التاريخ هو عبارة عن سجل متراكم من الاحداث والوقائع الحقيقية والحرفية ، التي تقف عندها الشعوب ، لدراستها وتدقيقها ، ووفق اتجاهات معينة ، أهمها الاستفادة من التجارب الماضية والاطلاع عليها وعلى المعارف السابقة والدروس المستنبطة ، والتي تشكل بمجملها معطيات نقطف ثمارها في الوقت الحاضر.
إلا أن هذه المعطيات ليس بالضرورة تشكل الحقيقة المطلقة والمطابقة للواقع ، لان الكثير من الحكايات والأساطير والخرافات تداخلت وامتزجت بين صفحات التراث ، والكثير منها تم اختلاقها ، وكتبت من أجل تمرير أمور سياسية وسلطوية ، بالاضافة الى عن الأخطاء والتشويه والكذب والمبالغة والنقل المشوه ، والتي وضعت هي الاخرى في السجل المتراكم من الاحداث.
خاصة اذا عرفنا من وجود مقولة مشهورة ( الأقوياء والمتسلطين والمنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ ).
وكما هو معروف ، لقد مر علينا عبر التاريخ كله ثورات وانتفاضات
وحروب وأحداث عديدة لا حصر لها ، ويكون من الصعب جدا على الباحثين تأكيد صحة ما كتب عن تلك الاحداث. ومدى مصداقيتها ،
كوّن علم التاريخ لا يملك أي سلطة على أبحاثه ، ولا يتمكن من أخضاعها الى التجربة.
ولاكن بالإمكان الاعتماد على جمع اكبر عدد ممكن من الأخبار والادلة التراثية المتمثّلة بالألواح والمنحوتات والكتابات المسمارية
وعلى وجه الخصوص الكتب والمخطوطات القديمة وغيرها.
والتي جميعها تعبر بشكل أو بآخر
عن الواقع الملموس في تلك الحقبة من الزمن.
أما عن نقل الحديث عن فلان وفلان وفلان ، ففي تصورنا ، لا نستطيع أن نجزم من خلال هذه الأحاديث أو هذه المنحوتات والكتابات ( الأكدية والبابلية والآشورية ) وغيرها إن ما ورد فيها
صحيحا ، لانه لا يمكن لنا أن نصدر حكما قاطعا بهذا الموضوع أو ذاك ، ما لم توجد لدينا قرائن اخرى تشير الى نفس المدلول .إن قراءة التاريخ وكيفية فهمه مسألة في غاية التعقيد وتحتاج الى دراسات ومتابعة الاحداث بشكل تفصيلي وربطها حسب وقائعها ، وإيجاد القرائن وربط المواضيع وفق حدوثها ، مما يجعلنا قريبين الى الحقيقة.
وهذا ما يجعلنا بين الشك واليقين في الكثير من الاحداث التي مرت عبر التاريخ ، وكثيرا ما تم اكتشاف عديد من الدلائل عدم صحة الكثير من الروايات والاحداث التاريخية مما جعل الكثير من كتاب التاريخ يصابون بخيبة أمل
كبيرة.
ومن وجهة نظرنا ، إن فهمنا للتاريخ يكون وفق الجدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل ، أي ان لا نكون حبيسي الماضي ، ونجتره اجترارا حرفيا ، دون فهمه وتحديد الزمكان الذي وقع فيه الحدث. بل علينا الاستفادة من إيجابياته ، وأن نستحضر الماضي المشرق من أجل تعزيز الوعي ، بأهمية التاريخ في استشراف المستقبل ، وبما ينسجم والتطور العلمي – التقني الذي نعيشه اليوم ، لان الواقع الحالي قد طرأ عليه الكثير من التطور على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والسياسية
وتغيرت الكثير من المفاهيم والعادات والتقاليد ، فما كان يصح قبل ٥٠٠ عام ما عاد يصح وفِي كثير من الأحيان اليوم.
وعلينا العمل على الابتعاد عن سلبيات التاريخ ، ووفق هذه الجدلية التي توظف ايجابيات الماضي في حاضرنا واستشراف المستقبل ، نكون قد حققنا الشيء الكثير من أجل مستقبل أجيالنا الواعدة.
781