إعادة إنتاج الطالبانية في المنطقة

:اولاً

النشأة والنمو

الطالبانية Talibanism مصطلح دخل الادب السياسي وادب الحركات الجهادية في تسعينات القرن الماضي حينما تظافرت عدة عوامل على البروز والانتصار السريعين لحركة طالبان سواء في باكستان او في افغانستان اولا ،او في دول المنطقة تالياً. فبعد اكثر من عقدين من الحروب المتواصلة منذ نهاية سبعينات القرن الماضي ،والفوضى المستمرة والحرب الاهلية المتواصلة ،والتي ادت الى مقتل اكثر من مليون افغاني وتدمير الدولة واقتصادها ،برز من حضن معسكرات اللجوء الافغاني في باكستان ،ومن عمق الفقر والمعاناة والتخلف هناك جيل جديد من الاسلاميين الجهاديين قلب المعادلة الافغانية رأساً على عقب وساهم في اندلاع حروب لم تنتهِ للان في الشرق الاوسط. ففي عام 1994 تأسست حركة طالبان في معسكرات اللاجئين الافغان في باكستان على يد جماعة علماء افغانستان JUI التي باتت الاب الروحي والفقهي لطالبان. هذه الجماعة أخذت ببث افكارها الدينية بين اللاجئين الافغان الذين هربوا من افغانستان بسبب الحروب المستمرة في حلقات وعظية ضمت كثير من الشباب الافغاني غير المتعلم والذين بات يطلق عليهم (طالبان) اي طلاب الفقه والدين.
على الرغم من ان الجسم الاساس لطالبان تشكل من المقاتلين الافغان البشتون الذي حاربوا الاتحاد السوفيتي ودحروه بمعاونة ودعم امريكي ، الا ان ذلك لم يمنع من انضمام الاف المقاتلين من الطاجيك والاوزبك والباكستانيين والعرب الذين قاتلوا ليس في افغانستان حسب ،بل في قره غستان و داغستان واوزبكستان! وقد قدرت مصادر الاستخبارات عدد المقاتلين الاسلاميين الذين انضموا لطالبان من مختلف دول المنطقة وقومياتها باكثر من ثلاثين الفا. لقد ادت عوامل النشأة الجهادية ،مقرونةً بالغضب الذي أحس به هؤلاء المقاتلون وهم يرون ويستشعرون الفوضى العارمة الناجمة عن الحرب الاهلية العرقية في افغانستان بعد الفراغ السياسي والامني الذي تركه الانسحاب السوفيتي العسكري من جهة ، والانسحاب السياسي واللوجستي الامريكي من جهة اخرى الى ايمان راسخ (مثلما هو الحال بين كثير من العراقيين الان) ،بأنه لا يمكن اعادة الامن والقضاء على الفوضى الا من خلال نظام قوي لا يؤمن سوى بفرض السلطة والنظام بغض النظر عن كيفية تحقيق ذلك. فالاتحاد السوفيتي (كالاميركان الان) ايقن انه لا يمكنه الفوز في افغانستان ،اما الاميركان فقد تركز اهتمامهم بعد اندحار السوفيت علو الهوس بابن لادن ،وشعروا انهم لم يعودوا بحاجة الى الاستمرار بانموذجهم الاسلامي الجهادي. نشأ عن ذلك الفراغ ،ما يُتوقع ان ينشأ الان ، من فوضى ادت الى قتال عرقي غذته مصالح الدول المجاورة حيث دعمت السعودية والباكستان (المجاهدين) من الاكثرية البشتونية ، في حين دعمت الخمس جمهوريات السوفيتية السابقة والمجاورة لافغانستان فضلا عن ايران والصين الفصائل المقاتلة من الهازارا والطاجيك والاوزبك والتركمان. لقد اقنع هذا السيرك العرقي العنيف ،مقاتلي طالبان ومن ورائهم الاستخبارات الباكستانية من جهة وجماعة علماء افغاستان والباكستان من جهة اخرى ان العنف والسلاح هما السبيل الوحيد لانهاء القتال واستتباب الامن في افغنستان ، لذلك تم تبني مفهوم (الجهاد) الاسلامي. الا ان المشكلة الفقهية التي واجهت جماعة علماء افغانستان(المفتي الشرعي لطالبان) هي ان الفقه الديوباندي الماتريدي الحنفي الذي تتبناه جماعة العلماء هذه اسوة بجماعة العلماء الهندية (الجماعة الام) ،والذي روجت له كثير من مواقع الاسلام السياسي خلال الايام الماضية ، لايسمح بمقاتلة المسلمين من المذاهب الاخرى.لذا تم تكييف وتطوير هذا الفقه ليسمح بذلك. فمثلاً وجهت حركة طالبان خطابا مفتوحاً لبعثة الامم المتحدة لتقديم المساعدة في افغانستان ردا على اتهامها بقتل المدنيين قائلةً: “بالنسبة لنا فان… افراد الشرطة ،والعاملين في القوافل اللوجستية ،والموظفين الرسميين الذين يدعمون الغزو ،والأرباكيين-أي الميليشيات- ليسوا مدنيين” وبالتالي يجوز قتلهم. هنا يمكن ملاحظة التشابه في فقه الجهاد بين القاعدة و طالبان! في الحلقة القادمة اشرح كيف تحول الفكر الحنفي المتسامح الذي اعتنقته وبشرت به جماعة علماء افغانستان الى فكر جهادي متطرف.

ان جميع المقالات المنشورة على موقع العراق العربي هي تعبير عن وجهة نظر كتابها ولاتعبر بالضرورة عن اي من توجهات او سياسة الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى