أجد نفسي مضطراً للعودة لموضوع المؤامرة،والفوضى المفتعلة..الخ مما صرنا نسمعها يوميا عشرات المرات. كل شيء صار في العراق مؤامرة..الكورونا مؤامرة،اللقاح ضد الكورونا مؤامرة،داعش مؤامرة،القتال ضد داعش وتحرير الارض مؤامرة،الطائفية مؤامرة،تقسيم العراق مؤامرة،الاقاليم مؤامرة،التفجيرات مؤامرة لخلق الفوضى،الانتخابات المبكرة مؤامرة،تأجيل الانتخابات مؤامرة،حكومة المالكي مؤامرة،حكومة العبادي مؤامرة،حكومة عبد المهدي مؤامرة،الكاظمي مؤامرة…هل تريدون المزيد؟
ليس لدي سوى الاسئلة التالية لتفنيد كل المؤامرات:
هل العالم ما عنده شغل ولذلك أسس غرفة عمليات خاصة بالتآمر على العراق؟! هل العراقيون بهذا الغباء كي تنطلي عليهم كل المؤامرات؟! كيف يمكن تفسير المؤامرات المتناقضة الكثيرة حين تتآمر جهةٍ ما لصالح جهة عراقية ثم تعود لتتآمر ضدها!!فانقلاب تموز، مثلا ضد الملكية مؤامرة ثم كل الانقلابات التي تلته مؤامرة،وانقلاب البعث مؤامرة ثم الاطاحة بحكم البعث ايضاً مؤامرة ومن نفس الفاعل،والسنة(السياسيين) تآمرت عليهم أمريكا ثم سلمتهم لايران،والشيعة السياسيين تحالفت معهم أمريكا ثم تآمرت ضدهم!!ايران تتآمر ضد السنة،ثم تتحالف معهم!! داعش صنيعة المالكي ثم صارت صنيعة امريكا والسعودية وقطر؟! التفجيرات مؤامرة السنة على الشيعة،لكن نتيجتها هي قتل و تهجير السنة من مناطقهم وتدميرها!!
يخرج عليك من يقول ان العراق يجب ان لا يستقر، بمنطق المؤامرة!! وحين تسأله لماذا؟! يجيب انها الفوضى الخلاقة التي قالت عنها رايس وبشرت بها كلنتون،كي تستفيد امريكا!!زين افتهمنه تآمر امريكا، وماذا عن تآمر إسرائيل ؟! يجيبك احدهم،ليست إسرائيل وانما ايران!! فيؤيده الآخر لكن يعترض ثالث ويقول بل هي مؤامرة سنية وهابية!! لا..لا..انها مؤامرة اخوانية تركية، يجيبك آخر!!هل معقولة ان كل هؤلاء قلقين من العراق واجتمعوا واتفقوا ضده؟!! اذا كان العراق لهذه الدرجة مخيف فما باله لا يعي المؤامرات وينتفض بعد عشرات السنين من المؤامرات؟!! الكاظمي جيء به بمؤامرة والان هناك مؤامرة لاسقاط الحكومة وخلق الفوضى؟!!
وعلى الرغم من اسئلة كثيرة اخرى عندي عن المؤامرات التي تريح عقلية من يؤمنون بها وتدفع عنهم عناء التفكير في الوضع الراهن وانتقاد انفسهم وتسهل عليهم حالة الانكار denial التي يعيشونها الا اني اود ان اختم بسؤال، هل اعدائنا يحتاجون لكل هذا التآمر علينا ونحن من نقتل انفسنا بالكورونا،وعدم التلقيح،وندمر بلدنا بالطائفية ،والمحاصصة،والفساد،والميليشيات ،والتهرب من الدوام،وقلة الانتاجية،وكثرة العطل،والتذابح والتناحر على السوشيال ميديا،وانعدام الثقة بيننا،وتحليل الحرام،وتحريم الحلال،والاهمال في الوظيفة ….الخ؟!!! هل يحتاج العراقيون حقاً من يتآمر عليهم ام فقط من يستثمر حالهم المتردي لكي يحقق ما يريد؟! اذا كان استثمار حالنا السيء هو مؤامرة فحينذاك أؤمن معكم بالمؤامرة!! اما اذا قلتم لي ان من خلق هذه الظروف هم المتآمرون اقول لكم ،المانيا دُمرت (بمؤامرة) واليابان سُويت بالارض(بمؤامرة) وكوريا الجنوبية سُحقت(بمؤامرة) وهكذا يمكن ان اعدد لكم العديد من الدول التي تم (التآمر) عليها بمنطقكم فلماذا خرجوا من تلك المؤامرات منتصرين في حين خرجنا منها (منكسرين) ومستسلمين لمنطق المؤامرة؟! المؤامرات موجودة لكن المؤامرة (مو آمرة) وانما مأمورة بمنطق الفاعل. فاذا كنا فاعلين فسندرك ان المؤامرات(او المخططات من قبل الغير لتحقيق مصالحهم) هي حالة طبيعية في السياسة والعلاقة بين الشعوب،لكن غير الطبيعي هو الاستسلام المطلق لمنطق المفعول به وتبرير كل شيء بالمؤامرة لدفع التهمة والتقصير عن انفسنا.
715