في حوار صحفي سابق، مع علي الأديب، القيادي البارز في حزب الدعوة، عندما كان حزبه هو الحزب الحاكم (من 2005 وحتى 2014)، سألته: هل تعتقدون أن السياسيين السنة شياطين، والسياسيين الشيعة، خاصة قياديي حزب الدعوة، ملائكة؟ أجاب على الفور “هذا ليس اعتقاداً وإنما الحقائق أثبتت ذلك”.
حدث هذا يوم كان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وقتذاك، نوري المالكي، زعيم حزب الدعوة، يضغط على بعض القضاة في المحكمة الاتحادية وفي بعض المحاكم لاتهام هذا السياسي أو ذاك بالإرهاب، ولنا في نتائج انتخابات 2010 التي فاز بها ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي الذي حصل على 91 مقعداً مما جعله أكبر القوائم في مجلس النواب، مقابل خسارة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي الذي حصل على 89 مقعداً، خير مثال لتحريف الدستور الذي يعطي الحق للتحالف الفائز بتشكيل الحكومة، واستناداً لذلك كان من المفترض أن تشكل العراقية الحكومة، لكن المحكمة الاتحادية وقتذاك فسرت الدستور لصالح المالكي الذي شكل كتلة أكبر بعد ظهور النتائج وأسندت إليه مهمة تشكيل الحكومة خلافاً للدستور.
لكن المحكمة الاتحادية العليا، التي لا نشك بنزاهتها ونزاهة أعضائها، عادت وفسرت الدستور، بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في العاشر من تشرين الأول 2021، بصورة صحيحة عندما أقرت بأن التحالف الفائز هو من يحق له تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء، وهذا يعني أن من حق التيار الصدري تسمية رئيس الوزراء.
ومنذ ظهور نتائج الانتخابات المبكرة قبل أكثر من سبعة أشهر، يحاول المالكي، الالتفاف على حق التيار الصدري وتحالفه (إنقاذ وطن) الذي يضم أيضاً تحالف (سيادة) والحزب الديمقراطي الكوردستاني من تشكيل الحكومة، وتعطيل البلد ووضع العراقيل أمام العملية السياسية ووضع شروط مشاركة تحالفه (الاطار التنسيقي) بحكومة توافقية على العكس من قرار تحالف (إنقاذ وطن) الذي يصر على تشكيل حكومة (أغلبية وطنية).
نعود إلى قصة الملائكة والشياطين، حسب نظرية علي الأديب، التي يؤمن بها قادة حزب الدعوة، فقد كانت أولى معارك المالكي، نهاية عام 2011 مع نائب رئيس الجمهورية آنذاك، طارق الهاشمي، الذي وجهت إليه تهم بالإرهاب، وصدرت بحقه مذكرة اعتقال ومن ثم ثلاثة أحكام غيابية بالإعدام، كما تم اعتقال معاونيه وموظفي مكتبه الذين أجبرتهم الأجهزة الأمنية على الإدلاء بمعلومات مزيفة، ومن ثم تمت تبرئتهم وإطلاق سراحهم، مما دفع بالهاشمي إلى السفر إلى اقليم كوردستان والإقامة في أربيل أولاً ومن ثم إسطنبول قبل التوجه إلى الدوحة.
المعركة الثانية التي خاضها المالكي كانت ضد وزير المالية، رافع العيساوي، الذي كان اتهم رئيس الوزراء العراقي بـ”الديكتاتورية” بسبب ملاحقته الهاشمي.
وفي هذا السياق، اعتقلت السلطات العراقية العشرات من حراس العيساوي بتهم الإرهاب من قلب مكتبه في المنطقة الخضراء في بغداد، كما صدرت بحق وزير المالية مذكرة اعتقال بتهم فساد.
ودفع هذا التطور بعشائر الأنبار، التي يتحدر منها العيساوي، إلى بدء اعتصامات فضتها قوات المالكي بالقوة وتسببت بوقوع مجزرة بحق المعتصمين الذين وصفهم المالكي بـ”الإرهابيين”.
واستمراراً بهذه التصرفات الطائفية ، تم اتهام النائب السني أحمد العلواني بالإرهاب، وفي عام 2014 حكم القضاء العراقي بإعدام العلواني، وهو نائب سني سابق وبارز قاتلت عشيرته “البو علوان” تنظيم داعش الإرهابي في الأنبار. وقد هددت عشيرته بأن نصف مقاتليها سيتوقفون عن محاربة التنظيم إذا تم تنفيذ الحكم ضد أحمد العلواني.
وكان العلواني أحد أبرز النواب الداعمين للاعتصامات المناهضة لحكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في الأنبار، واعتقلته القوات الأمنية نهاية العام 2013 في عملية أمنية أودت بحياة خمسة من حراسه وشقيقه.
وليست آخر من اتهمهم المالكي، من الشخصيات السنية، هو أمير قبائل الدليم في العراق علي حاتم السليمان، عقب صراعات مع الحكومة وصلت إلى الصدام المسلح، في تطور أثار ردود فعل متباينة في الشارع العراق، مما ادى إلى تركه (علي حاتم) البلد لثماني سنوات.
اليوم بعد ان وصل زعيم تحالف (الاطار التنسيقي) إلى طريق مغلق تماماً، بعد خسارتهم بالانتخابات وانسحاب جمهورهم منهم بسبب أخطائهم التي أدت إلى خراب العراق، وشعوره بالهزيمة، مقابل تقدم تحالف (إنقاذ وطن)، عاد إلى أسلوبه في محاولته شق صفوف التحالف الثلاثي، التيار الصدري وسيادة والحزب الديمقراطي الكوردستاني، ففتح الأبواب لعودة الشخصيات السياسية السنية التي كان قد اتهمها بالإرهاب، إلى العراق معتقداً بأنهم سيتضامنون معه ضد أبناء عمومتهم، الحلبوسي والخنجر، وليضع العراق على حافة هاوية أكثر عمقاً من الهاوية التي هو فيها، متسبباً بالمزيد من الخراب والانفلات الأمني للبلد، دون أن يعرف بأن عشائر الدليم مهما بلغت العداوة فيما بين أقطابها لن تطعن أبناء العمومة وتنحني أمام من يريد بهم شراً.
السؤال الاهم والمتداول اليوم في الشارع العراقي، والذي يضع المالكي وحقبة حكمه ومن معه أمام اتهام كبير، هو إذا كان الهاشمي والعيساوي والسلمان متورطين بالفعل بالإرهاب، كما زعم هو (المالكي) فلماذا يسمح اليوم بعودتهم، كما كان قد فعل مع مشعان الجبوري وخميس الخنجر، أما الفرضية الثانية والتي هي أقرب للحقيقة، هي أن هذه الشخصيات التي اتهمت بالإرهاب هم أبرياء والاتهامات كانت زوراً وبهتاناً، ومثل هؤلاء لن يخضعوا للمساومة على مبادئهم وسمعتهم وسيصرون على المثول أمام القضاء لتبرئة ساحتهم وإثبات أكاذيب من اتهمهم، وليؤكدوا بأن فرضية “الملائكة والشياطين” التي يتعامل وفقها حزب الدعوة مع من يختلف معهم خاطئة، بل انقلبت على من تبناها ويتبناها.