تتجه الأنظار إلى مركز القرار الأميركي في البيت الأبيض لمعرفة مسار وتوجُّهات ساكنه الجديد الرئيس جو بايدن في تعاطيه مع العالم المضطرب وأزماته، وموقف إدارته التصحيحية لتركة قرارات سلفه دونالد ترامب.
وعلى الرغم من أن إدارة بايدن اتخذت سلسلة من الإجراءات التنفيذية حيال قضايا داخلية ودولية في إطار ما أسمتها بعملية مراجعة شاملة للتوجُّهات الأميركية الجديدة، إلا أن المتابع لهذه القرارات يستطيع القول إنها قد تكون مقدمة لاستدارة أميركية تمهيدا لمشهد أميركي جديد مغاير للمشهد الذي شكله ترامب خلال ولايته الأولى.
صحيح أن التغيير الأميركي حيال القضايا تتضمن “مراجعة” للدعم العسكري لدول الخليج، واستئناف الحوار مع إيران ومستقبل الوجود الأميركي بالعراق، وأزمات سوريا واليمن وأفغانستان سيستغرق بعض الوقت، فضلا عن مستقبل علاقته مع الصين. غير أن مستقبل الاتفاق النووي الإيراني الذي سحب دونالد ترامب منه واشنطن سيكون واحدا من أكثر الأولويات إلحاحا على الساحة الدولية، وفي مقدمة الانشغال الأميركي.
وقبل الحديث عن مسار مراجعة إدارة بايدن لقرارات سلفه ترامب فإن حزمة المراجعات شملت تعليق القرارات المتعلقة بمبيعات الأسلحة للتأكد من أنها تحقق “أهدافها الاستراتيجية”، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية. ويصاحب هذا المشهد الأميركي الجديد الذي بدأ يتشكل في إدارة بايدن ما وصفه محللون بأنه يحاكي المشهد الذي شكله باراك أوباما خلال ولايتيه وهي امتداد لتلك الحقبة الأوبامية، إن جاز التعبير.
لقد بات واضحا أن قرارات التعليق أو المراجعة التي بدأتها إدارة بايدن لم تقتصر على الأزمات الخارجية، وإنما حاكت الوضع الداخلي، لا سيما آلية مواجهة فيروس كورونا وقوانين الهجرة، وقبل ذلك كيفية التعاطي مع المتظاهرين أنصار ترامب وأيضا مستقبله السياسي بعد أن حول ملف اتهامه بما جرى في الكونجرس من أحداث إلى مجاس الشيوخ.
وأعطى بايدن في أسبوعه الأول في البيت الأبيض انطباعا بأنه بصدد مراجعة شاملة لعلاقة بلاده مع العالم وأزماته برؤية واقعية تأخذ بنظر الاعتبار مصالح بلاده لضمانها من منظور تبادل المصالح، وهي مهمة صعبة وسيكتنفها التداخل والرؤى المتقاطعة حتى من قبل حلفائه في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
واستنادا إلى المسار الجديد للرؤية الأميركية في تعاطيها مع المحيط الخارجي وأزماته فإن إدارة بايدن تحتاج إلى وقت وصبر وروية في انفتاحها الجديد الذي أخذ مفهوم (المراجعة) كوسيلة لتوضيح خطواته الحالية والمتوقعة. غير أن هذا المنحى الجديد قد يضع الولايات المتحدة أمام مشهد جديد ربما يقوض هيمنتها وسطوتها الأممية، لا سيما وأن حجم الأزمات والتحديات قد يتقاطع مع مكانة ومصالح اللاعبين الكبار مثل الصين وروسيا، وبالتالي يأخذ من جرف مصالحها.
ونختم أن حصيلة أسبوع أو أكثر من عمر ساكن البيت الأبيض تشير إلى أن أميركا على موعد مع متغيرات في سياستها الداخلية والخارجية، وإن أخذت طابع المراجعة، إلا أنها بمثابة تراجع محسوب يحاول بايدن وإدارته الحفاظ على ديمومة ثقلها كقوة عالمية وازنة ومؤثرة رغم ارتفاع منسوب قوى أخرى فاعلة ستأخذ حتما من الجرف الأميركي
1٬455