هل تسعى الإدارةالأمريكية الى إعادة هيكلة دورها في الشرق الأوسط ؟

1• شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً للجدل في الدوائر السياسية والفكرية الأمريكية حول أهمية منطقة الشرق الأوسط وتشكلت وجهتا نظر حول هذه القضية ترى الأولى استمرار الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بينما تقلل الثانية من تلك الأهمية بسبب تغير أولويات ومصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي .
وعلى الرغم من انتصار الاتجاه الأول الذي ينادي بأهمية الأنخراط الأمريكي في المنطقة فإن هناك قناعة أمريكية بأن الشرق الأوسط يعاني من مشكلات وأزمات هيكلية يجب على الولايات المتحدة أن تعيد التفكير في كيفية التعامل مع أزمات وصراعات إقليم الشرق الأوسط المظطرب من دون أن يفرض ذلك عليها أعباء أمنية واقتصادية .
2• في ضوء هذا التقييم الاستراتيجي سعت الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما إلى إعادة هيكلة السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط من خلال التركيز على التوجه نحو آسيا وتقليل الأنخراط في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر لذلك أميركا أوكلت مؤخراً أمر أدارة القيادة العسكرية الوسطى في المنطقة الى إسرائيل
لذلك في عهد أوباما كان الأتفاق النووي مع إيران أحد مداخلها لتقليل حدة الصراع الإقليمي وإعادة صياغة التوازنات في هذا الجزء من العالم .
وجاءت إدارة ترامب لتلغي الأتفاق النووي وتتبنى مقاربة مختلفة تتأسس على تبني سياسة التحالفات كآلية لإعادة صياغة التوازنات في المنطقة وتقليل الأعباء الأمنية والعسكرية الأمريكية
3• مع أن سياسة تقليل الأنخراط الأمريكي في الشرق الأوسط وتبني اقتراب جديد للتعامل مع المنطقة بدأت تدريجياً منذ عام 2012 فإن عام 2018 شهد مؤشرات واضحة على هذا التوجه من ان يستمر ذلك وقد يتسارع في ولاية الرئيس بايدن من خلال بعض المؤشرات والدلائل خاصة في خطاب السيد بايدن أثناء التنصيب وخطابة عند زيارته وزارتي الخارجية والبنتاغون وتصريحه بسحب الدعم الأمريكي للتحالف السعودي العسكري في اليمن وثم رغبة اميركا من رفع أسم حركة الحوثي من قائمة الأرهاب ألا دليل على التأكيد على تبني أقتراب جديد في المنطقة . مع العرض جاء سبب الأهتمام بأشارة السيد بايدن الى اليمن تحديداً ألا بسبب موقعها الجغرافية المطل على الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب ومضيق هرمز وما تشكله هذه المنطقة الاستراتيجية من أهميه كبيرة لطرق التجارة البحرية العالمية وما تشكله عموم منطقة دول الخليج العربي من أهمية سياسيه وأقتصاديه وعسكريه بالغة الأهميه للولايات المتحدة خاصة وأي انهيار عسكري وأمني وفوضى محتمله في اليمن ستؤدي الى عمليات نزوح وتهجير واسعة النطاق في عموم منطقة الخليج العربي خاصة والمنطقة عموماً والتي لا تتحمل أكثر مما هي فيه وبالتالي أول من يتأثر بتداعيات هذا الأنهيار هي دول الخليج العربي وأميركا خاصة والعالم عامة لاسيما أن استثمارات وأرصدت دول الخليج العربي في الولايات المتحدة تزيد على تريليون دولار وأي انهيار أمني وأقتصادي في الخليج ستتأثر هذه الأرصده المالية وتؤثر على الأقتصاد الأمريكي بالأضافه الى ذلك يمكن رصد مؤشرات التقارب الأمريكي والنهج الجديد الآخر في منطقه الشرق الأوسط في الجوانب الأخرى التالية:-
أ• مؤشر التركيز الأمريكي خلال هذه المرحلة على التهديدات النابعة من روسيا والصين: حيث نصت الأستراتيجية الدفاعية التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية في عام 2018 على أن المنافسة الأستراتيجية طويلة المدى مع الصين وروسيا تعتبر من قمة الأولويات الأساسية لوزارة الدفاع الأمريكية حيث أشارت إلى ضرورة تشكيل أئتلافات دائمة في الشرق الأوسط لغرض العمل على تعزيز شرق أوسط مستقر وآمن يمنع وجود ملاذات آمنة للإرهابيين ولا تهيمن علية أي قوة معادية للولايات المتحدة الأمريكية ويساهم الشرق الأوسط في استقرار أسواق الطاقة العالمية وتأمين طرق التجارة على أن تعمل اميركا على تطوير دائم للتحالفات لتعزيز المكاسب التي حققتها الإدارة الأمريكية حسب رأيها في أفغانستان والعراق وسوريا وأماكن اخرى لغرض دعم الهزيمة الدائمة للأرهابيين وقطع مصادر قوتهم ولغرض أحداث توازن مع إيران حسب قول اميركا .
مع العرض منذ عام 2018 شهدت المنطقة مؤشرات واضحة على بدء عسكرة الدور الصيني في الشرق الأوسط وعدم اقتصاره على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة فقد أفتتحت بكين أول قاعدة بحرية عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي كما بدأت الشركات الأمنية الخاصة الصينية تتمدد في بعض دول المنطقة لحماية استثمارات الصين خاصة في العراق.
ب• تقليل الانخراط العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط :
حيث شهدت المنطقة منذ عام 2018 مؤشرات على اتجاه واشنطن لخفض جهدها العسكري في المنطقة وتمثل ذلك في سحب أنظمة صواريخ باتريوت من الكويت والأردن والبحرين وإعادة توزيعها في مناطق أخرى من العالم وسحب بعض القوات الأمريكية من سوريا وتخفيض عددها في أفغانستان والعراق وثم انسحاب بعض القطع البحرية المهمة من الخليج العربي وأشار المسؤولون إلى أن هذه الخطة تترافق مع إعادة التوازن العسكري والتركيز عسكرياً على تهديدات الصين وروسيا وخاصةً بعد ان أوكلت الأدارة الأمريكية قيادة القيادة الوسطى في المنطقة الى القيادة الإسرائيلية خاصة بعد عمليات التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية وأصبحت اليوم اسرائيل هي صاحبة القرار العسكري والقائد المخول في المنطقة لكي تتفرغ الإدارة الأمريكية لمهام اخرى في العام المضطرب سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً.
ج• السعي الأمريكي لتأسيس تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي : حيث أعلنت الأدارة الأمريكية على لسان ترامب خلال زيارته للسعودية في عام 2017 فكرة تأسيس هذا التحالف وكشفت الولايات المتحدة ان الأطراف التي ستنضم للتحالف هي دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن وتأخر أطلاق التحالف بسبب الخلاف السعودي القطري وتأخر بعض الدول العربية عن التطبيع مع اسرائيل قد أخر اسرائيل من دخولها في هذا التحالف وما تكليف إسرائيل في قيادة القيادة المركزية الوسطى ألا تمهيد لهذا التحالف الذي لا يزال قيد البحث والمتابعة والأهتمام كل ذلك لغرض تقليل انخراط اميركا العسكري المباشر في الشرق الأوسط للتخفيف عن هذا العبء الكبير الذي أثقل كاهل الولايات المتحدة سياسياً وأقتصادياً وعسكرياً ولغرض ان تتفرغ اميركا لمهام وتحديات كبيرة تواجهها داخلياً وخارجياً .
وفي هذا الإطار من المحتمل أن تركز واشنطن على إنجاح مبادرة * تحالف الشرق الأوسط الأستراتيجي * ومحاولة إزالة المعوقات التي تعترض إنشاءه .

اللواء الركن فيصل الدليمي

رئيس منظمة عين للتوثيق والعدالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى