ربما ما كشفته الأمم المتحدة عن نزوح شخص كل ثانيتين في العالم يعكس حجم ومخاطر أزمة اللجوء والنزوح وتداعياتها على المجتمع الدولي بفعل الحروب والأزمات والحصار والفقر يقف العالم ومنظماته الإنسانية والإغاثية عاجزا، لا سيما وأن أعداد هؤلاء تزداد كل عام، الأمر الذي يتطلب جهودا جبارة مدعومة بتخصيصات مالية لمواجهة هذا التحدي الكبير الذي حول حياة الملايين إلى جحيم.
وعندما نتحدث عن أعداد اللاجئين في العالم فإن أعدادهم يفوق سكان تايلند فما بالك بأعداد العرب الذين يزداد عددهم كل عام جراء غياب الأمن والصراع الطائفي وانعدام وفرص العمل، وتدني مستوى المعيشة في بلدانهم.
وفي إحصائية الأمم المتحدة فإن أزمة النزوح القسري في العالم تدهورت لتصل إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصل عدد اللاجئين والنازحين في العام الماضي إلى رقم قياسي، بلغ 68.5 مليون شخص.
وأشارت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تقريرها السنوي إلى أن 16.2 مليون شخص شُرّدوا في العام 2018، وذلك يعني أن ما معدله شخص واحد نزح كل ثانيتين في هذا العام، مما يجعل من اعتماد اتفاق دولي جديد بشأن اللاجئين الضرورة الأكثر حدة من أي وقت مضى.
وذكر التقرير أن عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم فرارا من الصراع المسلح والاضطهاد يبلغ حاليا نحو25.4 مليون شخص، ما يفوق معدلات عام 2016 بـ2.9 مليون شخص فيما بلغ عدد النازحين داخليا عالميا 40 مليونا.
وما يقلق المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة الإنسانية أعداد الأطفال من مجمل اللاجئين في العالم الذين شكلوا نحو50 بالمائة، ما يفاقم من أزمة النزوح واللجوء جراء عجز الأمم المتحدة عن إغاثتهم وتوفير البيئة الآمنة لهم. وما يزيد من معاناة اللاجئين والنازحين تدني مساهمة الدول الميسورة لإغاثة هذه الأعداد الهائلة، وتوفير البيئة الحاضنة لهم، فضلا عن عجز المنظمات المعنية عن القيام بدورها الإنساني.
إن أزمة النزوح واللجوء حولت أوطان هؤلاء إلى مجرد خيمة يستظلون بها كما هو حاصل للسوريين والعراقيين واليمنيين التي عجزت الدول المضيفة عن رعايتهم وتأمين حاجاتهم الإنسانية.
لقد تحولت أزمة اللجوء والنزوح القصري إلى أزمة سياسية وطائفية بفعل محاولات التغيير الديمغرافي التي صاحبتها، كما جرى في العراق ويجري في سوريا ومناطق أخرى، ما يستدعي إجراءات سريعة لوقفها لمخاطرها على مستقبل الأوطان والتوازن المجتمعي فيها.
لقد بات واضحا أن عمليات الاستهداف الطائفي والعرقي وغياب الأمن والبيئة الضامنة في بعض أقطارنا العربية كانت وراء موجات اللجوء والنزوح القسري، سواء داخل الوطن أو إلى خارجه، وهي تندرج تحت سياسة ممنهجة ووفق مخطط مدروس، فكيف نفسر بقاء مئات آلاف العراقيين خارج مدنهم في مخيمات النزوح بعد استعادة مدنهم من “داعش” بعد أكثر من عام من دون أمل قريب بالعودة إليها.
إن أوضاع سكان المدن المستعادة من “داعش” خطيرة وعرقلة عودتهم إليها أكثر خطورة، وهو الأمر الذي عجزت السلطات عن معالجته ما يكشف عن مخطط مدروس لتغيير الواقع السكاني في هذه المدن وفق سياسة طائفية تحاول إعادة رسم خريطة العراق وفق رؤية طائفية، ما يزيد من معاناة نازحي الداخل ويفاقم معاناتهم، وهو ذات الحال الذي يعانيه آلاف العراقيين في دول الجوار والشتات بعد أن تقطعت بهم السبل في بلدهم وتخليها عنهم