عن دار نشر نحن ٬ صدر في تونس مؤخرا كتاب يحمل عنوان مملكة البوعزيزي ٬ قراءات سياسية ٬ للناشط السياسي التونسي صلاح هنيد الذي عرفته الساحة الباريسية خلال سنوات الانتفاضة وغزو العراق ـ من عنوانه يطرح الكاتب موضوعان هما موضوع الثورة وموضوع قراءتها السياسية التي ستعتمد التحليل الطبقي ٬ وهي قراءة لمثقف ملتزم بالمعنى الفرنسي لهذه الكلمة ٬ جاء من الشعب الذي انطلقت منه الثورة ـ
بثلاثة أجزاء يتناول الكاتب هذه المواضيع كما عاشها شخصيا ٬ فيبدأ منذ لحظات الثورة الأولى التي بدأت بحرق البوعزيزي لجسده ٬ ليصبح لهيبه المحترق شعلة الثورة القادمة ٬ لينتقل بعدها الى عقود تاريخ تونس الحديث حيث بذرت فيها أولى بذور الوعي مع انشاء التشكيلات النقابية ومنظمات حقوق المرأة وحقوق الانسان التي كان دورها فاعلا في الصراع مع النظام الحاكم سواء في عهد بورقيبة ام في عهد بن علي وحتى بعد انتصار الثورة التي ما تزال اليوم تقارع جسد النظام بعد ان هرب رأسه ـ
فالكاتب يعتبر ان حلم الثورة نشأ في السبعينات مع ميلاد منظمة العمل التونسي واحداث فيفري عام 1972 التي رفعت شعار القطيعة السياسية والتنظيمية مع السلطة وحزبها الدستوري حينما تبنىت سياسات ليبرالية معادية لمصالح الطبقة العاملة وللشعب ٬ لتكون اللحظة المؤسسة لها هي 17 كانون الاول 2010 الى 14 شباط 2011 كانت بمثابة ميثاق جديد بين الفعل والحياة في تونس غير من المفاهيم السائدة ومن طريقة الحياة ـ اذ أدخلت الثورة فكرا ومفاهيما لبناء منظومة جديدة من القيم ولطريقة حياة مختلفةـ وهو يعتبر ان الثورة لم تذهب الى مداها وتكتمل لان الثورة المضادة قامت وبسرعة بأبعاد بن علي عندما عمت الانتفاضة انحاء تونس وخرجت الجماهير في كل المدن فرحة بأسقاط النظام ٬ ورافق ذلك تبني اتحاد الشغل في كوادره الوسطية وفي قاعدته مطالب الجماهير المنتفضة ـ
يقول الكاتب ان أدوات الثورة المضادة هي الإرهاب وتدجين المجتمع ونشر اللاعقلانية فيه عبر أحزاب ذات طابع ديني ويصف بهذا الخصوص ما حصل في تونس حينما بدأ النظام القديم يعود الى الصدارة ليأخذ بزمام الأمور في الحكم معتمدا على بعض الأحزاب التي قبلت بلعب اللعبة والمشاركة بالحكم وبانتخابات نجحت فيها الأموال بشراء أصوات الناس ـ يخصص صاحب مملكة البوعزيزي فصلا من كتابه لحركة النهضة كتاريخ سياسي وكلاعب بعد الثورة ويعتبرها حركة غير ديمقراطية ومعاديه للاتحاد العام للشغل ولبعض الشخصيات الديمقراطية التونسية لما اظهرته عقب وصولها الى السلطة ـ كما يعتبر ان التنظيمات الديمقراطية وعلى راسها المنظمات النسوية قد اسقطت الحركة في اعتصام باردو ـ ويصف الكاتب عودة التجمع الدستوري عبر حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي الذي قدم للشعب التونسي على انه بورقيبة آخر معتبرا ان كل ما يحدث حاليا من ارباك لأعادة مسار السلطة الى ما كان عليه ٬ هو أزمة تعيشها الدوائر الحاكمة التي تبدل اللاعبين السياسيين للإبقاء على احتكار الشأن العام وابقائه في دائرة ضيقة ـ
ويرى الكاتب في الجزء الثاني من الكتاب ان مقاومة النظام “القديم الجديد” تتمثل بعناوين أساسية في تاريخ تونس لعبت على الدوام دورا ديمقراطيا مساندا لقضايا الشعب منها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي وان لم يقد الثورة الا انه كان منحازا لها ومستجيبا لحاجاتها بل المتبني لمطالبها وتنظيم تظاهراتها للخبرة النقابية والسياسية التي يملكها منذ زمن الرئيس بورقيبة ـ إضافة الى ذلك فان أعضائها لم يتأخروا عن اللحاق بالشعب الفقير العاطل الذي تصدر التظاهرات في صفاقس وتونس الكبرى ـ ويأتي دور النساء التونسيات من ابسطهن اللواتي ارسلن ابنائهن من المدن والارياف لدعم التظاهرات والغضب من اجل البوعزيزي ٬ الى الكوادر النسوية المتعلمة اللواتي تصدر بعضهن التظاهرات واشعلن الحماسة لاستنهاض حشود اكبر والاستمرار بأدامة التظاهرات ـ وتقف منهن اليوم ناشطات وسياسيات لانجاح التغيير نحو الديمقراطية في الأحزاب كما في منظمات المجتمع المدني ـ
لحسن حظ تونس وللاقطار العربية وحركاتها الاحتجاجية ان الثورة اندلعت من هذا البلد الذي
الذي ورث مجتمعه تعليما متقدما وحركة نقابية واعية ونساء متعلمات ومبدعات بإمكانهم تفكيك خطط أوساط النظام القديم الذي لن يتراجع بسهولة ولن يتنازل الا في حال تم الاتفاق والتوافق بين كل القوى السياسية الفاعلة٬ بضمنها اليسار الذي ينتمي له الكاتب٬ الراغبة بالعبور الى نظام ديمقراطي يضمن للشعب المواطنة والحقوق والحريات الشخصية وان يتم تجاوز فرز هذه القوى بعلمانية ودينية ليكون مع او ضد الديمقراطية فقط كما يرى الدكتور عزمي بشارة وهو على حق٬ فالمعركة التي يجب كسبها بالعمل والمساومة والتفاوض هي بين القوى الديمقراطية وغير الديمقراطية ولا ضير بالتفاوض مع رموز النظام القديم او حتى مع الخصوم للوصول شيئا فشيئا الى توافق وقبول ما تريده القوى الديمقراطية ـ لقد نجحت عدة دول في العالم كما في اوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفي أمريكا اللاتينية باعتمادها هذه الوسائل ٬ وبغيرها ستجر الأنظمة شعوبها الى الحرب الاهلية ومثل سوريه ما يزال قائما امامنا او الى الانقلاب على الشرعية كما حدث في مصرـ
في الخاتمة يقول الكاتب ان ما حصل للعراق وانتكاس القضية الفلسطينية ولدا حالة ياس واحباط في العالم العربي لكن ثورة البوعزيزي وثورة مصر وسوريه واليمن برهنت على حيوية الشعب العربي في اقطاره المختلفة ويرى ان الطبقات التي افقرت وهمشت التي ثارت من اجل كرامتها الإنسانية هي التي ستتصدر الانتفاضات مستقبلا ـ
1٬204