحافة ولهذا كتبت كتابي (تصدع السلطة الرابعة) واليوم وكما قال (راموني) خبر الإعلام الفرنسي نحن بصدد أن تكون لنا سلطة خامسة أنتجتها التكنولوجيا الحديثة وهي صحافة المواطن والتي سوف تتطور وتتجدد باستمرار وتكون سلطة بلا قيود وتمويلها ذاتي لا تخضع لبنود المالك
  • التفاؤل والشتائم ماذا يعني للدكتور كاظم المقدادي؟
  • لا أميل لهذا التصنيف مطلقا. أأمن باللحظة في حينها والتي تخلق تفاءل أو عكس ذلك …!
  • هل وصلتَ الى قمة النجاح في مجال الصحافة؟
  • لا يوجد قمة للصحافة لكن اشعر بقمة السعادة، وانا أقوم بنقل رسالة إعلامية بشكل متميّز.
  • د. كاظم المقدادي لمن يسمع من الأصوات الغنائية اليوم؟
  • نزاريات لكاظم الساهر …وبعض الأغاني الفرنسية.
  • الصحفي بحاجة الى طاقة يومية حتى يواصل عمله بجد من أين يكتسب المقدادي طاقته؟
  • الثقافة البصرية تمنحنا الطاقة. وانا والحمد الله منذ أن فتحت عيوني على الدنيا وأمامي فضاء بصري جميل نهر دجلة والبساتين وهناك فرق بين أن تستيقظ كل صباح وتذهب لعملك وترى أمامك زهور ونحل يتنقل بينها لتمنحك طاقة إيجابية، وان ترى نفايات أمانة بغداد والذباب عليها لتمنحك طاقة سلبية … بغداد أصبحت تمنح طاقة سلبية بسبب الزحام والحواجز الكونكريتية وإلخ …عندما تسافر تكتسب طاقة معاكسة حتى لو سافرت لـ عمان  وتركيا وباريس التي تمنح الجمال … لذلك أي موظف عندما يذهب لعمله يحمل طاقة سلبية وحتى نحن الأساتذة ننظر للطلبة ونحن محملين بتلك الطاقة وهذه مسألة خطيرة يجب النظر اليها.
  • الكتب التي دائما تقرأها؟
  • أحب كل كتب الإعلام وهذا اختصاصي، حتى لو تنظرين الى مكتبتي الخاصة بالبيت اغلبها كتب إعلام  
  • كم مؤلف لديكم؟
  • عشرة مؤلفات، لكن أهمها كتاب (البحث عن حرية الإعلام) هو مختزل لرسالة الدكتوراه… كتاب يتحدث عن المصريين الذين هاجروا الى باريس في ظل حكم الخديوي إسماعيل الذي كان يضطهدهم. ومن القرن التاسع عشر وأصدروا صحف في باريس ومنها (أبو نظارة) (أبو صفارة) ليعقوب صنوع، الأديب الساخر الذي تأثرت به وهو مصري يهودي وكان يمثل التيار الوطني ضد الخديوي إسماعيل والعروة الوثقى لجمال عبد من الصحف التي درستها. الكتاب الآخر تصدع السلطة الرابعة، الذي كان في مجال الإعلام بشكل خاص
  • متى يستخدم الصحفي المثل المعروف (خير الكلام ما قل ودل)؟
  • في العناوين نحتاج له، على سبيل المثال:

علوه المرشحين

الحبل الدبلوماسي

اخضرار الوجوه

  • نسمع عن الزمن الجميل وجيل الطيبين، واليوم ماذا؟
  • في الحقيقة الحياة ثنائيات لو لم يكن هناك مرض لما شعرنا بالصحة، ولو لم تكن هناك دول قمعيّة لما شعرنا بالدول الجيدة ولم تكن هناك عمالة لم نشعر بقيمة الوطنية. ومن الذين تأثرت بهم جعفر أبو التمن شخصية وطنية عراقية لا يوجد مثله لا نوري السعيد مثله ولا ياسين الهاشمي ولا جعفر العسكري، فهو وطني خالص

 السؤال الأخير الذي نختتم به حوارنا الممتع مع ضيفنا الراقي د. كاظم المقدادي فنقول له:

  • ماذا تعلمت من الحياة ومن الإعلام بشكل خاص؟
  • الحياةتعلمت منها النظر الى الطبيعة الموجودة فيها والتي تكون مرتبطة مع الإنسان حيث حبة الجوز تشبه دماغ الإنسان، حبة الفاصوليا تشبه الكلية الإنسان وقطعة من الجزر تشبه حدقة العين نحن منها واليها. والإعلام بطاقة مرور الى عوالم شتى وممكن في يوم واحد أن التقي شحاذا في أطراف الليل وفي النهار وأحاور مسؤولا كبيرا أو أراني في تجمع شعبي كبير. من هذه الزاوية يقدم لي الإعلام هذه المساحة الكبيرة التي يمكن أن أتحرك فيها مهنيا وإنسانيا. وبالتالي فأنا يوميا اكتسب ثقافة ومعرفة متباينة بأشكالها الواقعية والعملية. إضافة الى تحسين المهارات من خلال القراءة الواعية والاختلاط والاطلاع والسفر، لكن هذا الزاد المعرفي يعتمد على شخصية الإعلامي. فهناك من يسعى الى تطوير نفسه واجتهاداته. وهناك من يتعامل مع الإعلام وكأنه وظيفة يومية وهذا الأخير لا يقدم الإعلام له سوى الاجترار المهني دون الابتكار المعرفي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى