كيف يخرج العراق من مأزقه؟

المأزق الذي يعيشه العراق منذ غزوه واحتلاله يتفاقم، ونافذة الحل تبدو بالنظر إلى الانسداد السياسي الذي يشهده مسدودة بانعدام التوافق أطراف العملية السياسية جراء غياب خريطة طريق متوازنة كمخرج للأزمة السياسية تستند إلى رؤية واضحة لآليات محددة قد تخرج الجميع من نفق الانتظار والتردد إلى فضاء الحل المنشود الذي يجنب العراق مزيدا من الدماء والخسائر في شتى الميادين.
إن الخروج من هذا المأزق يتطلب من القائمين على الحكم في العراق تحديد مسارات العمل بالاستناد إلى تحقيق التوازن بالعملية السياسية، وتحقيق مبدأ العدالة في مسارها والتوافق على تقاسم السلطات بشكل عادل، واتخاذ القرارات المعبرة عن تطلعات العراقيين بوطن تسوده العدالة والنظام والقانون من دون استثناء أو إقصاء أي مكون، وقبل ذلك وقف عسكرة المجتمع وإنهاء فوضى السلاح خارج سلطة القانون والنظام.
وهذا المسار يستدعي معالجة تركة الاحتلال والتخلص من نظام المحاصصة الطائفية الذي عطل الأداء الحكومي، وتدني مستوى الخدمات بالاعتماد على معايير المواطنة وقوانينها في عملية البناء يكون فيها الولاء للوطن وليس للحزب والطائفة، كما يحدث الآن، الأمر الذي سيجعل الباب مشرعا لمشاركة الجميع في إعادة بناء العراق وتعزيز أسس الشراكة بين مكوناته، بعيدا عن الإقصاء والتهميش التي أدت بالإضرار بملايين العراقيين وحرمتهم من حقوقهم المدنية.
وأولى خطوات معالجة هذه التركة هي وقف إجراءات الاجتثاث التي ألحقت الأذى بقطاعات كبيرة من العراقيين، ورفض تسييس إجراءاتها بالاستناد إلى المعايير القانونية في قراراتها، بدلا من الانتقام والثأر، ومعالجة تداعيات وملف المعتقلين والمغيبين، فضلا عن حماية أموال العراقيين من النهب المنظم، وملاحقة الذين تسببوا في هدر مليارات الدولارات بإجراءات قانونية تأخذ بنظر الاعتبار حقوق العراقيين المشروعة في حماية ثروتهم ووقف النهب المنظم لها.
إن الاستئثار بالسلطة ورفض مبدأ الشراكة في اتخاذ القرارات هي التي أدت إلى الفوضى وعدم الاستقرار الذي يشهده العراق؛ لأن الخلل في تحقيق التوازن في المجتمع العراقي سيبقي العراق ضعيفا وغير قادر على مواجهة التحديات سيكون عرضة للتدخل الخارجي كما يحدث الآن.
وهذه الاشتراطات التي تستند إلى مبادئ العدالة والقانون والمواطنة الحقة لبناء الوطن هي التي ستنقذ العراق من التشظي، ومن الضياع والبقاء في مربع التخندق الطائفي والعرقي، وتحميه من محاولات تقسيمه إذا كان محصنا بوحدة أبنائه وتمسكهم بثوابت الوطن وأسس العيش المشترك بينهم.
ومن دون التمسك بهذه الثوابت والحرص على تكريسها في الحياة السياسية سيكون مصير أي تحرك أو مبادرة الفشل؛ لأن القوى التي تعرقل إخراج العراق من تداعيات الاحتلال والمحاصصة الطائفية وتبعاتها هي المستفيدة من هذا الإخفاق؛ لأنه سيوفر لها الاستمرار في احتكار السلطة وحماية سراق المال العام، وإنكار حق الآخرين في تقرير مصير البلاد، غير أن هذه القوى ستجد نفسها معزولة ومكشوفة أمام الجميع.
إن وحدة العراق وسيادته واستقلاله ووقف التدخل في خيارات شعبه، وتجسيد عمق ارتباطه بمحيطه العربي لن يتحقق من دون تعزيز أسس الشراكة والمصير المشترك بين مكوناته، والإقلاع عن الرهان على العامل الخارجي لأنها الضمانة لبقاء العراق قويا وقادرا على الخروج من محنته.
هذه الضمانات إن تحققت ستعزز مناعة العراق في مواجهة إلحاقه بمشاريع مشبوهة هي بالأحوال كافة تتقاطع مع موجبات الأمن الوطني والقومي وتقرير مستقبله بعيدا عن الإملاءات الخارجية.

احمد صبري

a_ahmed213@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى