الأزمة الأخلاقية والأزمة السياسية في العراق اليوم الى أين ؟

1• الأخلاق اليوم في العراق لم تعد مهمة في حياة الكثير مع الأسف الشديد ولاتحتل حيزاً في سلوك الكثيرين كما كانت أيام زمان أيام كنا نقبل أيادي أمهاتنا عندما نخرج من البيت ونقبل جباه أبائنا عندما نعود .
2• اليوم تعج وسائل الإعلام العراقية سواءا ً منها المرئية والسمعية ومعها بحر متلاطم من وسائل التواصل الأجتماعي التي تنشر بلا ضوابط في كل لحظة نشاطاً إعلامياً يفتقر الى الموضوعية ويعاني من عوز أخلاقي كبير يضاف الى ما يحدث في العراق والمنطقة عموماً من صراعات ونكبات مجتمعية وانتكاسات هائلة في السياسة والأقتصاد والأمن والأمان ألا أن قصة الأخلاق في مجتمعنا العراقي قصة تدمي القلوب فقد تراجعت الكوابح الأخلاقية تراجعاً خطيراً وتدنى مستوى الالتزام والقيم والأعراف الإيجابية الى مستويات مقلقة وتهشمت علاقات وعادات مجتمعية حميدة كنا نحسب أنها ستبقى صامدة أبد الدهر حيث نكتشف أن هذا التراجع المخيف لم يكن ضمن القواميس الطبيعية أو نتيجة لدورة الحياة وتطوراتها بل بات في حكم المؤكد أن عملاً كبيراً جرى تنفيذه بدقة ومهارة فائقتين خاصةً بعد الاحتلال الأمريكي المشؤوم البغيض للعراق ومخرجاته لتصل الأمور الى هذا الحال المحزن والمؤلم وعليه هذا العمل كان ممنهجاً عملت عليه جهات خارجية وداخلية ومن بينها جهات تدعي الوطنية كان يفترض أنها هي الحارس الأمين على قيمنا وثوابتنا ولكن انانيتها ومصالحها الضيقة قد أغمض عيونها وحجر قلوبها وأغلق عقولها .
3• لقد تحطم كابح الأبوة العنيد ونقصد الأبوة بمستوياتها جميعاً حيث إن مصاديق الأبوة لا تقتصر على الأسرة الصغيرة بل تتعداها الى العشيرة والمؤسسة الدينية والدائرة الحكومية والتنظيم النقابي والحزب السياسي والوحدة العسكرية وجهاز الشرطة وغيرها من البناءات والفعاليات المجتمعية ذات الطابع الأبوي طابع المسؤولية.
4• لقد كان الأمس في جانب الأخلاق أفضل من اليوم بكثير وكانت الأبوة عنوان مجتمعنا وضابطته الصارمة القوية لكن حيثما تحطمت هذه الضابطة بفعل المفاعيل التي أشرنا اليها تحطمت معها قيم المجتمع وثوابته وتحولنا الى دهماء تتحرك بلا هدى إلا هدى مصالحنا الضيقة التي باتت هي غايتنا والغاية تبرر الوسيلة (نظرية ميكافيلي).
5• أن الأخلاق شكل متقدم من أشكال الوعي الإنساني وهي السجايا والطباع والأحوال الباطنية التي تدرك بالبصيرة والغريزة وتنتج منظومة القيم والمباديء التي تحرك الأشخاص والشعوب كالعدل والحرية والمساواة لكي تتكامل فيما بينها وترتقي إلى درجة أن تصبح مرجعية ثقافية للأمة لتكون سندا قانونيا تستقي منه الدول الدستور والأنظمة والقوانين.
6• لقد تدنى وعينا ووصلنا الى الحال الذي وصلناه اليوم وأخطر مجال شهد نكوصاً خطيرا في وعينا هو المجال السياسي حيث معظم المنخرطين بالحقل السياسي اليوم حولوا السياسة من التنافس السياسي الشريف المنتج الى الخصومة السياسة وتسقيط الاخر والتي ما لبثت أن تحولت الى نزاعات ثم الى صراعات وتصفيات تستخدم فيها كل الأدوات المتاحة بصرف النظر عن مشروعيتها وعن الأظرار الناتجة عن ذلك الصراع وعمن تصيب وعما تسبب به من تعميق الاختلافات بين فئات المجتمع .وتحويلها الى خلافات ما تلبث أن تتطور الى صدامات تفتقر الى قواعد اشتباك متفق عليها ولو ضمنياً على قاعدة هذا حدي وهذا حدك .
7• أن أفدح خسارة يخسرها المجتمع هي تلك التي تحدث جراء اعتناق ((مفهوم الغاية تبرر الوسيلة )) وهو مفهوم لا أخلاقي بالمطلق فضلاً عن كونه مفهوم لا يراعي الثوابت المجتمعية ويخالف الإيمانات الدينية التي ترى أن أحد الأهداف النهائية للسياسة هو نشر الأخلاق حيث التدين لا يرى ممارسة السياسة بمعزل عن الأخلاق فغاية السياسة هي تحقيق الصالح العام ويتحقق الصالح الخاص من خلال الصالح العام وليس العكس .
8• وعليه أن السياسة هي فن الأخلاق وهي فن الممكن وهي الفن المنتج وحيث ان الأمم والدول والمجتمعات بأخلاقها أن ذهبت أخلاقهم ذهبوا وحيث الأخلاق تنبت كالنبات اذا سقيت بماء المكرمات .
ويجب ان نقتدي بأخلاق الرسل والأنبياء والأولياء والمجتمعات والشعوب والدول المتقدمة اليوم .
ويجب أن نعلم أن سيدنا ورسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام قد وصفه الله تعالى في القرآن الحكيم بأعظم وصف (وأنك لعلى خلق عظيم ).وبذلك فليتنافس المتنافسون وليعمل العاملون .
وإلى الله ترجع الأمور .

اللواء الركن فيصل الدليمي

رئيس منظمة عين للتوثيق والعدالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى