ولكنني اقول لهم العراق بامكاناته لا يستطيع أن يكون بقدرات الولايات المتحدة ولا الاتحاد السوفيتي، اللذين ينطويان على إمكانيات علمية واستخبارية وخاصة الولايات المتحدة التي تمتلك أعظم شبكة من (الفلترات السياسية)، في صنع القرار من قبيل مراكز الدراسات الاستراتيجية والجامعات والكونغرس بغرفتيه، ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع وال CIA، ومع ذلك لو تصفحنا تاريخ (المغامرات) الكارثية التي اقدمت عليها والتي خاضتها الولايات المتحدة، ولعل آخرها حربها العدوانية على العراق وقبلها في فيتنام وقبلها في كوريا، وحاولنا أن نخرج بمحصلة واحدة، لاعطينا العذر للقيادة العراقية التي تحملت من طيش الأشقاء الصغار فوق ما يحتمل البشر، ولكننا لم نسمع امريكياً يقوم بجلد الذات كما نفعل.
أمريكا كانت تخطط لتدمير العراق استنادا إلى نبوءات تلمودية بأن العراق هو الخطر الداهم على اسرئيل، ولا أحد سواه، لأن هذه حتمية تاريخية بدأت بنبوخذ نصر ثم بصلاح الدين، وأراد صدام حسين أن يبني عراقي عزيزا قادرا على حمل الامانة، والقائد اذا كان يحمل مشروعا بهذا الطموح ومن هذا الطراز، فإن القوى الدولية لا يمكن أن تسمح له أن ينتقل إلى الخطوة الثانية، وهي النهضة العلمية والاقتصادية، مع قوة تحميها.
نعم لا اريد ان اختلف مع رفاقي من أبناء التجربة، ولكنني لا أعلق على رأي من لا رأي له إلا في اقتناص الفرص للطعن في كل ما صنعناه، ولعلهم يشتمون نشر التعليم وتوزيع الثروة بعدالة، فهذا ديدن الأعداء ودينهم.
حصل ما حصل ليس لأن العراق استرد حقا سلبته منه قائدة الخبث العظمى في العالم، ولكن رأس العراق كان مطلوبا باي ثمن ومهما فعل، ولو لم يجدوا شيئا ليدمروا وطننا من اجله، فسوف يقولون لأن قيادته بلطت (عبّدت،) طرق العراق ونشرت الكهرباء فيه، واقامت مشاريع الاسكان على انقاض الصرائف، وربما ستستعين قوى الشر بايران لتصدر لها الفتاوى بأن هذه بدعة عراقية وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وتؤكد أن العراقيين غيّروا سنن تاريخ العرب والمسلمين، ونقلوا الناس من الطرق الموحلة الى الهاي وي، ألم يقل أحدهم يوما (كيف تتركون بغال الله وتركبون الشمندفر “القطار”)؟.
لقد بذر صدام حسين بذرة العز للعراق وللعروبة، ولا بد أن تنبت شجرتها وتورق وتثمر ذات يوم، ومن عاش فسوف يرى ولكن الأبناء والاحفاد سيحصدون ما زرع آباوهم من جيل التضحيات.

928