إن من حق الإنسان في كل مكانٍ، وفي أي زمانٍ، وأياً كانت جنسيته وجنسه، مذهبه وعرقه، لغته ولونه، أن يتمتع بالحرية. هذا حقه، يولد معه، ويرافقه حتى وفاته، وحين يحاول الاحتلال انتزاع حقه الطبيعي هذا منه بالقوة، تمنحه الطبيعة الإنسانية- الحق في الدفاع عن أرضه وحريته.
هذا بالضبط ما حصل مع الشعب الاحوازي ،حينما احتلت الدولة الصفوية في عام 1925م أرضه وسلبوا حريته. فكان لابد له من الدفاع عن حقوقه، ومقاومة الاحتلال بقوة الحق ،القلم وسلاح المقاومة .
فكان النضال الاحوازي المستمر.
إن مقاومة الاحتلال شرفٌ تعتز به الشعوب، وتتباهى به الأمم؛ فما من شعب كريم وقع تحت الاحتلال إلا ومارس المقاومة، وما من شعب قاوم الاحتلال إلا ونال حريته.
ولنا في مقاومة الشعب المصري والجزائري والفلسطيني خير دليل،…
قد أيقن الشعب الاحوازي ايضا هذه الحقيقة منذ بدايات الاحتلال الصفوي، وعلى مدار اربعة وتسعين عاماً متواصلة قدم أرقاما خيالية من الشهداء والأسرى.
وإذا كان الشهداء قد رحلوا بأجسادهم عنه ودُفنوا في باطن الأرض، فإن الأسرى قد غُيبوا في داخل السجون، ونالوا أشد العذاب والحرمان من غاصب أرضهم، وسالب حريتهم.
“
إذا كان الشهداء قد رحلوا بأجسادهم، فإن الأسرى قد غيبوا في السجون، وهم في الوعي الجماعي الوطني، ليسوا مجرد أبناء الوطن المغيبين بفعل السجن، بل هم أبطال ناضلوا وضحوا، فأفنوا زهرات شبابهم خلف قضبان السجون، من أجل الاحواز وحضارتها، وهم أيقونات الحرية، الذين تنتظر عودتهم. وحتى تتحقق هذه العودة، يرى الشعب الاحوازي أن من حقه المطالبة، لهؤلاء الأبناء، بالمعاملة الانسانية التي يستحقها مناضلوا الحرية وفقا للقوانين والمواثيق الدولية.
إن قضية الأسرى تعتبر جزءً أساسيا من النضال الاحوازي، وأحد أرسخ دعائم مقومات القضية الاحوازية، وتحتل مكانة عميقة ومتقدمة في وجدان الشعب ، لما تمثله من قيمة معنوية ونضالية وسياسية لدى كل الاحوازيين على رغم اختلاف انتمائاتهم وتوجهاتهم.
لقد فتح الاحتلال الايراني سجونه ومعتقلاته، منذ بداية احتلاله للاحواز، وزج في غياهبها، الاف الاحوازيين ، من كافة فئات وشرائح الشعب العربي، ذكورا وإناثا، أطفالا ورجالا، صغارا وشيوخا.
فما من بيت احوازي إلا وعانى مرارة الاعتقال، وما من احوازي إلا وجرب ويلات السجن والاعتقال. منهم من تذوق ذلك بجسده، ومنهم من رأى ذلك على جسد الغيرمن أفراد أسرته أو أقربائه و جيرانه و أصدقائه.
لقد شكّلت تلك الاعتقالات ممارسة يومية ودائمة، وأداة صفوية للانتقام وبث الرعب والخوف في نفوس الاحوازيين والتأثير على توجهاتهم بصورة سلبية. كما تعتبر جزءًأساسيا من منهجية الاحتلال للسيطرة على الشعب الاحوازي المضطهد، و وأد ثورته وإخماد مقاومته، وباتت الاعتقالات هي الوسيلة الأكثر قمعا وقهرا وخرابا للمجتمع الاحوازي العربي.
والأخطر من ذلك، وجود هذا التلازم المقيت والقاسي، بين الاعتقالات والتعذيب، بحيث يمكن القول إن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، من الاحوازيين، قد تعرضوا -على الأقل- إلى واحد من أحد أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي، مما جعل من السجن الإيراني نموذجا تتجلى فيه الحالة الأسوأ من الاحتلال، على مدار التاريخ، لأن أهدافه وآثاره لا حدود مكتوبة لها، فهي تمس الجسد والروح، كما تمس الفرد والجماعة، وتعيق من تطور الإنسان والمجتمع.
لذا فإن كان تحرير الأسرى ضرورة حيوية لتعزيز ثقافة الصمود والمقاومة، فإن التثقيف بخطورة الاعتقالات يُعتبر واجبا ملحا وضروريا لحماية المقاومة، وإن العمل من أجل مواجهة الاعتقالات ووقفها، باتت ضرورة موضوعية لحماية المجتمع من خرابه.
لقد فـرض السجن على الأسرى الاحوازيين حياة لا تطاق؛ فعذاباته لا تنتهي بمجرد الخروج منه، بل تتواصل آثارها إلى ما بعد التحرر، لأنها تورث أسقاما مزمنة في الجسم وفي النفس معا.
“
هناك من بين الأسرى عشراتٍ يقضون أحكاما بالسجن المؤبد ، وهناك من كبر وشاب وهَرم في السجن، علما بأن هنالك من مضى على اعتقالهم عشرة اعوام، واخرون قد مضى على اعتقالهم أكثر من خمسة عشر عاما.
“
كل هذا رغم حقيقة أن تجارب صمودهم وخطواتهم النضالية وإضراباتهم عن الطعام -الجماعية والفردية- لا تزال تشكل نماذج فريدة ومميزة، في الوعي الجماعي الاحوازي، وأن السجان الايراني بسلوكه الشاذ لم يفلح في انتزاع الاحواز من قلوبهم، كما لم ينجح في تغييب العروبة والوطنية عن عقولهم واهتماماتهم.
فمازالت السجون مكانا للإعدادوالتثقیف،وشکّلت رافدا مهما للثورة ووقودا للمقاومة وكان للمحررين دور اساسي في بناء جيلٍ واعي و فكر حضاري.
وهنالک الکثیر الکثیر من من يعانون من إعاقات نفسية وحسية، في ظل استمرار سياسة الإهمال الطبي المتعمد، الأمر الذي يفاقم من معاناتهم ويشكل خطرا على حياتهم.
حيث أمعنت سلطات الاحتلال في انتهاكاتها وصعدت من جرائمها، وتحولت سجونها إلى ساحات للقمع والاعتداءات والقتل البطيء، وأماكن للإهانة والإذلال والتعذيب الممنهج وزرع الأمراض العديدة
“
فإننا أمام دولة احتلال تنتهك القانون الدولي أمام مرأى ومسمع من العالم أجمع، وتشرِّع انتهاكاتها بقوانين عنصرية، وبمشاركة كافة مركبات النظام السياسي فيها، وتتصرف على أنها فوق القانون وخارج نطاق الملاحقة أو المحاسبة، وسعت إلى ترسيخ ثقافة “الإفلات والهروب من المحاسبة والعقاب” ليس فقط لمن يعملون في الأجهزة الأمنية وإنما أيضا لي كل اذنابهم، مما يدفعهم إلى التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري.
لذا فإننا نتطلع إلى جهد، سياسي وحقوقي وقانوني وإنساني، ضاغط ومؤثر، يدفع العالم للتحقيق في الجرائم التي اقترفت بحق الأسرى والمعتقلين الاحوازیین في سجون الاحتلال الإیرانیه، وهي كثيرة.
ويجب عدم الاستهانة بأي سعي سياسي او ثقافي. وبالموازاة مع ذلك، لا يمكن لنا أن نُهمل عمقنا العربي . كما لا يمكن لنا أن نُهمل ضرورة التواصل مع كل منظمات المجتمع الدولي والدول الصديقة وأحرار العالم أجمع.
وفي الختام لابد من التأكيد على أن الاعتقالات وبالرغم من ضخامة أرقامها وبشاعة ما يصاحبها ويتبعها، فإنها لم ولن توقف مسيرة شعب يصر على أن يستمر في مقاومته حتى استرداد أرضه ونيل حريته. فالاعتقالات لن تقود إلى أي نوع من السلام.