أثيرت هذه الأيام قضية حساسة جداً تتعلق بتقاسم الأوقاف السنّيّة والشيعية في العراق!
ومعلوم أن الأوقاف ليست ملكاً للدولة، بل هي أملاك لمن أوقفت لهم، ودوائر الأوقاف دورها إداري بحت، ولا يمكنهم التصرف المطلق بهذه الممتلكات إلا في ما فيه منفعة، أو تنمية لتلك الممتلكات.
الخطوة الحكومية بالتوقيع على هذا الاتفاق فتحت الباب لعشرات الفعاليات والتصريحات والبيانات لشخصيات ومؤسسات دينية ومجتمعية عراقية رافضة لهذه الخطوة التي تؤكد أن الحكومة تريد التخلص من أزمتها الاقتصادية عبر التلاعب بأموال الوقف.
وفي هذا الصدد ذكر الدكتور عبد الرزاق السعدي أن ” نشأة الأوقاف في العراق كمؤسّسة كانت خاصة بأوقاف السُنّة أيام كانت مديرية عامة يديرها الشيخ العلامة بهجت الأثري ولم يكن لأي طائفة عراقية أخرى أي علاقة بهذه المديرية، ثم تحولت إلى ديوان الأوقاف للسنّة، في الوقت الذي كان للشيعة إدارة خاصة للعتبات المقدسة بإشراف مراجعهم”.
من جانبها ذكرت هيئة علماء المسلمين في العراق أن:
- التفريط بمصالح الوقف ووقفياته والمساجد المسلوبة منه، تطوعًا أو بتأثير عوامل ضغط حكومية وميليشياوية أو بفعل انحياز القضاء، وهو ما يهدد بذهاب كثيرٍ من أصول الأوقاف ومتعلقاتها ومواردها، وفقًا لـ(خارطة طريق) معدة للاستيلاء عليها.
- خضوع الإدارة السابقة لـ(ديوان الوقف) لطلب رئيس الوزراء السابق (عادل عبد المهدي) بحسم ملف المساجد والأوقاف، والتنازل عن كثير منها بطريقة أو أخرى خارج إطار القضاء -على الرغم من انحيازه-، ومن خلال تفاهمات وصفقات في لقاءات غير معلنة جرت العام الماضي بين مسؤولين في (الوقفين).
- عدم قدرة (الوقف السنّيّ) على استرداد المساجد التي حسم أمر عائديتها، وعدم تطرق الاتفاق إلى الأوقاف الثابتة عائديتها له، التي استولت عليها الميليشيات والأحزاب وديوان (الوقف الشيعي) في السنوات الماضية من (مساجد وأراضٍ وعقارات) في عموم العراق.
وختمت الهيئة بيانها بالقول: ونؤكد هنا على عدم صحة ما جاء في رد الإدارة الحالية لـ (ديوان الوقف) وادعائها بأن المصادقة على الاتفاق “خطوة جسورة وشجاعة لرئيس الوزراء” وأن “الاتفاق علامة فارقة تعني لنا استعادة الكثير من أملاك ديوان الوقف السنّيّ وحقوقه ووثائقه وأراضيه وحججه الوقفية بما فيها مساجد ومنابر ومقامات كانت قبل هذه المصادقة تم الاستيلاء عليها في ظروف ملتبسة فأصبحت خارج مسؤوليتنا أو أنهم تركوها عند منتصف الطريق تبحث عن حلول وتسويات”.
وبالمقابل أفتى المجمع الفقهي العراقي ” بحرمة الاتفاق المشترك لحسم أملاك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة، لما فيه من التلاعب والتحكم بأوقاف محسوبة لله تعالى، ومقيدة بشرط واقفها، ولذا يطالب بإلغاء هذا الاتفاق”.
ومن جانبه شدّد العلامة عبد الملك السعدي على أنه “اتفاق مُفرّق لا جامع ومفسد لا مصلح ومثير للنعرة الطائفية والمذهبية المقيتة”.
وطالب السعدي المسؤولين العراقيين ابتداءً من الرئاسات الثلاث إلى من دونهم من المسؤولين السُنّة بإلغاء ما يسمى باتفاق ” تقاسم الأوقاف”، قائلاً ” اتقوا الله في أموال الوقف السنّيّ فالحساب يوم الحساب عسير يوم لا ينفع مال ولا بنون”.
وشدد العلامة السعدي على” أنه ليس من حق أي إنسان التجاوز على حقوق الواقفين وشروطهم، أو يفرط فيما أوقفوه من مساجد وأملاك وعقارات وأموال أخرى بل أن الواجب الشرعي يحتم إعادة ما تم سلبه من الوقف السنّيّ على مدى سبع عشرة سنة”.
وفي هذا السياق ذكر الدكتور عبد السلام الكبيسي ” لقد عقدت ثلاث جلسات لمجلس الأوقاف الأعلى لبحث حسم الخلاف بين الوقفين في ٣٠/٤/٢٠١٩ وفي ١٨/٧/٢٠١٩ وفي ٢٤/٧/٢٠١٩ وكانت كلها تنصب للحفاظ على الموقوفات الإسلامية لأهل السنّة والجماعة دون المساس بحقوق الغير، ولكن، ومع الأسف، فإن المخاض العسير لم يظهر المولود الشرعي الذي زرعناه في رحم ديوان الوقف السنّيّ، بل جاء هجينا بعد أن عبثت به أيادي سوداء وغيرت جنسه وظهر فجأة في الموصل حيث كانت لجنة الإفتاء في الموصل له بالمرصاد فرفضته في فتى شرعية معلنة وحينما ذهب الدكتور عبداللطيف الهميم إلى الموصل للملمة الموضوع تصدى للأمر فضيلة الشيخ الدكتور فهمي القزاز واجهز على هذا الهجين بعد أن زودته برؤية مجلس الأوقاف الأعلى الحقيقية وحينها وفي تاريخ ١٦/٩/٢٠١٩ قدمت تقريراً إلى مجلس الأوقاف الأعلى ذكرت فيه ما اتفقنا عليه في آخر جلسة في يوم الأربعاء ٢٤/٧/٢٠١٩ وقد جمد الدكتور الهميم الاتفاق ولم يوقعه ولم يرفعه إلى رئاسة الوزراء، وبعد مجيء الدكتور سعد كمبش رئيسا لديوان الوقف السنّيّ علمت بأن عجلة الاتفاق المزور تحركت من جديد للسطو على موقوفات أهل السُنّة والجماعة مما دفعني أن أتحرك بسرعة حيث سافرت إلى سامراء واتصلت بدكتور حاتم السامرائي ودكتور عمر كونهما أعضاء في مجلس الأوقاف الأعلى وكذلك حدث مع كل أعضاء مجلس الأوقاف الأعلى الشرعيين وهم الدكتور عبد المنعم الهيتي والدكتور ضياء الجواري والدكتور مصطفى المشايخي والدكتور محمد مطلك والدكتور احمد عباس والشيخ عبدالله حسين الكبيسي والدكتور عمر السامرائي، وأطلعتهم على ما كتبته ردا على الورقة المزورة ووافقوني عليها دون تحفظ”.
ويضيف الكبيسي: ” حينها حملت الورقة وذهبت بها إلى دكتور سعد في يوم ١٠/٢/٢٠٢٠، وشرحت له جهدي في نقض الوثيقة المزورة وبعد آخذ ورد ومناقشة الورقة قلت له أنا عملت هذا لمصلحة من هم تحت التراب ولكم أيضا لان الوقف هو أمانة بأعناقنا جميعاً، وقال لي بعد انتهاء النقاش ما نصه (والله لو خيروني بين أن يبعدوني عن الوقف أو أن أوقع هذه الوثيقة لاخترت الأبعاد) ولكنه مع الأسف قد تغير ووقع على ما هو ادهى وأمر من ذاك الهجين الذي ولد زمن الدكتور الهميم والذي اعترف الدكتور الهميم به مولودا هجينا فلم يوقعه أو يرفعه لمجلس الوزراء”.
من طرفه قال الشيخ عبد الحكيم السعدي ” اطلعت على الاتفاق المخزي الموقع بين ما يسمى ديوان الوقف السنّيّ وديوان الوقف الشيعيّ، وليس لنا من قول تجاه ذلك إلا أن نقول لسعد كمبش رئيس ما يسمى بالوقف السنّيّ اتق الله في أوقاف المسلمين ولا تفرط بها وتقدمها هدية في مقابل تثبيتك بالمنصب . فهذه الأوقاف لم يجرؤ احد ممن سبقوك أن يضيعها إلا من كان لادين له ولا خلق لأنك تعلم أن شرط الوقف كنص الشارع وأن التفريط بفلس واحد أو بما يقابل ذلك من المنقولات وغير المنقولات خيانة لله ولرسوله وللواقفين؟”!
ومع كل ما تقدم، أرى ضرورة أن تعمل الحكومة على:
– إبطال الاتفاق خلال الساعات القادمة، وعدم السماح لمثل هذه الاتفاقيات أن تكون سبباً لفتنة مجتمعية في العراق.
– إقالة رئيس الوقف السنّيّ، من منصبه، بعد أن رفض من كافة القوى السنّيّة في العراق بسبب مواقفه غير الحافظة للأوقاف، التي هي أمانة.
– ترتيب مجلس للأمانة الأوقاف لا يمكن معه التلاعب بالوقف من قبل رئيس الوقف السنّيّ، حتى تكون المسؤولية جماعية وليست فردية.
نأمل أن تكون هذه الخطوة سبباً للتكاتف السنّيّ – السنّيّ، وضرورة التوافق وبالذات مع القوى الدينية الكبيرة للوقوف بوجه الخطوات الهادفة لإضعاف دور المكونات الفاعلة في المراحل المقبلة في العراق.