نظرية المؤامرة ونظرية (الدكمه):الحشد الشعبي ورسائل كلنتون! وثائق دامغة!

أضعت سويعات في البحث عن مصداقية خبرين انتشرا في الاعلام والتواصل الاجتماعي منذ مدة ويندرجان تحت نظرية(الدكمة). ونظرية الدكمة لمن لا يعرفها مصطلح افضل استخدامه في العراق كبديل عن نظرية المؤامرة التي بت اتجنب استخدامها كمصطلح لكثرة ما وسمتُ بالسطحية والسذاجة،وأحيانا بالعمالة لمهاجمتي لهذه النظرية التي لا يدانيها من حيث الشيوع والاستخدام عندنا سوى(شكو ماكو)! والسبب في اختياري لمصطلح الدكمة هو اني وجدت-في معظم الاحيان- ان الخبر الكاذب الذي يراد الترويج له ،والذي غالبا ما يبدأ بكلمة (يكلك) هو خبر مدفوع برغبة مسبقة لاثبات وجهة نظر معينة. اي ان الفرد غالبا ما تكون لديه نظرية او فكرة مؤمن بها تجاه حالة معينة فيبدأ بالتفتيش عما يثبت له وجهة نظره. هذه الحالة التي تعود في جزء منها الى ما يطلق عليها علماء النفس (المنطق المدفوع ذاتيا motivated reasoning )،تشبه تماما المثل العراقي الذي يقول (عنده دكمه ويدورلهه على قاط). وهي حالة تكثر عندما تزيد حالات الاستقطاب الفكري والقومي والطائفي وينقسم الناس الى فرق ونِحل تحاول كل منها اثبات وجهة نظرها باستخدام ما يسميه العلماء بالواقعية الساذجة naïve realism. ان الخطورة الاكبر من شيوع نظرية الدكمة في اي مجتمع هو ليس لكونها فقط ناجمة عن انقسامات مجتمعية، بل الاخطر كما اثبتته دراسة حديثة هو انها تسهم في تعميق هذه الانقسامات وخلق القَبَلية المجتمعية.
بعد ان فرغت ليلة امس من التعليق على تقرير(اقل ما يقال عنه ملفق ودعائي) نشره احد المواقع الخبرية العراقية نقلا عن موقع امريكي بخصوص مباحثات ايران وامريكا،واذا بصديق يرسل لي نسخ من تغريدات لمغردين لهم متابعين كثر ويدعون المصداقية عن الحشد الشعبي وعن رسائل هيلاري كلنتون التي (تؤكد فيها) انها هي واوباما من خلق داعش! ولأن الخبرَين بديا لي كاذبِين ولكثرة ما يتم تداوله حول هاتين المعلومتَين،ولكوني كباحث اجتماعي،أعلم ان أفضل طريقة لمحاربة هذه الاخبار وتقليل الاستقطاب الفكري والمجتمعي الناجم عنها هو من خلال كشف الحقائق فقد قررت تخصيص بعض الوقت للكشف عن مصداقية هذين الخبرين وبالوثائق.
تدعي(التغريدة) ان امريكا ظلت تمول الحشد الشعبي والميليشيات العراقية بمبلغ 200 مليون دولار امريكي لسنوات بحسب تقرير صادر عن الكونغرس الامريكي،وطلب المغرد من قراءه الرجوع للمصدر للتأكد من معلومته وذلك لأضفاء مزيد من المصداقية على خبره كما يبدو. فقرأت التقرير الذي تحدث فعلا عن دعم امريكي لقوات الامن العراقية لكنه حدد بدقة تلك الجهات التي تمت مساعدتها ولم يكن من بينها لا الحشد ولا الميليشيات.بل بالعكس فأن التقرير انتقد بشدة تلك القوات وطالب بالقضاء عليها باعتبارها تقوض امن العراق-كما يقول التقرير- وهاكم المصدر لتقرؤوه!!

https://fas.org/sgp/crs/mideast/R45633.pdf


أما عن رسائل كلنتن التي باتت كقميص عثمان في الادبيات العراقية والعربية-وحتى الاجنبية-لاثبات صلة امريكا بداعش فقد امضيت وقت اطول في التفتيش عن صحة الرواية التي لا توجد في اي من رسائل كلنتن المسربة للاعلام في 2016. هنا وجدت الكثير من المصادر التي تتبع اصل الروابة التي بدأت بدعاية روسية أبان تدخل روسيا في النزاع الروسي عام 2012،ثم تلقفها ترامب ورددها وأكدها في اكثر من مقابلة خلال حملته الأنتخابية ضد كلنتن. ولأن مثل هذا الادعاء(الذي يصل الى مصاف جريمة كبرى في القانون الامريكي)لا يوجد دليل عليه فقد اكتفى ترامب ورهطه بترديده دون اي مصداقية تعضده. ولو كانت هناك رسالة واحدة مسربة من رسائل كلنتن تذكر فيها ان امريكا هي من خلقت داعش لقامت الدنيا ولم تقعد ليس في امريكا فحسب بل في اوربا وبقية انحاء العالم نظرا للخسائر الفادحة التي تكبدها كل العالم نتيجة داعش. وعليكم تذكر ان كذبة امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل لم تستطع ادارة بوش وتابعه بلير اخفاؤها وما زال الاعلام العالمي يتحدث عنها للان، كما ان الادارة الاميركية لم تستطع من قبل اخفاء دورها في دعم القاعدة ابان الغزو الروسي لافغانستان،فكيف يمكن اخفاء جريمة خلق داعش وهي جريمة ما زال العالم كله يئن من وطأتها بخاصة حين تتوفر وثيقة(حقيقية) كرسائل كلنتن المزعومة؟ يحتوي اول رابط ادناه على معلومات وصور موثقة لطريقة التزييف التي قام بها قراصنة كومبيوتر صينيين لهذا الخبر عام 2016 والذي مازالت بعض المواقع المؤامراتية تتداوله داخل العراق وخارجه.
اخيرا فان مبادىء الحرية والديمقراطية تتيح لاي شخص-بضمنهم المحللين السياسيين الذين ابتُلينا بهم- ان يؤمن بما يعتقده صحيحا،لكن ليس من حقه تضليل الرأي العام كي يثبت نظرية(الدكمة)التي يؤمن بها.

المصدر
موقع كوارتزموقع بريت بارتموقع صحيفة واشنطن تايمز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى