1 . لم يخُض الرئيس الروسي بوتن (حربًا خاطفة) على دولة، حتى يقيس عليها الأيام المطلوبة ومستوى القدرات العسكرية! بل شهد حرب أميركا (2003) على العراق، وكيف تأخر الجيش الأميركي هو وحلفاؤه على أبواب البصرة وحدها! عشرة أيام تقريبًا لاقتحامها؛ بسبب المواجهة الشجاعة للعراقيين، ومِن ثَمَّ تبعها انسحاب أميركا من العراق بسبب ضربات المقاومة الوطنية عام (2011)؟
ورأى بوتين ما يسمى (عاصفة الحزم) للسعوديين وحلفائهم ضد الحوثيين في اليمن من سنة (2015) حتى الآن (2022) ولم تُحسَم، ودخل الرئيس بوتن، في خضم الحرب على سورية عام (2015)، تلك الحرب التي بدأت سنة (2011) ولم تستطع أميركا حسمها فضلًا عن (خطفها)!
إنَّ رئيسًا مثل بوتن، لدولة مثل (الاتحاد الروسي)؛ لا يقدم التنظير المملوء بالمغامرات والمجازفات غير المُجَرَّبة، على الواقع العملي وتجارب الميادين.
2 – إنَّ روسيا عندما تستخدم قدرات عسكرية مُخَفَّفَة، وتكنولوجيا مُكافئة لهذه القدرات، أي: الأنواع غير المتقدمة للطائرات والصواريخ والحرب السيبرانية… فإنَّ هذا يناسب العقلية الروسية المتفوقة حضاريًا على عقلية اليانكي الغربي؛ لأنَّ روسيا (العظمى) ليست مثل أميركا التي خسرت (6) تريليون دولار في العراق، وخسرت (2) تريليون في أفغانستان؛ دون تحقق ربح يُكافئ هذه المصروفات!
3 – إذا استخدمت روسيا العظمى قدراتها العسكرية المتقدمة، والسيبرانية المتطورة على أوكرانيا؛ فماذا تستخدم ضد حلف (النيتو) أو ضد أميركا وحدها؟
فإذا استخدمت ذلك مع أوكرانيا؛ ألا يعني أنها كشفت قدراتها القتالية والسيبرانية كلها، على حكومة (ليست عضوًا في حلف النيتو، ولا في الاتحاد الأوروبي)!
كذلك فإنَّ قدرات بحجم روسيا العظمى، لا يناسب مكانتها أن تستنزفها على حكومة بحجم أوكرانيا؛ إذ يحط ذلك من مكانتها.
4 – إذا استخدمت روسيا قوة نارية صاعقة ومدمرة، في وقت قصير للسيطرة على أوكرانيا؛ فإنَّ ذلك يؤذي السكان الأوكران، وهذا ليس ضمن خطة روسيا؛ إذ تريد كسب النسبة الكبرى الممكنة من السكان الرافضين لحكومة زيلينسكي، لإنَّ رفع مستوى إثارة الرعب بين المدنيين لا يخلق مناخًا لمفاوضة المدنيين، أو قبول المدنيين بالتخلي عن هذه الحكومة، علمًا أنَّ بعض القراءات تفيد أنَّ نسبة أكثر من (20%) من سكان أوكرانيا أصولهم روسية، وهذه فرصة للاستثمار في إضعاف الحكومة شعبيًا.
5 – إنَّ روسيا اختارت خطة الإبطاء في الحرب (المفروضة على روسيا)؛ لأنها احتاجت أن تنضج الظروف للاعتراف بجمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك، وأشركت هاتين الجمهوريتين (الأوكرانيتين) معها تحت عنوان (الدفاع عن النفس)، وبدأت الجمهوريتان فعلًا تمثيل دورهما في صد هجمات جيش حكومة زيلينسكي، وبدأت تتقدم لتحرير بعض القرى والمدن.
6 – كانت روسيا بحاجة إلى حلفاء ضد حكومة زيلينسكي، وفعلًا اشترك معها الشيشان وبيلاروسيا، فضلًا عن الدونيتسك ولوغانسك، وهذا يعزز موقفها الدولي والإقليمي.
7 – أطالت روسيا الحرب لأنها احتاجت إلى إسناد (بمستويات متفاوتة كمًّا ونوعًا) من الدول، وفعلًا حصلت على ذلك من دول جديدة على خط مناوئ للغرب مثل: السعودية، الإمارات… فضلًا عن الدول التي امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة على قرار ضد روسيا (35) دولة، والدول الرافضة (5) دول.
8 – إنَّ إطالة أيام الحرب، ينفع روسيا في دراسة ردود فعل (النيتو)؛ إذ إنها ربما تقضم بعض تلك الدول، وبعض الجمهوريات لإعادتها مثل: بولندا، إستونيا، لاتيفيا، ليتوانيا، مولدوفا، جورجيا… وغيرها، ولنزع الدرع الصاروخي في أيٍّ منها، وحظرها عن الأسلحة النووية.
9 – الاتحاد الروسي يتمتع بالمركز الأول لموارد الطاقة (النفط والغاز)، ولو كانت الحرب خاطفة؛ لما ارتفع سعر النفط من (70$) إلى (115-120$)، ولا ارتفع سعر الغاز من (100$) إلى (2000$)، وكذلك روسيا وأوكرانيا يُعَدَّان المُصدِّر الأول للحبوب في العالم، وهذا كله إيراد للخِزانة الروسية.
10 – أهم نقطة هنا هي: الحسابات الروسية في هذه الحرب ليست حسابات دولة غازية تريد التوسع الجاهلي! بل هي حسابات تنبئ عن مخاض ولادة النظام العالمي الجديد، والنظام المالي الجديد، وولادة التعددية القطبية الجديدة، والقوة الأولى المتعددة، وهذا كله لا يتناسب مع (الحرب الخاطفة) أو (استخدام القدرات العسكرية العظمى والقدرات السيبرانية المتقدمة).
وإلى الله ترجع الأمور