كتاب معجم حكام العراق

الحلقة الثانية

أسماء الرافدين عند الأقدمين

دجلة – كانت دجلة تسمى عند السومريين (أدجنا أو أدجلا) وقد زاد على اللفظة الأخيرة البابليون الساميون علامة تاء التأنيث فقالوا (أدجلت) وقد اختصروها على مر الأيام فأصبحت دجلة، وقد صحف الفرس الماذيين هذه اللفظة فقالوا تفرا ومعناها في لسانهم السهم لشدة جريان هذا النهر غير ان العبرانيين اقتبسوا كلمة أدجلا السومرية وتصرفوا فيها فقالوا جداقل (راجع سفر التكوين 2:14) وذلك كما فعلوا عندما أبدلوا كلمة شمر “سومر” بشنعار التي تفيد معنى النهرين. وقد أطلق اليونانيين على دجلة (تجريس) وتعني النمر لسرعة جريانه ولا تزال معروفة عند الأوربيين بهذا الاسم إلى يومنا هذا وقد ورد اسم دجلة في سفر دانيال (10:14) وأما العرب فقالوا دجلة بكسر الدال.

مقالات ذات صلة

الفرات – كان الفرات يعرف عند السومريين أولا باسم (فرافون) أي الماء أو النهر العظيم وكثيرا ما كانوا يطلقون عليه لفظ (فرا) أي النهر وقد جاء ذكره في التوراة باسم النهر الكبير (سفر تك 15:18 وسفر تك 1:7) وجاء أيضا مرارا عديدة باسم النهر بدون زيادة اسم آخر عليه.
ثم إن البابليون الحقوا بلفظة (فرا) تاء التأنيث فقالوا (فرات) ومنهم نقلها العبرانيون الى لغتهم فقالوا فرات وفسروها بمعنى الغزير وجاءت عند الاكديين بمعنى النهر المتعرج غير ان الفرس الماذيين تصرفوا فيها قليلا فقالوا (
فراتو ) وأرادوا بها الماء العذب وقد أخذ اليونان هذه اللفظة عن الفرس فقالوا ( أفراتس ) وأما العرب فقالوا الفرات وتعني العذب أيضا وكما ذكرت الكلمة في القران الكريم بنفس اللفظ والمعنى.
(لقد أخذت هذه النبذة من كتاب: -Aprimes of Assyriology By. A.Hsayee. Revised Edition 1925)
فتح العراق

لابد لنا من الإشارة في هذا الباب إلى قصة فتح العراق وانتزاعه من الفرس فقد كان ثغر فارس من أثقل الثغور على العرب وأعظمها في نفوسهم وأكثرها هيبة وكانوا يكرهون غزوه ويتجنبون عنه استعظاما لشأن الأكاسرة ولما هو مشهور عنهم , حتى كان آخر أيام الخليفة أبو بكر الصديق (رض) فقام رجل من الصحابة يقال له المثنى بن حارثة (رض) فندب الناس الى قتال فارس وهوّن عليهم الأمر وشجعهم على ذلك فانتدب معه جماعة وتذكر الناس ما كان رسول الله (ص) يعدهم به من تملّك كنوز الأكاسرة ولم يتم في ذلك أمر في خلافة أبي بكر (رض) حتى كانت أيام عمر بن الخطاب(رض) وكتب إليه المثنى بن حارثة يخبره باضطراب أمور الفرس وبجلوس يزد جرد بن شهريار على سرير الملك وصغر سنه وكان عمره إحدى وعشرين سنة فقوي حينئذ العرب في غزو الفرس فخرج عمر (رض) وعسكر خارج المدينة والناس لا يعلمون أين يريد وكانوا لا يتجاسرون على سؤاله حتى ان بعضهم سأله مرة عن وقت الرحيل فزجره ولم يعلمه فكانوا إذا أعضل عليهم امر وكان لا بد لهم من استعلامه استعانوا عليه بعثمان بن عفان أو بعبد الرحمن بن عوف ( رضي الله عنهما ) ولما أشتد الأمر عليهم قال عثمان لعمر (رض) يا أمير المؤمنين ما بلغك وما الذي تريد فنادى عمر (رض) الصلاة جامعة فاجتمع الناس إليه فاخبرهم الخبر ووعظهم وندبهم الى غزو الفرس وهون عليهم الامر فأجابوا جميعا بالطاعة ثم سألوه أن يسير معهم بنفسه فقال أفعل ذلك إلى أن يجيء رأي خير من هذا ثم بحث إلى أصحاب الرأي واعيان الصحابة وعقلائهم فأحضرهم واستشارهم فأشاروا عليه بان يقيم ويبعث رجلا من كبار الصحابة ويكون هو من وراءه ويمده بالإمداد فان كان فتح فتحا فهرع إليه وان هلك الرجل أرسل رجلا آخر فلما انعقد اجتماعهم على هذا الرأي صعد عمر المنبر ( وكانوا إذا أرادوا أمرا يكلمون الناس كلاما عاما صعد احدهم المنبر وخاطب الناس بما يريد) فلما صعد عمر قال ( أيها الناس أني كنت عازما على الخروج معكم وان ذوي اللّب والرأي منكم قد صرفوني عن هذا الرأي وأشاروا أن أقيم وابعث رجلا من الصحابة يتولى أمر الحرب ) , ثم أستشار فيمن يبعث وفي تلك الأثناء وصل إليه كتاب من سعد بن أبي وقاص وكان غائبا في بعض الأعمال فأشاروا على عمر بسعد (رض) ووافق ذلك حسن رأي من عمر بن الخطاب (رض) فولاّه حرب العراق وسلمه الراية فسار سعد بالناس وسار عمر بن الخطاب (رض) معهم فراسخ ثم وعظهم وحثهم على الجهاد وودعهم وانصرف إلى المدينة وتوجه سعد فجعل يتنقل في البرية التي بين الحجاز والكوفة ويستعلم الأخبار وأرسل إليه عمر فيها بالرأي بعد الرأي ويمده بالجنود بعد الجنود حتى أستقر رأيه على قصد القادسية وكانت باب مملكة فارس وحين ورد الخبر إلى العجم بوصول سعد بالجيش تدبر له رستم في ثلاثين ألف مقاتل وكان جيش المسلمين من سبعة إلى ثمانية آلاف مقاتل ثم اجتمع أليهم بعد ذلك ناس آخرين فالتقى الجيشان فكان العجم يضحكون من نبل العرب ويشبهونها بالمغازل وها هنا موضع حكاية تناسب ذلك لا بأس لإيرادها – حدثني فلك الدين محمد بن أيدمر قال كنت في عسكر الدويدار الصغير لما خرج إلى لقاء التتار بالجانب الغربي من مدينة السلام في واقعتها العظمى سنة ست وخمسين وستمائة قال فالتقينا بنهر بشير من أعمال دجيل فكان الفارس منا يخرج إلى المبارزة وتحته فرس عربي وعليه سلاح تام كأنه وفرسه الجبل العظيم ثم يخرج إليه من المغول فارس تحته حمار وفي يده رمح كأنه المغزل وليس عليه كسوة ولا سلاح فيضحك منه كل من رآه , ثم ما تم النهار حتى كانت لهم الكرة فكسرونا كسرة عظيمة كانت مفتاح الشر ثم كان الأمر ما كان .
ثم ترددت الرسل بين رستم وسعد فكان البدوي يأتي إلى باب رستم وهو جالس على سرير الذهب وقد طرحت له الوسائد المنسوجة بالذهب وفرش له الفرش المنسوج بالذهب وقد لبس العجم التيجان وأظهروا زينتهم وأقاموا الفيلة في حواشي المجلس فيجيء بالبدوي وفي يده رمحه وهو متقلد سيفه متنكب فرسه فيربط فرسه فيصيح العجم عليه فيهمون بمنعه فيمنعهم رستم ثم يستدنيه فيمشي إليه متكأ على رمحه فيطأ به ذلك الفرش وتلك الوسائد فيخرقها بزج رمحه فاذا وصل الى رستم راجعه الحديث فكان رستم لا يزال يستمع منه حكما وأجوبة تروعه وتهوله , فمن ذلك ان سعدا (رض) كان يبعث في كل مرة رسولا فقال رستم لبعض من أرسله اليه لم يبعث الينا صاحبنا بالأمس ؟ قال لآن أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء وقال يوما لآخر ما هذا المغزل الذي في يديك ؟ يعني رمحه قال ان الجمرة لا يهمها كسرها وقال مرة أخرى لآخر ما بال سيفك أراه رنا؟ فقال أنه خَلِقُ الغمد حديد المَضرب ْ فراع َ رستم ما رأى من تلك الأقوال ِ والأمثال وقال لإصحابه إن هؤلاء لا يخلو أمرهم من ان يكون صدقا أو كذبا فان كانوا كاذبين فان قوما يحفظون أسرارهم هذا الحفظ ولا يختلفون في شيء وقد تعاهدوا على كتمان سرهم هذا التعاهد عجيب فهم ليسوا بهينين وأن كانوا صادقين فهؤلاء لا يقف حذائهم أحد فصاح أصحابه حوله ان تترك ما أنت عليه لشيء رايته ثم اقتتلوا أياما كان أخرها انعكاس الريح عليهم حتى أعماهم الغبار فقتل رستم وأنحل الجيش ونهبت أموالهم وأجفل الفرس يطلبون مخاضات دجلة ليقعوا في الجانب الشرقي وتبعهم سعد وعبر المخاضات وقتل منهم مقتله عظيمة أخرى بجلولاء وغنم أموالهم وأسر بنتا كسرى , ثم كتب سعد إلى عمر (رض) بالفتح وكان عمر في تلك الأيام شديد التطلع إلى أمر الجيش فكان في كل يوم يخرج إلى ظاهر المدينة راجلا يتنسم الأخبار لعل احد يصل فيخبره بما كان منهم فوصل البشير من عند سعد بالفتح فرأه عمر فقال له : من أين جئت , قال من العراق , قال فما فعل سعد والجيش , قال فتح الله عليهم كل ذلك والرجل سائر وعمر يمشي في ركابه وهو لا يعلم انه عمر فلما أجتمع الناس وسلموا على عمر بأمره أمير المؤمنين عرفه البدوي فقال هلا أعلمتني رحمك الله انك أمير المؤمنين , فقال لا بأس عليك يا أخي ثم كتب عمر (رض) إلى سعد : قف مكانك ولا تتبعهم وأقتنع بهذا وأتخذ للمسلمين دار هجرة ومدينة يسكنوها ولا تجعل بيني وبينهم بحرا فأتخذ لهم سعد الكوفة وأختط بها المسجد وأختط الناس المنازل ومصرها سعد ثم حكم في المدائن وملك الكنوز والذخائر , من الظرف في فتوح العرب أرض العراق : ان بعض العرب ظفر بجراب فيه كافور فاحضره إلى أصحابه فظنوه ملحا فطبخوا طعاما ووضعوا فيه كافورا فلم يروا له طعما ولم يعلموا ما هو فرآه رجل فعرف ما فيه فاشتراه منهم بقميص خلق يساوي درهمين ومنها إن بدويا ظفر بحجر من الياقوت كبير يساوي مبلغا عظيما فلم يدر قيمته فرآه بعض من يعرف قيمته فاشتراه منه بألف درهم فبعد ذلك عرف البدوي قيمته ولامه أصحابه وقالوا : هلا طلبت أكثر من ذلك ؟ قال لو علمت أن وراء الألف عددا أكثر من الألف لطلبته , ومنها أن بعضهم كان يأخذ في يده الذهب الأحمر ويقول من يأخذ الصفراء ويعطيني البيضاء , يرى أن الفضة خير من الذهب ثم إن يزدجرد هرب إلى خراسان وما زال يضعف أمره حتى قتل في سنة أحدى وثلاثين من الهجرة بخراسان وهو أخر ملوك الأكاسرة .

بسام شكري

باحث وكاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى