قد تكون ظاهرة جديدة في وطننا العربي كثرة منظمات المجتمع المدني وأصبح تعدادها بالآلاف في كثير من بلادنا وهذا امر طبيعي طالما هناك قانون ينظم انشاؤها وعملها وتمويلها وادارتها. لكن ما اثار انتباهي هو ندرة وجود منظمة فاعلة لها ثقلها ووزنها وتأثيرها لتحقق الهدف من انشائها. فقد تكون في كل دولة منظمات فاعلة مهنية وذات مصداقية ولها تأثير ومقبولية واسعة وقد تكون اقوى من الأحزاب وحتى من الحزب الحاكم لكن مع الأسف هذه المنظمات لا تتجاوز نسبتها 5% من مجموع المنظمات او اقل من هذه النسبة. ولا بد من تجاوز العقبات لمعرفة اسباب عدم جدواها لإيجاد معالجات وحلول لتصل المنظمات العربية الى مصاف المنظمات الأجنبية مراقبتها ومهنيتها واعداد التقارير الاحترافية في مجال اختصاصها كحقوق الانسان والشفافية ومراقبة الانتخابات .. الخ.
ولكل ما تقدم لا بد من معرفة أسباب عدم تبوء المنظمات العربية الصدارة في كسب ثقة المواطن والاعتماد الدقيق على تقاريرها محليا وعربيا ودوليا ونوعز اهم هذه الأسباب بالنقاط التالية: –
1- عدم تفعيل قوانين تأسيس المنظمات بحيث لا تستكمل إجراءات التأسيس بينما تحصل المنظمة على إجازة التأسيس عن طريق الواسطة او ان بعضا منها يميل للحاكم او الحزب الحاكم.
2- وفق القوانين النافذة لا بد من وجود جهة رسمية ترعى وتراقب إجراءات التأسيس وتتابع مقرات واعمال ونشاطات وتمويل تلك المنظمات فلا نجد هذه الأمور متبعة بشكل مهني.
3- اهم فقرة ((التمويل)) كل المنظمات تجمع بوضع صبغة على ان التمويل ذاتي أي من اشتراكات المنتمين لها او الجهة التي يخولها قانون الدولة بتمويل المنظمات وفق ضوابط وإجراءات يحددها قانون تأسيس المنظمات. وغالبا ما تفشل كثير من المنظمات بسبب التمويل خارج الضوابط او طرق الصرف.
4- كثير ما نسمع وقد يكون صحيح بان أحزاب او دول او شخصيات تمول بعض او كثيرمنها وحتما كل جهة تمول تريد مقابل هذا التمويل موقف او تحقيق مأرب هذا التمويل. وبهذا تفقد استقلاليتها في العمل واعداد التقارير الاحترافية. وهنا يكمن عدم او قلة وجود منظمات لحقوق الانسان او لمراقبة نزاهة الانتخابات او الأداء الحكومي تتمتع بالمهنية والاستقلالية الكافية التي تجعل تقاريرها معترف بها محليا دوليا.
5- بعضها يخالف التعليمات ويخوض مضمار السياسة وهذا ما وجدته فعلا بان رئيس منظمة سجلها هو ومجموعة أخرى لدى مفوضية الانتخابات العراقية كحزب سياسي. وهنا يبدا السجال الطويل الذي يميز المنظمات الدولية وتفكير قادتها عن المنظمات العربية. ولا أقول جميعها لكن الكثير.
6- كثير من المنظمات نرى من يرأسها باقٍ منذ تأسيسها ولسنوات طوال وهو من يقرر ويمتلك جل الصلاحيات فكنا نلوم الأحزاب التي على هذا المنوال ويبدو ان المنظمات حذت حذو الأحزاب. فممكن ان نرى رئيس المنظمة من التأسيس والى الممات.
7- لا يوجد شخص او اشخاص فوق النظام الداخلي بحيث لا تسري عليهم أحكامه. بحيث لا يمكن محاسبته مهما اخطأ.
8- يفضل ان تختص المنظمة بمجال معين وتتميز به فتعدد الاختصاص يشتت الهدف ويتبعثر العمل وحتى تقاريرها لن تكن بالمستوى المطلوب.
9- اعداد التقارير المهنية ضمن اختصاص المنظمة. سوآءا دورية او حسب كل حدث او نشاط.10- يفضل ان يكون لها موقع الكتروني مرموق يليق بأهداف وشخوص المنظمة تنشر فيه كل انجازاتها واخبارها واعلاناتها وتقاريرها وطرق التواصل معها .. الخ.
11- ان يكون لها مقر دائم يُرفد بالكوادر الإدارية والمالية والقانونية وتكنلوجيا المعلومات وكلما تُنظم هذه الأمور تعطي انطباع للمنظمات والهيئات الوطنية والدولية بان التعامل معها له أولوية ومثمر.
12- ان يؤمن كل أعضاء المنظمة بالعمل الجمعي التطوعي غير الربحي المنظم وهذا لا يمنع من إعطاء العاملين اجورهم وخصوصا المتفرغين.
13- لديها نظام داخلي غير مفعل بالصورة الصحيحة ان كان مستوفي لكل الجوانب ولكن غالبا ما يكون غير مكتمل وكل ذلك يعزز الفشل. لذا يتوجب احتواء النظام الداخلي للمنظمة تفاصيل كل الأمور المهمة التالية: –
1- النظام الداخلي اقرته الأمانة العامة وفق ما حدد بالنظام وطريقة تعديله على ان يكون فوق الجميع ولا يميز بين أعضاء المنظمة البتة الا وفق بنوده.
2- المهام والصلاحيات لكل منصب او مكتب في المنظمة وحتى لكل شخص. أي بمعنى التوصيف الوظيفي لمجمل اعضاء المنظمة وجميع مكاتبها.
3- إجراءات الصرف المالي وطرق التمويل وتحديد صلاحيات الصرف والمخولين بذلك بشكل دقيق.
4- طريقة اعداد التقارير المهنية ضمن اختصاص المنظمة.
5- بنود وفقرات اعداد موازنة سنوية وتقرير شامل بالصرف المالي للسنة المنتهية بحيث يمكن الاطلاع عليه بشكل واضح لكل الأعضاء وللحكومة ودائرة المنظمات.
6- طريقة اتخاذ قرار الفصل والتحقيق والعقوبة او المكافئة لأي منتسب من رئيسها او امينها العام الى جميع موظفيها.
7- تُفصل بشكل دقيق طرق وشروط الانتساب وانهاء العضوية.
8- طريقة اتخاذ القرارات التنظيمية والإدارية.
9- تحديد اجتماع الأمانة العامة للمنظمة والفترة الزمنية للاجتماعات الدورية وشرح إجراءات التصويت على المناصب الرئيسية والفرعية.
10- تنظيم الأمور المالية بشكل قانوني سليم لا يتعارض مع تعليمات وزارة المالية والرقابة المالية بحيث لا يترك ثغرة المساءلة.
11- وضع أسس للشراكة او العمل المشترك سواء بندوات او ورش مع منظمات دولية مماثلة لاختصاصها وأهدافها لأجل تعزيز قدرات المنظمة وكسب الخبرات او تبادلها.
12- مآلات حل المنظمة وانهاؤها وأين تذهب ممتلكاتها واموالها. وتسوية كل ذلك وفق ما يحدده النظام الداخلي ويطابق قوانين الدولة ذات العلاقة.نأمل ان ترتقي المنظمات العربية الى مستوى المنظمات الدولية الرصينة واكثر. وكل ما دون أعلاه لا يرتقي الى الكمال ولا نقول ان كل المنظمات في بلادنا تحتاج ان نكتب عنها لتعزز مكانتها بل بالعكس هناك منظمات لها شأن كبير ومكان مرموق بين المنظمات الدولية ولكن لأجل تغيير مسار الكثير من المنظمات التي لم نسمع منها الا الاسم رغم الاعداد الكبيرة لتعدادها.
حقوق النشر محفوظة لموقع العراق العربي