إحدى الانتكاسات الكبيرة التي وقع بها الشيعة في دورة ٢٠١٨، أن بعض قياداتهم السياسية دعمت تولي محمد الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان، وتحالف بعضهم الآخر مع خميس الخنجر.
لقد استعانت هذه القيادات باثنين من أسوأ سياسيي السنة، أحدهما عدو أملس بارع في الابتزاز، والثاني عدو خشن مجاهر بالقتل والإرهاب.
لم يجد قادة الكتل الشيعية حرجاً من هذه التحالفات، لكنهم وجدوا أن من المستحيل تحالف بعضهم مع البعض.
إن من حق الشيعي أن يشتعل غضباً عندما يرى المتحكمين بمصيره يستعينون على بعضهم البعض باللجوء الى خصومهم، في عملية سياسية قائمة على الطائفية الى أعمق الأبعاد. من حق الشيعي أن يثور فيه الغضب ليس على ما يراه فحسب، بل لأنه سمع وقرأ الكثير من تجارب التاريخ حين أضاع الأقوياء قوتهم باللجوء الى أعدائهم يستعينون بهم على اخوانهم.
خاض الشيعة عبر سنوات عديدة، تجربة مكشوفة مع خميس الخنجر، رآها الأعمى في الإرهاب الذي مولّه، وسمعها الأصم بالتفجيرات التي مزّقت أجساد الشيعة. ومع ذلك تحالف بعض قادتهم معه.
أما محمد الحلبوسي فهو العدو الناعم، قصدته بعض القيادات الشيعية تتحالف معه، فرحب ضاحكاً في أعماقه على بساطة هؤلاء، وأغراهم ببعض المواقف في البرلمان حين مررّ التصويت على حكومة عادل عبد المهدي المزوّرة، فوثقوا به وسلموه ظهورهم.
توغل الحلبوسي في المفاصل الحساسة من الدولة، مستغلاً طيش القيادات الشيعية وغفلتها واستغراقها في خصوماتها الداخلية، فأقام شبكة واسعة من العلاقات الخارجية مع أكثر الحكومات والجهات نقمة على الشيعة. واستغل غياب رئيس الوزراء عن شؤون الحكم والسياسة والإدارة، فمدّ أذرعه في مؤسسات مهمة في الدولة عبر تعيين المئات من أتباعه في مواقعها المؤثرة.
وكانت خطوة الحلبوسي الذكية عندما أشرك رئيس السلطة القضائية معه في صفقاته ورحلاته وجولاته الخاصة. وتمكن بعقلية الخبير بأجواء الليل وأضوائه الخافتة، والمتمرس بصفقات الغرف السرية، أن يجعل فائق زيدان خاتماً باصبعه. فصار الحلبوسي المطّلع على أسرار زيدان، يختزنها عند الحاجة، وحاجاته كثيرة، وكلها مقضية عند رئيس القضاء الذي لم يضع في حسابه أن هذا الشاب الذي يعاقر الخمرة بافراط، ويقضي الليل مع الكأس والنعومة حتى في سفراته الرسمية، قد تفلت منه الكلمات السرية في ليلة غاب فيها الشعور.
سيطرة محمد الحلبوسي على القضاء العراقي، مسألة خطيرة للغاية، حيث ستتحول هذه السلطة الى عامل قوة بيد الشخصيات الطائفية من السنة. وهذا ما يجري العمل عليه، أي تحويل المواقع المهمة التي يشغلها الشيعة، لتكون في حقيقتها ضد الشيعة.
يتبع، فالحديث مستمر
تعليق واحد