معالجات مُسكِنة

عندما يشعر الانسان بوجع في رأسه ، يتناول حبة أسبرين ، ليبعد عنه الالم ، ولكن سرعان ما يعاود عليه الالم مرة اخرى ، لان الانسان لم يعالج الأسباب الحقيقية وراء هذا الالم او الوجع. والشيء نفسه ينطبق على الواقع الاقتصادي – الاجتماعي الذي نعيشه في العراق .. وهو واقع موجع جدا ومؤلم جدا
والذي يحدث ان الكثير من المختصين والباحثين يحاولون جاهدين من معالجة الوضع القائم في العراق بأعطائه حبات أسبرين لإيقاف التداعي الخطير الذي يعاني منه الاقتصاد العراقي ،ولكي نتمكن من معالجة الواقع المرير للاقتصاد العراقي ، علينا تشخيص الأسباب الحقيقية و راء هذا الانهيار الكامل الذي يحدث في العراق ، وهذا يدعونا الى معالجة الأسباب دون النتائج ..
صحيح ان الاقتصاد العراقي ، اقتصاد وحيد الجانب ويعتمد على إيراداته من النفط الخام وبنحو اكثر من ٩٠ بالمئة ، وهذه صفة الاقتصاد العراقي وفِي جميع الحقب ، وهي صفة ملازمة له ومنذ اكتشاف النفط فيه ( ما عدا الفترة المحصورة من بعد تأميم عام ١٩٧٢ واتجه العراق بوارداته الى التنمية الاقتصادية ، وعزز دور الصناعة والزراعة ومساهمتهما في الناتج المحلي الاجمالي ).. ومع ذلك لن يمر الاقتصاد العراقي بأزمات خانقة كما عليه الحال اليوم وعلى الاصعدة كافة ، ولن يحدث أن عانت موازنة العراق بعجز مالي كما هو عليه في السنوات الاخيرة ..
إن جميع الأنظمة السياسية التي حكمت العراق منذ تأسيسه وحتى عام سنة ٢٠٠٣
كان لديها رؤى وبرامج أقتصادية واضحة المعالم ، وخطط اقتصادية سنوية وخمسية وبعيدة المدى ، ويسعون الى تحقيقها من أجل تطوير البلد وتنميته. .
ورغم الاختلالات الهيكلية الموجودة والملازمة للاقتصاد العراقي والتي تعمقت بشكل خطير منذ عام ٢٠٠٣ ولحد اليوم. وصحيح ان العراق يعتبر من أغنى عشر دول في العالم من حيث الثروات الطبيعية وهو يمتلك ، النفط والغاز والفحم ومعادن مختلفة كالذهب والنحاس والحديد واليورانيوم والفوسفات والكبريت وغيرها. ..
ولديه مصادر هائلة لتمويل الموازنة العامة للدولة ورفدها بأيرادات لا حصر لها ، ومع ذلك فإن الموازنة العامة للدولة تعاني من عجز مالي فاق التصور ويمثل بنسبة ٥٤ بالمئة من مجموع الإيرادات الكلية للموازنة لسنة ٢٠٢٠ ، وكذلك اصبح واضحا لدى الجميع ان الفساد المالي والاداري قد لعب دورا مهما في تبديد الثروة الوطنية وسرقتها ، وان العراق اليوم يعيش في ظروف استثنائية وغير مطروقة عبر تاريخه القديم والحديث ، وفِي العراق لايوجد دولة حقيقية ، والعراق عبارة عن مناطق جغرافية غنية بالموارد ، وهنالك عصابات ومليشيات وأحزاب سياسية تتقاسم فيما بينها هذه المناطق وتستنفذ وتسرق مواردها .. وهؤلاء جميعا لا ولاء لهم للعراق وإنما تابعين الى ايران التي تحتل العراق وعلى وجه الخصوص منذ عام ٢٠١١ ولحد الان ..
إن حكومات الاحتلال لم تأت لخلق تنمية اقتصادية ولم تأت لبناء العراق ، وإنما جاءت لتغرق البلد بالديون وفوائدها من خلال اتباع سياسة الاقتراض ، القروض الداخلية والخارجية والمتراكمة الفوائد ، حيث يدفع العراق سنويا ٥ مليار دولار فوائد القروض فقط ..
رغم وجود مصادر عديدة ومتنوعة للإيرادات ، ومنها ، المنافذ الحدودية ، والاتصالات ، والمطارات ، والمواصلات ، وأرباح الشركات والمؤسسات ، وغيرها من المصادر ، فإن معظم عائدات هذه الموارد المالية لم تدخل الى خزينة الدولة. فعلى سبيل المثال لا الحصر ان واردات شهر واحد من المنافذ الحدودية يقدر بمبلغ ١٠٠ مليون دولار فقط وربما اكثر من ذلك بكثير ، وان نسبة ١٠ بالمئة فقط تدخل الخزينة…
كما ان واردات الاتصالات تقدر بالمليارات ولا تعرف الحكومة عنها اي شيء… والدولة في وضع تعجز فيه عن دفع الرواتب ، فضلا عن السرقة عن طريق العقود الوهمية والكومشنات والوظائف الفظائية .. وهذا كله يدلل على فساد وفشل حكومات الاحتلال .. وان هذه الثلة الحاكمة اضاعت وأفرغت خزينة الدولة ، ودمرت البلد .. إن معالجة هذا الواقع الخطير ، ليس بإعطائه حبات أسبرين أو حبوب مسكنة ، ولكن علينا معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت الى وصول البلد الى ماهو عليه الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ..
إن ما يجري في العراق ، قد تم التخطيط له منذ زمن بعيد ، ويمكننا القول منذ ان قام العراق بتحرير ثروته النفطية في العام ١٩٧٢ ( قرار تأميم النفط العراقي ) ، وازداد التآمر على العراق بسبب التطور العلمي والتقني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي ، وان التجربة الرائدة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق ، والمنهج الذي تبناه الحزب هو الاخر منهج يتقاطع مع منهج الصهاينة وكيانهم المزعوم .. لذا بدأ التخطيط لاحتلال العراق وانهاء تجربة البعث وإجتثاثه ، حتى تتمكن الصهيونية من تحقيق مشروعها الشرق أوسطي لمهندسه شمعون بيريز .. والذي كان العراق يمثل السد المنيع امام تطبيقه.
واعتمدت الصهيونية على تنفيذ ذلك الى كل من امريكا وبمساعدة ايران وبعض العملاء المأجورين وبعض الأنظمة العربية مع الأسف ، والجميع ساهموا في تدمير قوة العرب الأساس ، قوة العراق حراس البوابة الشرقية للأمة العربية. .
وجاءوا بالعملاء والمأجورين وسلطوهم على الشعب العراقي ،، واوكلوا لهم دور تكملة تدمير قوة العراق وإضعافه وتشتيت قواه الوطنية وزرع الطائفية
والإثنية والعشائرية ونهب ثرواته وإغراقه بالديون وفوائد الديون الى زمن بعيد
كل ذلك مخطط لها بإتقان ووزعت الأدوار بينهم جميعا .. هذه هي الأسباب الحقيقية وراء ما جرى ويجري في العراق وحتى ينعم الكيان الصهيوني بالامان ويعمل على تطبيع علاقاته مع الحكام العرب ، وبحجة حمايتهم من التهديدات الإيرانية. وعندما ندرك الأسباب الحقيقية التي أدت الى ما آلت اليه الأوضاع في العراق عندئذ نتمكن من تحديد العلاج المطلوب ، فالدواء الوحيد الذي علينا ان نتعاطاه ، هو توحيد الكلمة والجهود من اجل إسقاط حكومة الاحتلال وقلعها من جذورها والمجيء بحكومة وطنية حقيقية تعمل على تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي عندئذ فقط سنتمكن من معالجة أوجاع الرأس بدون مسكنات وإنما بالثورة الشعبية التي يقودها شباب العراق ونتخلص من جميع الآلام والأوجاع الى الأبد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى