أسئلة حائرة في زمن الضياع

الجزء الاول

لم أطلع على معلومة موثقة واحدة تؤكد لي أن إسرائيل ومنذ عام 1948 وحتى اليوم أرغمت فلسطينيا واحدا على تحويل ديانته إلى اليهودية، سواء بوسائل الضغط بالقوة أو بالإغراء، هذا ليس نابعا عن إنسانية إسرائيل في تعاملها مع الفلسطينيين فهي ارتكبت من الفظائع ما هو معروف، وإنما لأن الديانة اليهودية على ما أعرف ديانة مغلقة على عرق واحد، وهو عرق بني إسرائيل (يعقوب) وهو شعب الله المختار كما يزعمون ولهذا بقي عدد اليهود في العالم قليلا مقارنة مع الديانات الأخرى، وبذلك تختلف اليهودية عن المسيحية وعن الإسلام في حث الناس من مختلف الديانات الأخرى على الدخول فيهما، فالمسيحية اعتمدت على خطط التبشير التي اعتمدتها الكنيسة، بل وأرغمت مسلمي الأندلس على الاختيار بين ثلاثة، أم القتل أو التنصر أو مغادرة اسبانيا، وأقامت لهذا الغرض محاكم التفتيش التي ما تزال قصصها المروعة تصدم العيون والوجدان الإنساني، وواصلت الحملات الاستعمارية خطط التنصير في آسيا وأفريقيا وأمريكا حتى تم تغيير ديانات كانت قائمة في القارات الثلاث بل واختفت تلك الديانات من الوجود لصالح الكثلكة أو البروتستانتية.
أما الإسلام الذي تعرض لحملة كراهية غربية منظمة وخاصة من قبل المستشرقين والمؤرخين، فقد اتُهموه بأنه انتشر بالسيف، في حين أن هناك أقاليم لم تصلها جيوش الفتح الإسلامي مثل إندونيسيا وماليزيا ومعظم جنوبي شرقي آسيا تحولت إلى الإسلام نتيجة احتكاكها بالتجار العرب الذين عكسوا في تعاملهم قيم الإسلام الحنيف من صدق وأمانة وشرف ومروءة، مما أدى إلى استمالة قلوب سكان تلك الأقاليم فدخلوا في الإسلام أفواجا، ولم تسجل في التاريخ حادثة تؤكد أن مسلما دخل في الدين نتيجة ضغط وإكراه أو إغراء دنيوي، ثم هل يستطيع مؤرخ أوربي أن يقدم وثيقة ذات مصداقية على أن الإسلام انتشر في إسبانيا بالسيف.
ولكن كل شيء انقلب رأسا على عقب بعد فتح بلاد فارس في معركة القادسية ودخول القائد العربي سعد بن أبي وقّاص إيوان كسرى فصلى فيه صلاة النصر وقرأ (كم تركوا من جنات وعيون. وزروع ومقام كريم. ونعمة كانوا فيها فاكهين)، فبعد أن أيقن كهنة معبد النار ألا طاقة لهم في مواجهة العرب المسلمين في سوح الوغى، خططوا للكيد من الإسلام ونَخره من الداخل، وهنا نجد تفسيرا لمقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال (ليت بيننا وبين فارس جبلا من نار، لا يأتون إلينا ولا نذهب إليهم)، فهو يعرف أن النفس الفارسية بما جُبلت عليه من عجز عن المواجهة فاستعاضت عنها بالغدر استنادا إلى حكمة فارسية تتناقلها الأجيال، (إذا هبت عليك عاصفة لا تواجهها بل اخفض رأسك حتى تمر)، ستجعل من الإسلام إن دخلته ساحة لنفث سموم الفرقة والتمزق بين المسلمين، وإن لم تدخل فيه فإنها ستواصل الكيد له بتحالفات مع مختلف الدول السائدة في ذلك الوقت مما يهدده في مركز انطلاقه في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ولما لم يجد دهاقنة الفرس ثغرة يمكنهم النفاذ منها، فقد أوكلوا تلك المهمة إلى حالة التدمير الذاتي للدين الإسلامي من داخله، إلى القادة المؤسسين الأوائل للتشيع وكلهم فرس الانتماء والولاء، ويحملون في دواخلهم نزعة شريرة مضادة للدين الذي دمّر امبراطورية فارس، فوجدوا ضالتهم في رفع لواء الولاء لآل البيت وكأنه العصا السحرية الكفيلة باستقطاب التعاطف معهم، ومنذ أول بيان تأسيسي، رفع أولئك المؤسسون شعار تكفير كل من لا يشاطر أطروحاتهم من المسلمين، خاصة بما أسموه بالاعتقاد بولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أي كل من لا يكفّر أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
وتواصل البناء الفكري لهذه العقيدة عدة قرون كانت تشهد مواجهات اصطبغ نتيجتها كثير المدن العربية والإسلامية بكثير من الدماء، وذلك عندما نشأت دول تحمل هذا الفكر ولكنها لم تصمد طويلا أمام عقيدة التوحيد الخالية من البدع والضلالة والخرافة وأضفوا على الائمة من المعجزات والعلم بالغيب ما لم يتوفر عليه الأنبياء والمرسلون بمن فيه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومع مرور الوقت والحرص على تجهيل الأتباع، تحولت تلك القصص إلى حقائق راسخة في عقول أتباعهم، حتى أن خميني تطاول مرة على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال إن الأنبياء جميعا بمن فيهم رسول الإسلام لم يكملوا رسالتهم، وأن الموضوع بكامله موكول إلى المهدي المنتظر، ولما كان هو نائبه أي خميني، فهو سيتولى مهمة اكمال رسالة الإسلام الصحيح.

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى