القرار الذي أعلنت عنه الولايات المتحدة في الأمس يعتبر أهم قرار منذ إلغاء العقوبات الامريكية على إيران لغاية اللحظة ، وسوف يسهم في زيادة الضغوطات السياسية ضد إيران ، فعند تم اقتراح إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب تم الإعلان أميركياً عن هذا القرار في العام الماضي إلا انه لم يدخل حيّز التنفيذ إلى أن جاء وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو”.
ما زالت ردود الأفعال تتوالى على ضم أمريكا للحرس الثوري لقائمة الإرهاب التي تعتمدها أمريكا ، حيث تصدرت تصريحات علي خامنئي عناوين الصحف في جمع بعض رجال الحرس الثوري؛ إن هذا الإجراء الأمريكي بمثابة نوع من اللؤم والخبث ، وأكد على أن الحرس الثوري، جهاز بارز وهو يتواجد على الدوام في الخطوط الأمامية لمواجهة الأعداء، وأضاف إن كان العدو يتواجد داخل حدودنا وداخل شوارعنا وأزقتنا، فإن الحرس الثوري، لهم في المرصاد، وإن كان العدو يبعد عن حدودنا آلاف الكيلومترات وحول حرم “السيدة زينب”، فالحرس أمامهم هناك ، وأضاف من أجل هذا تلاحظون إلى أي مدى يحاول الأمريكان مشاغلة الحرس الثوري. وبالطبع لن يفلح الأمريكان على الإطلاق إنهم يكيدون للحرس ويتآمرون عليه، ويتصورون أنهم يخططون ضد الحرس وضد الثورة وضد البلاد، لكن القرآن الكريم يقول بأن كيد الكفار يعود إلى نحورهم، وركز الاعلام الإيراني على هجوم خامنئي على الرئيس الأميركي ترامب ” إنه هو الذي يقع في شر أعماله، إنه يتحرك ،ويعتقد أنه في طريقه إلى القمة، بينما هو في الواقع يسير نحو الحضيض. إنه هو “إمام الكافرين” يعني “ترامب”.
بموازاة ذلك ركزت وسائل الاعلام الإيراني على تصريحات الرئيس الإيراني “حسن روحاني” ، والتي أبدى من خلالها ردة فعل قوية على إدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب التي تعتمدها أمريكا، وقال “روحاني” في سياق تقديره للدور الفعال الذي لعبه الحرس الثوري في العراق وسوريا: إن الحرس الثوري، كان على الدوام يقاتل ضد الإرهاب ، من هم الذين وقفوا إلى جانب الشعب اللبناني والعراقي والسوري ، وألحقوا الهزيمة بداعش وأنهوا سيطرتهم على الأراضي العراقية والسورية. بالطبع العامل الرئيسي كان الشعب العراقي والشعب السوري والشعب اللبناني. ولكن من الذي هرع لمساعدة الشعب العراقي والسوري واللبناني عندما قالوا هل من ناصر ينصرنا؟.
في حين تناولت الصحافة الإيرانية تحذير هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في بيان من أنها ستتعامل مع القوات الأمريكية في المنطقة كعناصر إرهابية وجاء هذا التحذير بعد أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن إدراج قوات الحرس الثوري ضمن قائمة الجماعات الإرهابية حسب التصنيف الأمريكي، واعتبار المجلس الأعلى للأمن الوطني الإيراني أن الجيش الأمريكي كيان إرهابي، واعتبار أمريكا راعية للإرهاب .
لا شك أن ردة فعل إيران كانت متسرعة ، وعكست مواقف مرتبكة خاصة بعد مصادقة مجلس الشورى الإيراني على مشروع قانون فوري، يعتبر القوات الأمريكية في غرب آسيا، عناصر إرهابية؛ لدرجة أن مائتي وخمسة عشر نائبا أكدوا على ضرورة التصدي لأمريكا بتصويبهم لمشروع قرار فوري وثلاثي المراحل. وقد أعد مسودة مشروع القانون، “جناح أميد” وهو جناح إصلاحي ، وضمن تنديده بالقرار الأمريكي، هدد الرئيس روحاني بأن إيران سوف تطور تقنياتها النووية، وإن تماديتم في ظلمكم أكثر وأكثر، فسوف ترون سلسلة IR8 بأم أعينكم، في الوقت الذي رد فيه “برايان هوك” مسؤول الشؤون الإيرانية في وزارة الخارجية الأمريكية على التصريحات الإيرانية بعد أن تم إدراج الحرس الثوري ضمن قائمة الجماعات الإرهابية؛ قائلاً ” إن الحكومة الإيرانية التي تواجه احتجاجات شعبية، مجبورة على أن تمد يد الصلح نحو أمريكا. ومن جهة أخرى رحبت السيدة “مريم رجوي” كونها تتولى زعامة منظمة مجاهدي خلق بالقرار الامريكي، كما رحب الحزب الديموقراطي الكردي بالقرار المذكور ووصف الحرس الثوري بأن يده ملطخة بدماء المناضلين من أجل الحرية. وكان الحرس الثوري منذ اللحظات الأولى لتأسيسه عام 1979 م على يد ” الخميني” المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية حتى الآن، بمثابة الساعد الأيمن للنظام في مواجهته لأعدائه في الداخل والخارج. وهناك البعض من عناصر الحرس الثوري قد تم إعتقالهم في الخارج بتهمة القيام بعمليات إغتيال لعناصر من المعارضة، بينما البعض الآخر ما زال مطلوبا للعدالة. وعلاوة على الأنشطة العسكرية التي يقوم بها الحرس الثوري ومن ضمنها صناعة وتطوير صواريخ بعيدة المدى، أثارت حفيظة وقلق الكثيرين، تقوم بأنشطة إقتصادية داخل البلاد وخارجها. ويعد الحرس الثوري من أهم المقاولين الذين ينجزون المشروعات المختلفة والمتعلقة بالدولة الإيرانية .
من المؤكد أن نعت الحرس الثوري بالإرهاب؛ مع أنه من أهم الكيانات العسكرية والإقتصادية في إيران ، له ما بعده. وجاء هذا النعت في الوقت الذي تقترب فيه إيران من يوم الحرس الثوري. وهذا الأمر لا يرفع مستوى التوتر بين إيران وأمريكا فحسب، بل سوف يؤثر على الاقتصاد الإيراني الذي ترتبط مؤسساته ارتباطا وثيقا بالحرس الثوري. ترتب على إدراج الحرس الثوري ضمن القائمة الإرهابية الأمريكية ردود فعل عالمية، ففي ردة فعل منه توجه رئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” بالشكر للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لما قام به من إدراج الحرس الثوري الإيراني ضمن القائمة الإرهابية. فرئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو”، حيث وجه رسالة عبر صفحته على التويتر للرئيس الأمريكي وقال: لقد حافظت مرة اخرى على العالم من خطر الإرهاب الإيراني. في غضون ذلك رحبت كل من المملكة العربية السعودية ووزارة الخارجية البحرينية بالإجراء الامريكي هذا الذي اقدم عليه الرئيس الامريكي “دونالد ترامب”، اما وزير الخارجية العراقية فقد قال ان بلاده ستدرس قرار الرئيس الأمريكي هذا، كما انها ستصدر عنها ردة فعل مناسبة. اما وزارة الخارجية الفرنسية فقد أكدت على التزامها بالاتفاق النووي، إلا أنها طالبت كل من أمريكا وإيران تجنب التوتر والعمل على عدم استقرار المنطقة. أما على الصعيد الداخلي الأمريكي فقد أعربت بعض الشخصيات مثل الجنرال “دانفورد”، رئيس هيئة اركان الجيش الامريكي فقد أعرب عن بالغ قلقه لقرار الرئيس الامريكي هذا ، وقال إن هذا القرار سيكون سببا في إثارة العنف ضد القوات المسلحة الامريكية العاملة في المنطقة .
الملفت أنه وبالرغم من الخلافات بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني إلأ أنّ الرئيس الإيراني “حسن روحاني”، كان مكرها على ان يدافع عن الحرس الثوري لما لهذا الحرس من نفوذ واسع النطاق في هيكلية النظام الإيراني، فإن ما يترتب على هذا الدعم من قبل الرئيس الإيراني للحرس الثوري إرتفاع مستوى الموازنة التي تقدمها الحكومة للحرس الثوري بشكل غير معلن ليتسنى للحرس الثوري مواجهة أمريكا، وتنفيذ المشاريع التخريبية في المنطقة .
فالجميع في طهران بات يجمع على أن حكومة الرئيس الامريكي “ترامب”، تسعى للإطاحة بالنظام الإيراني، وهذا في الواقع ما بات يتحدث به الإيرانيين، إنما حديث جرى على لسان الكثير من المسؤولين البارزين في المؤسسات الإيرانية ، فالمؤسسات الداخلية في إيران تقول أنه بات من الواضح أن الرئيس الأمريكي “ترامب”، قد اقدم على مشروع يحتاج لعدة مراحل لإنهاءه، فالمرحلة الأولى تمثلت في الإنسحاب من الإتفاق النووي، كما أعلن عن إيجاد تحالف في مؤتمر “وارسو”، بين الدول المختلفة، وها هو اليوم يفرض عقوبات على مؤسسة عسكرية ، وقد ادرج إسم الحرس الثوري الإيراني ضمن القائمة الإرهابية الأمريكية ، حيث يمكنه وابتداءا من اصدار هذا القرار إعتقال احد قادة الحرس الثوري لكونه على علاقة بعمليات إرهابية ، فالمسألة في الواقع مسألة خطيرة للغاية، لهذا فإن الفهم الصحيح الذي بات يتبلور في إيران ، وهو الاجماع أن هذه المسألة قد بدأت تتجه بإتجاه الحرب ، وهذا ما توصلت إليه التحليلات الصحفية في إيران، وأنه في الحقيقة ينبغي علينا أن ندرك أن هذه الخطة قد بدأت منذ مؤتمر “وارسو”،وقد تجلت إحدى نتائجه بما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد قيامها بإدراج اسم الحرس الثوري الإيراني على القائمة الإرهابية ، وستتواصل هذه الخطة ، وينتج عنها نتائج أخرى أكثر تأثيراً على إيران ؛ فهناك مشروع أمريكي متعدد المراحل وقد بدأت الآن مرحلة من مراحلها وستستمر هذه المراحل إلا إذا تداركت طهران الموقف ، وجلست مع الولايات المتحدة الأمريكية وخاضت مرحلة محادثات مصالحة مباشرة معها
لكن ماذا يمكن أن يكون تأثير ادراج الحرس الثوري على لائحة الارهاب على أوروبا؟لقد سعى الاتحاد الأوروبي ومنذ سنوات أي منذ أن استطاع إقناع إيران بالتوقيع على الاتفاق النووي وسعى إلى إرضاء إيران للمحافظة على الاتفاق النووي وأجرى معها مناقشات حول القضايا الإقليمية بأنه قد أحرز تقدما في هذا المجال. إن وضع الحرس الثوري الإسلامي في قائمة الجماعات الإرهابية، على سبيل المثال، سوف يصعّب من عمل الدول الأوروبية مع إيران خاصة من الناحية الاقتصادية، لأن الشركات والدول الأوروبية لا يمكن أن تكون نشطة اقتصاديًا بشكل مباشر مع إيران بعد وضع الحرس الثوري على قائمة الارهاب، نظرًا لأن هذه المؤسسة لها حضورها الواضح من الناحية الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية في ايران وخارجها ، وهذا في الواقع سوف يُعقد من عمل الشركات الأوروبية والحكومات الأوروبية ويجعلها أكثر صعوبة. من ناحية أخرى، هناك حديث عن احتمالية حدوث المزيد من التوترات في المنطقة بعد هذا القرار ، وسيكون قلق الدول الأوروبية في حصول مواجهة بين القوات الإيرانية والأمريكية أو القوى التي تدعمها إيران مع القوات الأمريكية في بلدان مثل العراق أو لبنان أو سوريا، هذه هي القضية التي كانت محور حديث “إيمانويل ماكرون” مع “حسن روحاني” ، حيث حث الرئيس الفرنسي الرئيس الإيراني على تجنب التصعيد وافتعال حالة من عدم الاستقرار في المنطقة ، فعواقب إعلان الحرس الثوري من قبل حكومة الولايات المتحدة على قائمة الارهاب، سواء على مستوى المنطقة وعلى الصعيد العالمي هي بمثابة إعلان حرب غير رسمية ، وغير مباشرة على إيران ؛ لأن الحرس الثوري جزء من الحكومة والبرلمان ومؤسسات الدولة الإيرانية ، ومنذ اليوم الذي ارتدى فيه أعضاء البرلمان والوزراء ملابس الحرس الثوري كرد على قرار واشنطن ، بات بمثابة اعلان حرب رسمية مع واشنطن ؛ و “خامنئي” يعتقد أن هذه ليست حربًا مع حكومة إيران ، ولكنها حرب مع الإسلام، لذلك يمكنه الاستفادة من منظمات مقربة منه مثل الحشد الشعبي في العراق أو المليشيات لها المماثلة في اليمن وسوريا ولبنان لمواجهة واشنطن ، وعلى أي حال، الكل في إيران يعلم أنه لا توجد حرب مباشرة مع الولايات المتحدة، وبالتالي سيتم نقل سياق الحرب المحتملة إلى بلدان أخرى ، ومحاولة ابعادها عن إيران ،و إذا كان من المحتمل أن تكون هناك مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة، فهل من المحتمل أن تحدث هذه الحرب في الدول التي تمتلك فيها الولايات المتحدة قواعد عسكرية؟ وهل يمكن لإيران أن يكون لها حلفاء في هذه الحرب؟ نحن نعلم أن أمريكا لها قواعد في عشر دول، في تركيا والعراق والكويت والبحرين وسلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة وباكستان وأفغانستان وتركمانستان، وهي قواعد عسكرية مباشرة موجودة في المنطقة من هنا فإن الولايات المتحدة تحاصر إيران بأكملها، وليس فقط الحرس الثوري ، وبالمحصلة لن تستطيع أي دولة تقديم المساعدة لإيران حتى لو كانت من أقرب حلفائها.