هل توفي الملك فيصل، طبيعيًا أم قُتل مسمومًا …؟

الملك فيصل الأول، حياته السياسية وظروف مماته الغامضة، عنوان كتاب جديد صدر حديثًا عن دار الذاكرة للنشر والتوزيع، لمؤلفه الدكتور محمد مظفّر الأدهمي.

 هو دراسة مستفيضة أعدها الأدهمي، بشكل معمّق عن شخصية فذّة اعتبرت من أبرز رجالات عصره وفي تاريخ العراق الحديث تحديدًا، لما كان يتمتع به من إمكانيات سياسية عالية، وفطنة وذكاء غير مسبوقة، وحكمة وخبرة متراكمة، أهلته ليؤسس دول عراقية حديثة رغم المصاعب والمشاكل المعقدة التي واجها طيلة فترة جلوسه على عرش مملكته الجديدة

 اعتمد المؤلف في مَتن كتابه على مجموعة من الوثائق البريطانية السرية التي كُشف النقاب عنها مؤخرًا بعد أن كانت محجوبة عن الرأي العام بمدة قانونية مُلزمة، وهي وثائق رسمية لا طعن فيها أو الشك بمصداقيتها وهي على قدر كبير من الأهمية. هذه الوثائق أدرج المؤلف صورًا عنها في نهاية الكتاب لمراجعتها من قبل المهتمين والمتابعين.

بدأ الدكتور محمد مظفر الأدهمي، وهو الضليع في دراسة التاريخ بشكل عام وتاريخ العراق الحديث على وجه الخصوص، في صفحات كتابه إلى موقف الملك فيصل المناوئ للانتداب البريطاني منذ اليوم الأول لوصوله إلى العراق ووقوفه إلى جانب الوطنيين وكفاحه الدؤوب من أجل صيانة وحدة العراق الوطنية واستقلاله وسيادته مستذكرًا خيانة البريطانيين وتخليهم عنه لصالح الفرنسيين الذين عزلوه عن عرش سورية، بقوة السلاح تطبيقًا لمعاهدة سايكس بيكو وقرارات مؤتمر سان ريمو.

وتطرّق المؤلف أيضًا، إلى منجزات الملك فيصل، العديدة للدولة الوليدة منها وضع دستور للبلاد وإصدار قانون التجنيد الإجباري وتنوع مصادر السلاح وبناء موازنة جديدة وإيجاد عملة عراقية وحل مشكلة الموصل وبقية مشاكل الحدود، كل ذلك حدث والعراق ليس فيه جيش قوي قادر على حماية نفسه وحماية قراراته الاستراتيجية، وخزينته المالية شبه خاوية وأنظمة الدولة وقوانينها غير واضحة، بل أغلبها متداخلة بين ما هو موروث عن الحكم العثماني وما فرضه البريطانيون. فالملك فيصل يقابله المندوب السامي البريطاني، في حكم البلاد والوزير يقابله المستشار البريطاني في وزارته.

 توّجت فترة حكم الملك فيصل بتوقيعه معاهدة مع بريطانية سنة 1930، التي كانت شرطًا أساسيًا لدخول العراق إلى عصبة الأمم وهذا ما تحقق سنة 1932، الذي اعتبر في حينه استقلالًا رسميًا للعراق من الناحية الشكلية لكنها كانت خطوة مهمة على طريق مستقبل العراق وتحريره من القيود والهيمنة البريطانية.

في فصل آخر من الكتاب وربما هو الأهم والأخطر، أفرد المؤلف صفحات طويلة ومفصّلة عن وفاة الملك فيصل في برن بسويسرا عام 1933، والظروف الغامضة لوفاته. هل كانت وفاة طبيعية (قضاء وقدر) أم جريمة جنائية (مع سبق الإصرار والترصد)، اشتركت فيها عدّة أشخاص وجهات؟

استند الأستاذ الأدهمي، في بحثه إلى وثائق بريطانية وتقارير طبية ورسائل رسمية للخارجية البريطانية، ومقابلات نشرت في الصحف الأجنبية مع شخصيات كانت بقربه ساعة وفاته والغموض الذي لفَّ تلك الحادثة وردود الفعل التي رافقت موته إضافة إلى حديث رئيس التشريفات تحسين قدري، مع وكيل المفوض البريطاني. خلص على إثرها المؤلف إلى استنتاجات شخصية من مسرح الواقعة وتحليلات وشكوك بكل ما عُرض، والتناقضات العملية فيما بينها، ثمَّ رجوعه إلى مصادر وكتب طبّية عن حالات التسمم وأعراضها ومسبباتها للاستئناس برأي طبي محايد. كل ذلك جعلت من الدكتور الأدهمي، أن يخرج بنتائج اعتبرها قرائن ودلائل -وإن كانت غير مؤكدة-تشير إلى أن الملك فيصل قُتل مسمومًا …! وانه أشار بأصبع الاتهام إلى طرفين كل واحد منهما كانت له مصلحة وهدف في موت الملك فيصل، وأن كلاهما كانا قد تصرّف بشكل مريب ومشكوك فيه قبل وفاته وهذان الطرفان هما: السلطات البريطانية، ونوري السعيد …!

لقد بقيت قضية وفاة الملك فيصل مجرد شكوك تبعث على الريبة ولم يتوصل أحد لحد الآن لمعرفة الحقيقة على الرغم من مرور أكثر من ثمانية عقود على وفاته، على أمل أن يقوم الباحثون والمختصون بتحليها مستقبلًا. إلا أن أفضل حل لمعرفة الحقيقة الجازمة هو فحص رفات الملك للتأكد من وجود السم من عدمه مهما مرّت السنون، حسب رأي المؤلف وقناعته.

في الجزء الأخير من هذا الكتاب المهم تطرّق المؤلف إلى ما أشيع عن قصة حب الملك فيصل لأمرأة كان متيّمًا بها منذ صباه ولم يتمكن من الزواج منها لأنها أجنبية ومسيحية. تلك القصة الموهومة التي كتبتها الأميرة الإنكليزية كاثرين رادزويل ونشرتها جريدة Sunday Express البريطانية بعد أشهر من وفاته، الغاية منها إثبات أن الملك فيصل لم يمت قتيلًا وإنما بسبب سماعه نبأ وفاة هذه المرأة، وكذلك تبرئة بريطانية من خيانتها للعرب وفق معاهدة سايكس بيكو، وإظهار فضلها عليهم، كما تناولت الكاتبة في مقالتها أمورًا شخصية جدًا لا يمكن أن يعرفها سوى فيصل وتلك المرأة التي أُعطي لها اسم رمزي هو تارا (Thara). وقد قام المؤلف بترجمة المقالة الطويلة كاملةً تاركًا للقارئ الحكم بنفسه على هذه القصة المزعومة …!

خاتمة الكتاب مجموعة ملاحق بأقلام كبار المفكرين والأدباء العرب أمثال طه حسين، وعبد الرحمن عزام، وأحمد حسن الزيات، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، والسيد التقتازاني، وفكري أباظة وقصيدة طويلة للشاعر جميل صدقي الزهاوي تُرثي في مجملها الملك فيصل وتثني على دوره الوطني والقومي في الساحة العربية معتبرين وفاته ليست خسارة للعراق فحسب بل للأمة جمعاء، وانه كان ملكًا من طراز خاص، زاهدًا في ملكه، وداعية سلام، ومؤسس نهضة، وممثل فكرة، ورسول وحدة …

هذا الكتاب هو إضافة أخرى لعديد الكتب التي ألّفها الأستاذ الدكتور محمد مظفر الأدهمي، خلال حياته المهنية والعملية، ناهيك عن أكثر من أربعين بحثًا ودراسة وعشرات المقالات المنشورة في مجلات وصحف مختلفة، تطرّقت أغلبها إلى التاريخ السياسي للعراق، بحكم موقعه كأستاذ جامعي في عدّة جامعات عراقية وعربية وتخصصه بتاريخ العراق الحديث، وتقديمه لفترة طويلة للبرنامج الشيّق والذي كان يتابعه الجميع من على شاشة تلفزيون العراق في سبعينيات القرن الماضي برنامج (شيءٌ من التاريخ) وما زال إلى الآن يقدم برنامجًا رديفًا لذلك في قناة التغييرالفضائية.

مظفر الادهمي – مؤلف الكتاب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى