
“انا حزين لرؤية جزء منا يحترق”، قالها إيمانويل ماكرون، وهو يهرع نحو كاتدرائية نوتردام المحترقة.
واردف الرئيس الفرنسي ” امة بكاملها تتألم”.
فيما كان الاف الفرنسيين يجثون على ركبهم، متضرعين الى الرب لإنقاذ الكنيسة التي تختزن عشرة قرون من تأريخ فرنسا الحافل.
غلف الحزن كل فرنسا، وامتد سعيره الى كل العالم، وانهالت برقيات المواساة والتعبير عن التضامن من رؤساء العالم. وبينهم قادة عرب، شاطروا فرنسا احزانها.
الى ساعة متأخرة، تابعت الدنيا، لحظة بلحظة، عملية اطفاء الحريق الهائل، وسط اسئلة ملحاحة عن السبب، فالبعض اراد ولو مجرد اشارة الى ان الحريق، نشب بفعل فاعل، بحثا عن “المتهمين التقليدين”!
“لهذه القنابل وقع الموسيقى في أذني. إنها أشبه بأجراسٍ تُقرع للتحرير في بلد تحوّل إلى معسكر اعتقال هائل”!
قالها المعماري العراقي كنعان مكية، حين كانت القنابل والصواريخ تتساقط على عاصمة بلاده بغداد، وتدمر كل ما يقع تحت “زعانفها الذكية” بما في ذلك القصور، والمواقع المعمارية؛ بذريعة ان الدكتاتور صدام حسين كان يخفي داخلها اسلحة الدمار الشامل!
لم يرف جفن للغرب ، حين قرا او سمع تلك العبارة الفاشية من مواطن يحمل الجنسية البريطانية، ويعمل في جامعاتها، ويتنكر لهويته الوطنية الى حد مريع، لكن الذاكرة الحية للعراقيين، لن تنسى ان معماريا، صفق لتدمير معالم بلاده، انتشى بالحرب وساعد على احتلال العراق، بالتحريض ودعم الحصار، على مدى 13 عاما.
وشارك الكونغرس، ووزارة الخارجية الامريكية، والبنتاغون، في اعداد خطط ما بعد الغزو، واسقاط الدولة العراقية.
رغم ان مكية عبر في سردية روائية متأخرة عنوانها” الفتنة” عن الندم، لان الاحتلال الامريكي الذي انخرط في مؤسساته قبلا وبعدا ، لم يأت للعراقيين بالخير، لكنه لم يتراجع عن العبارة العار تلك.
العرب الذين شاطروا فرنسا احزانها بحريق نوتردام، لم يسمعوا من الغرب، وفي المقدمة فرنسا، عبارة مواساة واحدة؛ حين دمرت داعش اثمن الاثار الحضارية للبشرية في العراق وسوريا.
وقبلها، عاثت القوات الاميركية، بإثار بابل، واور في العراق، وحولها المارينز الى ثكنات تدوسها مجنزرات المحتل، يقذف الجنود النزقون النفايات، وعلب البيرة الفارغة، يتبولون، ويتغوطون على ما تبقى من اثار مهد الحضارة، بعد ان نهبوا ما خف وزنه وغلا ثمنه من المتاحف.
لم يعتذر كنعان مكية عن عار جملة تدوى في الاذان اليوم، حين يتأوه الرئيس الفرنسي،” جزء منا يحترق مع نوتردام”.
ولعل فرنسا، الممتنة دون شك، للتضامن العربي والعالمي معها، عليها ان تعتذر للعراقيين والسوريين والليبيين، وغيرهم من الشعوب العربية، لأنها اما ان تكون نهبت اثارهم في الحقبة الاستعمارية القديمة، او دمرتها بالتحالف مع الولايات المتحدة وبريطانيا بالعدوان على الدول العربية في الحقب المتأخرة.
لا احد يتباهى بالتضامن مع احزان فرنسا، ذلك لان نوتردام، ملك للبشرية جمعاء، وجزء من التراث الانساني، العابر للحدود والقوميات والاديان.
بيد ان العدوانية الغربية، واحتقار شعوب الحضارات القديمة، دفعت بصديقة سورية، كلمتها في ساعة متأخرة ليلة الحريق، وانا الاحق مصير الكاتدرائية الساحرة ،لان ترد بنبرة حزينة:
” لم يبق في بلادنا شيء لم يتهدم ولم يحترق “!
وتلعثمت “نضبت دموعنا”!!