أينما يدور الزمن، فأن وجه العراق، يظهر بهياً ومتألقاً، وقد أعاد مجلس الأعمال العراقي في الأردن، بوصلة السنين، الى عمق التاريخ من خلال إحياء أمسية ثقافية رائعة عن حضارة بلاد وادي الرافدين بالتعاون مع فريق جمعية (انهيدوانا الثقافية البريطانية)، رحلة إلى أبعد من ثلاثة ألاف عام قبل الميلاد، قُدمت لأول مرة ضمن برنامج (إبداع) الذي شرع المجلس بتبنّيه لإظهار الوجه الحضاري للعراق حاضراً وماضياً.
هذه الأمسية، التي شهدتها عمان قبل فترة، في احدى قاعات فندق جراند ميلينْيوم، ورعتها صاحبة السمو الملكي الأميرة عالية بنت الحسين، كانت على مستوى من الرقي العالي في الإعداد، ومستوى الحضور، وقد سعدنا كثيرا بالعروض الفنية التي قدمها فريق (زيبانغ).
حضر الأمسية رئيس وأعضاء الهيئة الإدارية لمجلس الأعمال العراقي وأعضاء الهيئة العامة، ونخبة من الأدباء والفنانين والإعلاميين، بالإضافة الى قنوات التلفزة الفضائية. وكانت الأمسية باللغتين العربية الإنجليزية. وحضرت أيضا أنامل الفنان العراقي حامد رويّد، من خلال أعمال ضمت نُسخاً عن عدد من الأعمال الفنية التي تروي حكايا حضارة بلاد وادي الرافدين، الذي قدم كذلك نبذة وما تضمنته من رموز ودلالات تاريخية للنقش اليدوي لرموز وادي الرافدين، نقشت بدقة ومهارة عالية، حيث وظف النقش لخدمة النحت والعكس، لذلك نال فنه أعجاب وتقدير من العراقيين ومن كبار الشخصيات العربية.
أمسية الأساطير السومرية، طارت من لندن لتحط في عمان، حاملة أساطير وادي الرافدين ضمن رحلة جميلة مليئة بالحقائق التي مزجت ببعض الخيالات والخفايا في أدب وادي الرافدين والحضارات التي نشأت فيه كالسومرية والآشورية والأكدية.
ما هي أسطورة (أدبا)؟
تحدث في هذه الأمسية الحكواتية الرائعة بديعة عبيد، وهي من مجموعة زيبانك لأدب وادي الرافدين (باللغة العربية والإنكليزية) عن أسطورة أدبا، من الأساطير التي عُثر عليها في مكتبة ملك الملوك، الملك أشور بأنيبال …!
أحداث الأسطورة كانت في مدينة أريدو التي عشقت نهر الفرات وجلست نحو ضفافه وقد ذُكر في الأسطورة بأن أدبا،الإنسان الذي خلقه الإله (أيا) ليحكم جنس البشر كان ملكاً على مدينة أريدو وفي إحدى الأيام تسببت الريح بوقوع أدبا، من قاربه إلى أعماق البحر، الأمر الذي جعله يلعن الريح التي أوقعته مما تسبب بتوقف هبوبها مما أثار فيما بعد غضب الإله (آنو( وجعله يقرر قتل أدبا، ولكن أدبا، وبمساعدة من أيا، استطاع أن يدخل إلى حرم الإله آنو، الأمر الذي حال دون قتل آنو، لأدبا، ونتيجة لنصيحة كان قد قدمها له الإله أيا، رفض أدبا، تناول الطعام الذي قدمه له إياه الإله آنو، ظنا منه بأن هذا الطعام هو طعام الموت ومفوتا بذلك على نفسه فرصة الخلود إذ أن الطعام المقدم كان طعام الحياة الأبدية.
وتحدثت في الأمسية أيضًا الحكواتية جون بيترز، وهي من مجموعة زيبانك لأدب وادي الرافدين وباللغة الإنكليزية فقط حكاية (سيدوري) لذلك أخذت الكلام من مصدر عربي للكاتب شاكر النوري 2013، فما هي حكاية سيدوري؟
ملحمة جلجامش، الفتى السومري، الذي أراد أن ينجز شيئاً بطولياً، يخلد ذكراه، ويجعله مثار إعجاب الأبطال، فقرر أن يفاتح (أنكيدو) صديقه، وندّه في القوة، باعتزامه تنفيذ مثل هذا الفعل الشجاع، الذي تمثل بقراره محاربة الغول (خمبابا) في غابة الأرز. وبعد مغامرة إقناع لأنكيدو، وكذا حكماء المدينة، ومن ثم رحلة سفر خطير، اجتازا، جلجامش وأنكيدو، المخاطر العظيمة.
فأفلحا في قطع رأس الغول في الغابة الغربية، وقدّماه قرباناً إلى الشمس، فتعشقت الآلهة عشتار جلجامش، وأرادت إغراءه. فرفض؛ ذلك لأنه يعتقد أنها خانت معشوقيها السابقين، ورداً على الإهانة، دبرت له عشتار مكيدة، وبعثت (الثور السماوي) ليعيث فساداً في مدينة أوروك، فتصدى له الصديقان: جلجامش وأنكيدو، وقتلاه، ثم قدّما قلب الثور السماوي قرباناً، ولكن الآلهة، غضبت فقررت وجوب موت أحد البطلين؛ لأنهما قتلا ثوراً سماوياً، واختير أنكيدو لذلك، وهكذا كان الموت من نصيبه، بعد تلك المغامرة.
وفي أعقاب ذلك، حزن جلجامش، وبدأ يفكر في الموت وسرّ الحياة، وازداد قلقه لهذه الفكرة، وانطلقت في حياته مرحلة رحلة جديدة، وأخذ يطلب الحياة والشباب، ففكر في الوصول إلى الإله اوتنابشتم ليسأله عن سرّ الخلود، الذي هو فيه. وبدأ السعي الفعلي لهذه الرحلة الخطرة والعجيبة. فتعرّف على ساقية الآلهة (سيدوري) التي تعرف الطريق إلى جزيرة اوتنابشتم.
وهكذا فإنها تخبره بوجود الملاّح الخاص الذي يعرف طريق الجزيرة التي يسكنها أوتنابشتم، مع زوجته، خالدَين. فيأتي جلجامش إلى الملاّح: أورشنابي، مسرعاً. فيتعثر ويدوس على الألواح السحرية التي تحتوي على الطلاسم والكتابات الحامية والحافظة لسلامة المركب بينما يمخر عباب المياه في بحر الموت، وبذا تتكسر الألواح التي فيها الطلاسم الحافظة للمركب من مخاطر الموت في البحر وحين يطلب من الملاح الوصول إلى أوتنابشتم، يجيبه: إن الألواح الحافظة للرحلة تكسّرت ولا يمكن الآن. ولكن الملاّح، تخطر له فكرة: أن يقود جلجامش المركب بطريقة تجعله لا يمس الماء المميت، وهكذا اخترع له أعواداً طويلة وهي: المردي في أهوار العراق الجنوبية ليدفع بها المركب، وهكذا وصل جلجامش إلى (أوتنابشتم) وسأله عن سرّ الخلود، فحدّثه الثاني عن قصة الطوفان. وبعد إلحاح جلجامش في طلب سرّ الخلود، أشفقت زوجة أوتنابشتم، فناشدت زوجها أن يعلمه طريقة معرفة سرّ الخلود، فأطلعه على طريقة أخذ عشبة الخلود من قاع البحر. سارع جلجامش إليها، فوصلها بعد آلام وجروح …!
بعد ذلك، قام الدكتور ماتين ورثنغتن، المحاضر الأول في علم الأشوريات، في كلية سانت جون جامعة كامبريدج، وقدّمَ نبذه عن فلم (رجل فقير من نيبور) وهو فلم فيديو رائع جداً.
لقد بينت لنا الأمسية بوضوح لا لبس فيه إن الحضارة السومرية هي أول من بدأ بالتدوين وحافظ عليه على مدى ألاف السنيين، وهذا ساهم في نشوء الكثير من الديانات والمعتقدات التي لها العديد من الإنجازات وفي مختلف المجالات وتميزت أيضاً في هندسة العمارة ولا سيما القصور والمعابد، وتميزت أيضا بالنحت وفك المعادن والتعدين وكان للسومريين الفضل في ابتكار طريقة نحت الذهب عام2500 قبل الميلاد، العراق منجم من ذهب فعين الله ترعاه.
تعليق واحد