لا نهاية للحروب في العالم

ان التراكم المالي الذي حصل منذ سنوات طويله لدى المنظومة الرأسمالية، خاصة في الولايات المتحدة الامريكية، تمركز ليس فقط عند الافراد وانما عند الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات، والتي انتشرت نشاطاتها في عموم العالم. وأصبح من الطبيعي ان يكون لهذه الشركات دوراً مهماً في الحياة السياسية، علاوة على الحياة الاقتصادية خاصة اذا علمنا ان هذه الشركات مسؤولة عن (60%) من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا، فضلاً عن دور الشركات الصغيرة الضئيل في ذلك مما يؤكد لنا ان السلطة ستظل بيد الشركات الضخمة كونها تمتلك راس المال وكما هو الحال دائماً..

أن هذا الشركات ستسعى وبكل الوسائل الحفاض على هيمنتها على الاقتصاد في أمريكا والعالم اجمع من اجل الحفاض على مصالحها المتعددة، وقد تقوم بالتدخل بين الحين والأخر في الشأن العام لضمان تلك المصالح والحفاض على موقعها القيادي للاقتصاد العالمي وكذلك السياسي، وللدور الكبير الذي تلعبه هذ الشركات في الجانب الاقتصادي سيكون بالضرورة لها دوراً اساسياً في عملية صنع القرار السياسي للولايات المتحدة الامريكية لذا يمكننا القول ان عالم المال والشركات العملاقة هي التي تتحكم في عالم السياسية وفي دولة كالولايات المتحدة الامريكية، والواقع يؤكد لنا أن الشركات الكبرى تعد من القوى المؤثرة على توجيه السياسة الخارجية الامريكية، مما لها من دور مؤثر في جميع انحاء العالم وارتبطت نشاطاتها بالأمن القومي لأمريكا، وهذا ما يوضح لنا مدى العلاقة المتينة بين هذه الشركات وصناع القرار الأمريكي…

مقالات ذات صلة

ومن اهم الشركات التي تلعب دوراً مركزياً في صنع القرارات السياسية في أمريكا ولما تمتلكه من عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والإعلامية، منها الشركات المتعددة الجنسيات وشركات صناعة الادوية والطاقة وأكثرها تأثيراً هي الشركات التي تتخصص في صناعة الأسلحة!!

حيث تهيمن الشركات الامريكية على قائمة اكبر الشركات في العالم في صناعة الأسلحة من حيث المبيعات، حيث بلغت مبيعات الأسلحة العالمية وفقاً لبيانات معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام بنحو (592) مليار دولار عام (2021)، أي اكثر من نصف ترليون دولار، وهذا يعطينا مؤشراً واضحاً جداً على الدور الذي تلعبه صناعة الأسلحة في العالم.

والجدول الاتي يبين اهم عشر شركات لصناعة الأسلحة في العالم ومبيعاتها خلال عام (2021):

اكبر الشركات المنتجة للأسلحة من حيث المبيعات في العالم لعام 2021

الترتيب الشركة الدولة مبيعات الأسلحة (مليار دولار)
1 لوكهيد مارتن الولايات المتحدة 60.34
2 رايثون الولايات المتحدة 41.85
3 بوينج الولايات المتحدة 33.42
4 نورثروب جرمان الولايات المتحدة 29.88
5 جنرال دينامكس الولايات المتحدة 26.39
6 بي إيه إي سيستمز المملكة المتحدة 26.02
7 نورينكو الصين 21.57
8 أفيك الصين 20.11
9 سي إيه إس سي الصين 19.11
10 سي إيه تي سي الصين 14.99

يتضح من الجدول أعلاه، من وجود خمس شركات أمريكية من عشر شركات، هي من اكبر الشركات المنتجة للأسلحة في العالم من حيث مبيعاتها خلال عام (2021)، حيث بلغت مبيعاتها (191،88) مليار دولار امريكي، وتليها الصين التي لديها أربعة شركات بلغت مبيعاتها خلال نفس العام مبلغاً وقدره (75.77) مليار دولار.. وهذا يعني ان الشركات الامريكية هي المهيمنة على سوق الأسلحة في العالم وتليها الصين، حيث بلغت نسبة مبيعات أمريكا من مجمل مبيعات العشر شركات البالغة (293.67) مليار دولار امريكي بنحو (65%)، بينما بلغت مبيعات الصين ما نسبته (25%)، وبلغت نسبة مبيعات المملكة المتحدة من مبيعات العشر شركات ما نسبته (10%)..

مما تقدم يتضح لنا هيمنة الشركات الامريكية العملاقة على السوق العالمية للأسلحة، وتعتبر شركة (لوكهيدمارتن lockheedmartin) الامريكية هي اكبر شركة للصناعات العسكرية في العالم من حيث الدخل، وهي توظف حوالي (140.000) شخص، وهذه الشركة قامت بتطوير اول طائرة تستخدم تقنية التخفي من الرادار وتعد هذه الشركة واحدة من اكبر شركات أنظمة الدفاع في أمريكا، تم انشاء هذه الشركة عام (1926) وتخصصت بصناعة الطائرات المقاتلة، واليوم تعتبر واحدة من اكبر ثلاث شركات في العالم تعمل في مجال أنظمة الدفاع والطيران في الولايات المتحدة الامريكية..

ان هذه الشركة مع بقية الشركات الكبرى لإنتاج الأسلحة وبيعها تشكل بلا ادنى شك لوبياً مؤثراً جداً على القرار السياسي الأمريكي، مما لها من قوة اقتصادية هائلة، كون تجارة الأسلحة حول العالم تحتسب بترلوينات الدولارات سنوياً.

لذا هذه الشركات يمكنها التأثير في سياسات الحكومة الامريكية حول الحرب والسلم، بل على الأرجح تبني الحكومة الامريكية سياساتها على أساس ما تطلبه شركات صناعة الأسلحة وتجارتها وعلى وجه الخصوص ما تلعبه الشركات الامريكية الخمسة وعلى رأسها شركة لوكهيدمارتن…أن هذه الشركات واللوبيات المتسقة معها والتي تمثل القوى الخفية، جمعيها هي التي تدير مخططات الحروب في العالم والتي تديرها من وراء الستار، لان هذه القوى تسعى أن لا تكون في الواجهة وان لا تتمثل بالمناصب التنفيذية او التشريعية في الدولة، ولكن لها تأُثيراً عظيماً على أصحاب السلطة ودفعهم للاستجابة الى مطالبهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأمنية!!

وهذا يؤكد الى ما ذهبنا اليه في البداية ان من يمتلك راس المال فهو يمتلك السلطة العليا وفي كل زمان ومكان.. ان تجار السلاح وشركاتهم قاموا بتوجيه اكثر من (285) مليون دولار من المساهمات في الحملات الانتخابية وانفقت الشركات الخمسة الواردة أسماؤهم في الجدول السابق ما مجموعه (60) مليون دولار امريكي في عام (2020) للتأثير على آراء الناخبين..

وتشير بعض التقارير ان انفاق جزء كبير من ميزانية البنتاغون السنوية البالغة (740) مليار دولار كان على الأسلحة، وان شركات الدفاع الامريكية وافقت على بيع بما يفوق هذا الرقم من الأسلحة الى دول اخرى والتي تعاني من حروب واضطرابات وقتال بين الدول، وان جميع هذه الحروب والاضطرابات هي من تدبير شركات الأسلحة واداتهم الحكومة الامريكية..

ان طبيعة النظام السياسي في أمريكا يؤكد التزاوج بين السياسيين الأمريكيين وأصحاب رؤوس الأموال بحيث لا غنى عن طرف دون الطرف الاخر، فهما يكملان بعضهما. فالسياسي في أمريكا يحتاج الى دعم مالي واعلامي من قبل أصحاب رؤوس الأموال وعلى هذا الأساس ان الشركات الكبرى وبالأخص الشركات المنتجة للسلاح تلعب دوراً في صناعة القرار السياسي الأمريكي بما تمتلكه من عناصر القوة الاقتصادية والتأثير السياسي، وكذلك ما تمتلكه من سلطة إعلامية هائلة بحيث تتحكم بتشكيل الرأي العام!!

يتضح مما تقدم الدور الفاعل للشركات المنتجة للأسلحة في الولايات المتحدة الامريكية على القرارات السياسية على مستوى أمريكا والعالم، هذا اذا علمنا ان مبيعاتها السنوية من الأسلحة قد تجاوز الـ (192) مليار دولار امريكي وذلك عام (2023)، كان ذلك بسبب الاضطرابات التي تعم الكثير من المناطق في العالم أهمها منطقة الشرق الأوسط وبشكل خاص منطقة الخليج العربي والحرب الروسية الأوكرانية والتوتر الموجود في بحر الصين ومشكله تايوان وغيرها، كلها أدت الى تزايد صفقات الأسلحة التي يطلبها البنتاغون من الشركات المنتجة للأسلحة.

من الواضح جداً ان الحرب بين أوكرانيا وروسيا أدت الى انتعاش الصناعات الدفاعية الامريكية، وكذلك تحريك عجلة انتاج الأسلحة بشكل عام، مما أدت الى تحقيق مبيعات قياسية، حيث حققت (40) شركة أمريكية منتجة للسلاح مبيعات تقدر بنحو (300) مليار دولار امريكي بسبب تزايد الطلب على الأسلحة الامريكية مما أدى وبالضرورة الى زيادة اسهم اهم الشركات ومنها اسهم شركة (نورث ثروب جرومان، ولوكهيدمارتن، جنرال ديناميك) وغيرها من الشركات بنسبة تجاوزت الـ (5%) على اقل تقدير، بالإضافة الى الحرب الأوكرانية والتي شعلت فتيلها أمريكا والشركات المنتجة للأسلحة، من اجل تحقيق أرباح خيالية، فالأمريكان لا يهمهم كم من الاوكرانيين يموتون يومياً (من النساء والأطفال والجنود) المهم لديهم كيف يشحنون كميات هائلة من الأسلحة، والتي تجعل اسهم شركة راثيون التي تصنع الصواريخ وشركة نورثورن جرمان وشركة لوكيهد مارتن ترتفع، بحيث أصبحت هذه الشركات متخمة بشكل هائل بأموال الدولارات.

ونلاحظ كذلك مشكلة المفاعل النووي الإيراني، وكيف استمرت لأكثر من ثلاثين سنة وكيف يقوم الاعلام الأمريكي والغربي ببث برامج حول المفاعل من اجل تخويف دول المنطقة وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي من اجل ابتزازهم وحلب ثرواتهم ودفعهم لشراء المزيد من الأسلحة وبمليارات الدولارات، وكل ذلك يتم بتدبير من قبل الدولة العميقة والشركات المنتجة للسلاح، بحيث كان الانفاق العسكري السعودي خلال عام (2020) بنحو (57.5) مليار دولار امريكي وهو السادس عالمياً.

من المعروف الدى الجميع ان الحروب التي شنتها أمريكا منذ نشأتها تجاوزت الـ (90) حرباً وعدواناً معظمها جرائم حرب، أي ان أمريكا قضت (93%) من عمرها في حروب مختلفة ابتداءً من غزو نيكاراغوا عام (1833) وصولاً الى غزو العراق واحتلاله عام (2003)..

ولطالما هذه الشركات ستستمر في انتاجها للأسلحة المختلفة والمتطورة، فأن الحروب ستستمر هي الأخرى لأنها تحقق لهؤلاء الجشعين مزيدا من الأرباح، وهذا هو ديدن المنظومة الرأسمالية وديدن تجار الحروب، وستستمر هذه الشركات في السيطرة على القرار السياسي الأمريكي وستستمر في سياساتها للهيمنة على العالم. وستكون شعوب العالم عبيداً عند هؤلاء!!

ان الصراع القائم اليوم بين الصين ومحورها وامريكا ومحورها هو عبارة عن صراع اقتصادي تجاري، من اجل تحقيق مكاسب كل على حساب الاخر، فللطرفين مصلحة اقتصادية وتجارية، ونلاحظ كيف ان البلدين يتصدران انتاج الأسلحة ومبيعاتها من بين مئة شركة منتجة للأسلحة في العالم..

فالحروب تكون لمصلحة الطرفين، رغم ان أمريكا متفوقة على الصين في هذا المضمار، فالطرفان يسعيان للهيمنة على السوق العالمية، وكلاهما يسعيان للهيمنة على العالم فلا فرق بين الصين وامريكا من حيث الأهداف النهائية رغم خلافهما بحيثيات الأمور وآليات العمل.

فالتعددية القطبية افضل من القطبية الثنائية والقطبية الثنائية افضل من نظام القطب الواحد.. فالرأسمالية بقيادة أمريكا لا تختلف كثيراً عن رأسمالية الدولة بقيادة الصين فكلاهما وجهان لعملة واحدة، فعلى شعوب العالم وقواه التي تسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية والسلام والديمقراطية الحقيقية ان تعي ما يدور من حولها وان تعمل على تغيير النظام الدولي بالشكل الذي يخدم مصالحها. ويحقق لها أهدافها بأن يعيش العالم بسلام وان يتخلص من العبودية الجديدة والمتمثلة بالشركات العملاقة والشركات المنتجة للأسلحة والتي تفتعل الحروب في كل مكان من هذا العالم من اجل مصالحها حتى لو كلفها ذلك قتل الملايين من البشر!! فهذه الشركات وشركات الادوية والطاقة هي التي تصنع الأسلحة البيولوجية وتنقل الامراض أينما تشاء وتقتل الملايين من البشر وهي التي تنصب الرؤساء في أغلب بلدان العالم وهي التي تغزوا البلدان التي لا تتماشى مع مصالحها وهي التي تزرع الفتن والتخلف والفقر والجهل والطائفية من اجل اضعاف من يقفون ضد سياساتها العالمية والامثلة على ذلك كثيرة وأصبحت معروفة ومكشوفة لدى الأكثرية من شعوب العالم فهاهي حرب أوكرانيا وروسيا والتي تعمل على اطالتها من خلال توريد الأسلحة والمال الى أوكرانيا ومن اجل اختبار أسلحتها ومدى فاعليتها حتى تعمل على تطويرها وها هي تغزو العراق وتسيطر على النفط والغاز وكذلك ما يحدث في سوريا ولبنان واليمن، كلها بسبب السياسات الرعناء للولايات المتحدة الامريكية وبتحريك من هذه الشركات التي تعاظمت ملكياتها واموالها، واقتربت اكثر فاكثر من تحقيق أهدافها في الهيمنة على العالم…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى