فجرت التسريبات الروسية الإسرائيلية عقب قمة بوتين نتنياهو الداعية إلى انسحاب مختلف المليشيات الأجنبية غضب الإيرانيين الذين أصدروا بيانًا شديد اللهجة عنوانه: “إيران لا تطلب الأذن من أحد لتنفيذ سياستها الخارجية، رافضة وضع جدول زمني محدد لخروجها من سوريا، مؤكدة على بقائها في سوريا، حيث صرحت وسائل إعلامية إيرانية متحدية: بأنه لا يمكن لأي دولة في العالم الوقوف في وجه نفوذها هناك”.
الإيرانيون يستغربون من تصاعد الدعوات الروسية لانسحاب القوات الأجنبية من سوريا، واعتبارها قضية خطيرة، فموسكو بدت تظهر حساسة جدًا لوجود القوات الإيرانية في سوريا، ولكن ما هو منشأ هذه الحساسية؟ ولماذا تصاعدت وتيرتها في هذا التوقيت بالذات؟ تقول إيران: إن نتنياهو قد اتفق مع السيد بوتين على مغادرة القوات الأجنبية من سوريا، لكن يبدو أن روسيا لا تعتبر قواتها أجنبية، ولا يشملها الاتفاق مع اسرائيل، تضيف طهران أن وجود القوات الإيرانية من عدمه لا يرتبط بروسيا فقط، بل هذا البلد “سوريا”، وبشار الأسد يحكم في هذا البلد وقرار بشار الأسد بمغادرة هذه القوات هو عامل مهم؛ لم نر أي مؤشرات على أن الحكومة السورية طالبت إيران أو الميليشيات غير السورية القريبة من إيران بالخروج من سوريا.
أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني جدد مرة أخرى قوله، إلى أن إيران ستبقى تقدم “الدعم والاستشارات العسكرية” لدمشق حتى “إبادة كافة المجموعات الإرهابية”، بحسب توصيفه.
ولن تلتفت إيران- بحسب تصريحات شمخاني- إلى الدعوات الإسرائيلية، ولا إلى مواقف الدول الأخرى بهذا الشأن، فالمحدد الوحيد لتحركات إيران هو مقتضيات الأمن القومي الإيراني، ومصالحها فضلا عن حفظ أمن المنطقة واستقرارها، هذا إلى جانب إلى أن إيران هي من أولى الدول المعنية بإعادة اعمار سوريا، محذرة بوتين من أية مغامرة غير محسوبة العواقب مع إيران.
ولكن ما هي السيناريوهات التي تراهن عليها موسكو لإخراج طهران ومليشياتها من سوريا؟
أولى هذه السيناريوهات: هي ممارسة الضغوط الدبلوماسية التي تعد إحدى الأدوات التي تمتلكها موسكو لإجبار إيران على الانسحاب من سوريا، وخاصة أن طهران بحاجة إلى روسيا للتخفيف من الضغوط التي تمارس عليها بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، وضيق الخيارات أمام طهران لموازنة الضغوط الغربية عليها.
السيناريو الثاني: هو مواصلة الضغط الروسي على إيران والذي قد يصل إلى مرحلة التلويح بفرض العقوبات على طهران وتقويض تحركاتها، وهو أشد ما تخشاه طهران، هذا في حال مضي إيران في ممارسة سياسة التحدي، وعدم الرضوخ للمطالب الروسية.
السيناريو الثالث: وقد يكون من السيناريوهات التي تمت فعليًا وهو التوافق بين موسكو وتل أبيب، وهو التساوق مع الخطة العسكرية الإسرائيلية لدفع إيران على الانسحاب من سوريا، من خلال منح إسرائيل المزيد من الحركة لتصعد معركتها ضد القوات المتحالفة مع إيران في سوريا، من أهمها تصعيد الضربات الجوية للأهداف الإيرانية في العمق السوري نفسه، دون التحرك الروسي، علاوة على تقديم الروس لمعلومات استخباري للجانب الإسرائيلي والتي من شأنها الإسهام في توجيه ضربات نوعية قاصمة قد تدفع إيران وميلشياتها إلى الانسحاب.
من المؤكد بأن التوتر بات سيد الموقف بين إيران وروسيا، التي بدأت تفكر برؤية جديدة هدفها الانتقال إلى مرحلة الحل السياسي، الأمر الذي قد يسهم في إعادة الاعمار في سوريا، ولكن هذا لن يتأتى في ظل ميل طهران إلى بناء مشروعها ومجالها الحيوي في سوريا، والذي بات يهدد المصالح الروسية.