أستراتيجية خصخصة الحروب والقتال بالوكالة

الفريق-صباح-نوري-العجيلي

المدخل: الخصخصة في التعبير الاقتصادي، تعني نقل الملكية العامة أو اسناد ادارتها الى القطاع الخاص، وتأخذ الخصخصة أسلوبين: الأول هو بيع اصول مملوكة للدولة الى القطاع الخاص والثاني هو ان تتوقف الدولة عن تقديم خدمات كانت تقوم بها في السابق مباشرة وتعتمد على القطاع الخاص في تقديم تلك الخدمات . ويهدف برنامج التخصيص الى تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات واتاحة الاصول الحكومية أمامه ، مما يحسن من جودة الخدمات المقدمة ويسهم في تقليل تكلفتها وتخفيف الأعباء المالية للدولة .
الحرب ظاهرة اجتماعية مكلفة بشرياً ومادياً وباتت الحروب الحديثة تستنزف الشعوب والجيوش وموارد الدولة ولم تعد مقتصرة على الجيوش التقليدية ، فالخصخصة وشركات الأمن الخاصة دخلت ايضاً مجال الحروب حيث عملت اطراف الصراعات المسلحة لاسيما الدول الكبرى خلال العقود الأخيرة، على توظيف الشركات العسكرية والأمنية الخاصة لاداء مهمات عسكرية خاصة كانت بالأساس من صلب واجبات القوات المسلحة.

ففي بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين وفي أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان 2021 والعراق 2023 ، توصلت الادارة الامريكية الى فكرة التخفيف عن كاهل القوات المسلحة بالاستعانة بمصادر غير عسكرية لتنفيذ بعض الخدمات والمهمات العسكرية الخاصة، كالدعم القتالي واللوجيستي والمخابراتي ومرافقة القوافل وحماية الشخصيات الهامة وأستنطاق الأسرى.
وبعد مرور العديد من السنوات تبين ان الشركات العسكرية الخاصة تجاوزت هذه المهمات وانها تشارك بالوقت الراهن بالعمليات القتالية بشكل مباشر وغير مباشر، كما في قتال مجموعة فاغنر الروسية اليوم في اوكرانيا وتحديدا في باخموت والتي تخوض معارك شديدة ضد القوات الاوكرانية وبالنيابة عن القوات الروسية .
لقد تزايد دور الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة في ظل النظام الدولي الجديد وتمكنت من تحقيق أرباحاً خيالية من خلال توقيع عقود مع حكومات دول عدة، مقابل القيام بأعمال أمنية وعسكرية خاصة . ومن ابرز الشركات الخاصة المنتشرة في بقاع العالم ، شركة بلاك ووتر الامريكية وشركة فاغنر الروسية وشركة جي فور أس البريطانية.
تبقى الخدمات التي تقدمها تلك الشركات وموظفيها جذابة الى حد كبير ، حيث تستطيع الحكومات ادارة حروباً خارجية بالوكالة عن طريق توظيف هذه الشركات بدلا من تكليف قواتها المسلحة خارج الحدود .
خصخصة الحروب من المصطلحات الحديثة في علم الحرب ، وفي هذه الورقة سوف نسلط الضوء على ماهيتها ووسائلها

خصخصة الحروب

أصبحت خصخصة الحروب وما يطلق عليها (صناعة الأمن)، من الاستراتيجيات الحديثة ومن الصفقات التجارية التعاقدية المربحة بخاصة بعد ان ارتبطت بمبررات الدوائر المخابراتية والشركات الكبرى للسلاح والمرتزقة والمعدات والمعلومات، وباتت تلك الشركات تسيطر وبشكل تام على مجريات ومقدرات صنع السياسة العالمية ومتحكمة بمصير الدول والانظمة والشعوب ومخترقة اياها بما يلغي مفاهيم الوطن والامة والقيم والجيوش المهنية وفق فلسفة خصخصة الحروب والعنف حتى أضحى العالم مضطربا مفتوحاً امام هذه الشركات وتجارتها لغرض ديمومتها تحت مسمى صناعة الامن لمحاربة الارهاب وتظهر استعدادها لتقديم الخدمات الامنية تحت غطاء الشركات العسكرية الخاصة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، وبحسب دراسة للكونغرس الأميركي عام 2009، فإن 65% من القوات التي أرسلتها وزارة الدفاع الأميركية إلى أفغانستان تابعة لشركات أمن خاصة، كما كشفت الدراسة، أن هذه شركات تشكل نسبة 29% من قوة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، وتقتطع ما بين 50 إلى 60% من ميزانيتها. وجاء ضمن الدراسة ذاتها، أن وكالة الأمن القومي توظف نحو 480 شركة أمن خاصة والتي قامت بكل ما في وسعها لأجل ازالة مصطلح (المرتزقة) عنها .

أهمية استراتيجية خصخصة الحروب

تكمن اهمية استراتيجية خصخصة الحرب بالتخفيف عن كاهل الجيوش في الحروب واوقات الطوارئ واناطة المهام الثانوية الى المتعاقدين والشركات الخاصة ، ويحقق هذا الأمر مبدأ الاقتصاد بالقوى العسكرية وتركيز الجهود الرئيسية للجيوش نحو المهام القتالية في مسارح العمليات وكذلك التقليل من الخسائر البشرية بخاصة في حالة مقتل الجنود النظاميين فوق اراضي دول اخرى عند تكليفها بمهام خارجية لاتخص الأمن القومي. وكذلك العمل في ظل استراتيجية الدول الكبرى بتخفيض عديد جيوشها لغرض تقليص النفقات بالاضافة الى نقص في اعداد المجندين بسبب العزوف عن الخدمة العسكرية ومخاطرها.
وعلى صعيد آخر، تجد بعض الدول في الشركات العسكرية الخاصة طريقاً بديلاً مختصراً، لا يضطرها إلى الاستثمار ببنيتها العسكرية أكثر من اللازم، ويساعدها على التوفير في ميزانياتها وتخفيف الأعباء المادية والبشرية عن كواهلها، حيث التكلفة المالية لمثل هذه الشركات الخاصة منخفضة نسبياً مقارنة باستخدام الجيوش.
أن تعميم فلسفة تجزئة الحروب وخصخصة الموارد، تتيح لبعض الدول شرعنة أي تدخل تقوم به في أي وقت تحت شعارات محاربة الارهاب وفض الأزمات من خلال تشكيل أحلاف دولية لديمومة أحلافها تحت شعار محاربة التطرف لتقليل التكاليف المالية الناجمة من الحروب التقليدية والابتعاد عن مستنقع الحروب وتجنب الاصطدام المباشر مع القوى الكبرى الاخرى .

الشركات الأمنية الخاصة

يطلق على الشركات الامنية الخاصة تسميات عدة، منها على سبيل المثال، الشركات العسكرية الخاصة والشركات الأمنية الخاصة وشركات الحماية الخاصة وشركة الخدمات الامنية الخاصة ومقدّمو الخدمات العسكرية، ومتعاقدو الخدمات العسكرية الأمنية الخاصة وأخيراً تسمية جيوش الظل. وعلى الرغم من تعدد التسميات الا انها تشترك بالقيام بمهمات عسكرية خاصة لصالح الجيش واجهزة الامن القومي.
وعرفت منظمة الأمم المتحدة، شركات الخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة بأنّها : شركات ذات كيان قانوني، تقدم لقاء مقابل مادي، خدمات عسكرية أوأمنية بواسطة أشخاص طبيعيين أو كيانات قانونية، بما في ذلك التخطيط الاستراتيجي والاستخبارات والتحقيقات وعمليات الاستطلاع البري أو البحري أو الجوي، وعمليات الطيران أياً كان نوعها، والمراقبة بالأقمار الصناعية.

 

أمّا الخدمات الأمنية، فتتضمن حراسة أو حماية المباني والمنشآت والممتلكات والأشخاص بواسطة حرس مسلحين، وأي نوع من أنواع نقل المعارف بواسطة تطبيقات أمنية أو تطبيقات حفظ النظام، واتخاذ تدابير أمنية لأغراض الرقابة وتنفيذها.
ويشير مفهوم صناعة الشركات العسكرية والأمنية الخاصة، بصورة عامة، إلى شركات تجارية تبرم عقوداً قانونية تهدف بالأساس، تحقيق الربح مقابل ما تقدّمه من خدمات تتعلق بالمجال الأمني.
والشركات الأمنية التي تسمى بجيوش الظل في الوقت الراهن ليست قوى عشوائيةً، بل يجري تنظيمُها وتجنيدُها وتدريبُها من قِبل جهات خاصة تدعى بشركات الخدمات الأمنية ، ويطلق على عناصرها تسمية المُتعاقدين الأمنيّين. وعلى الرغم من أن شركات أمريكية عديدة تحتكر تجارة تجنيد المرتزِقة مثل شركة بلاك ووتر، فإن ولاءَ هذه الشركات ليس لحكومة بعينها، إنما لمن يدفع أكثر فحسب. وتعد الولايات المتحدة وجنوب افريقيا من الدول المتقدمة في هذا المضمار.

وتوظف هذه الشركات اعداد من العسكريين السابقين ممن لديهم خبرة ومعرفة مسبقة باستخدام الأسلحة والمعدات ويطلق عليهم تسمية (المتعاقدين العسكريين)، وهم يقدّمون خدماتهم لجميع الدول والأفراد الذين يستطيعون الدفع من الأموال مقابل هذه الخدمات.
كان لتقليص الولايات المتحدة وروسيا جيوشها بسبب الكلف العالية ونقص أعداد المجندين ، كان أحد الاسباب لخلق فائض من العمالة العسكرية والخبرات التي كان يتمتع بها هؤلاء مما شكل نواة للشركات الامنية الخاصة
وتعد مجموعة فاغنر الروسية وبلاك ووتر الامريكية من ابرز شركات الامن التي لها سوابق في مجال انتهاكات حقوق الانسان ، لاسيما انتهاكات بلاك ووتر سيئة الصيت في العراق في ظل الاحتلال الامريكي.

دوافع توظيف الشركات الامنية

تتعدد دوافع استحدام الشركات الامنية الخاصة والتي سنتطرق لها وعلى النحو الأتي:
– التخفيف عن كاهل الجيوش في زمن الحروب واوقات الطوارئ وتكليف الشركات في تنفيذ مهام قتالية ثانوية ولوجيستية كحماية المنشئات الحيوية وحراسة الارتال وطرق التنقل ومكافحة الارهاب ومعالجة حالات الشغب والاضطرابات.
– القتال في اطار الحروب بالوكالة او الإنابة لصالح الدول الكبرى كما في شركة فاغنر الروسية في اوكرانيا.
– استخدام الشركات كأدوات حماية للقوى والدول الخاضعة تحت سيطرة الاطراف الدولية الكبرى ، حيث توفر الحماية والحراسة للشخصيات والافراد من مسؤولي تلك الدول ما يعتبر اقل تكلفة من القوات المتدخلة.

– خصخصة الحروب هي السياسة الجديدة لأمراء الحرب نظرًا لتحالف تلك الشركات مع مجمعات صناعة الأسلحة والتي تستفيد من نشوء النزاعات المسلحة وتعاظم معدلات العنف.
– تنفيذ عمليات وانشطة خارجة عن القوانين والمواثيق المعهود بها سواء من قبل الدولة الوطنية او المجتمع الدولي ، أي المساهمة بالانقلابات العسكرية لتغيير الحكومات التي ترفض الخضوع ، دون التورط علانية في مثل هذا السلوك غير المشروع.
– القيام بعمليات تحمل صفة الجرائم لصالح دولة معينة تخشى فعلها بالعلن لما فيه مخالفات للقانون الدولي والمعايير الانسانية .

قتال شركة فاغنر الروسية بالوكالة

دخلت الشركات الخاصة منحى جديد وخطير باشتراكها في القتال بالوكالة عن جيوش الدول لاسيما الكبرى ، وهي بذلك تعيد تاريخ قتال المرتزقة من اجل المال ومن نماذج الشركات التي أنخرطت في القتال بالوكالة هي مجموعة فاغنر الروسية حيث تقاتل قوات مجموعة فاغنر بالوقت الراهن في اوكرانيا بالنيابة عن القوات الروسية وتخوض معارك شرسة في شرق البلاد وتحديدا في تخوم مدينة (باخموت) الاوكرانية ويقدر عديد عناصرها العاملين بثلاثين الف مسلح وأستقطبت الشركة اعداد من السجناء الروس المدانين للقتال في صفوفها بالمعارك في اوكرانيا مقابل اطلاق سراحهم بعد خدمة ستة اشهر، وكذلك أصبحت الشركة ملجأ لكبار الضباط الروس المستقيلين او المطرودين للأستفادة من خدماتهم وبسبب شراسة وشدة المعارك تكبدت خسائر كبيرة في معارك باخموت الجارية في اوكرانيا .
ويذكر رئيس المجموعة ان قواته تسيطر على 90% من المدينة وان فاغنر تواجه صعوبات باكمال المهمة بسبب قلة الاسلحة والذخائرووجه اصابع الاتهام الى وزير الدفاع الروسي ورئيس الاركان بالتعمد في تأخيرالامدادات الضرورية للاستمرار بالحرب.
ونشطت المجموعة في ليبيا منذ 2016، وقدمت الدعم للقوات الموالية للقائد العسكري (خليفة حفتر)، ويُعتقد أنّ ما يصل إلى 1000 مقاتل من “فاغنر” شاركوا قوات حفتر في الهجوم الذي شنّته على الحكومة الرسمية في طرابلس عام 2019.
اما في السودان فأن عناصر فاغنر تقاتل اليوم الى جانب قوات التدخل السريع في الصراع الدائر مع الجيش السوداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى