الاتجاهات والمسارات المستقبلية للتحولات السياسية في الشرق الأوسط

اللواء الركن فيصل الدليمي

  1. سعيا”نحو تحليل الاتجاهات والمسارات المستقبلية للتحولات التي يمكن أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة يمكن رصد عدد من المسارات والسيناريوهات الأساسية خلال السنوات العشر القادمة في محاولة استقرائية لأهم ما انتهت إلية أطروحات عدد من الباحثين والمؤسسات البحثية خلال السنوات الماضيه ونستعرض في هذه الورقة أهم هذه المسارات التي تقع بين قوسين كبيرين : الأمل والإحباط وإن كان التحليل الموضوعي لا يعترف بمثل هذه المصطلحات بل فقط بما يحكم التفاعلات الدولية من ضوابط ومصالح وتوجهات واستراتيجيات وقدرات وإرادات حقيقية وليس أوهام وأمنيات عبثيه
  2. يقوم هذا البحث على مستويين أساسيين كتحصيل محتمل لمخرجات السنوات العجاف الماضية في دول أقليم الشرق الأوسط المستوى الأول: عرض أربعة سيناريوهات أساسية محتملة يمكن أن تتحرك فيها دول منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات العشر القادمة (2020-2030) وتتمثل في المستوى الأول السيناريو الأول: الثورات الشعبية (الحراك الشعبي)،السيناريو الثاني : الفوضى والأنهيار ، السيناريو الثالث : التفكيك والتركيب ، السيناريو الرابع: الأخطر من التقسيم أما المستوى الثاني ويتناول عدد من المقترحات التي يمكن من خلالها التعامل مع هذه السيناريوهات ووضع بدائل لإدارة التحديات الراهنة والقادمة .
  3. *المستوى الأول : السيناريو الأول الثورات الشعبيه ( الحراك الشعبي) في دول منطقة الشرق الأوسط ويستند أنصار هذا السيناريو إلى عدد من العوامل الحاكمة لتأثير الثورات ( الحراك الشعبي ) في العلاقات الإقليمية وفي تغيير الأوضاع السياسية والأجتماعية والفكرية والأقتصادية والأمنية في دول أقليم الشرق الأوسط سإتناول هذا السيناريو بالنقاط التالية:-
    أ. ما أكدت علية الثورات اوالحراك الشعبي من أنه لا تعارض بين الحرية والكرامة من جهة والأمن والاستقرار من جهة أخرى فالثورات والحراك الشعبي جلبت الحرية والكرامة بعض الوقت أما الثورات المضادة فقد ضربت دعاة الحرية والكرامة وفشلت في تحقيق الأمن والأستقرار بل وفرطت في الدم والأرض وقسمت المجتمعات وأشعلت الصراعات الصفرية .
    ب. إن الثورات والحراك الشعبي تدفع لها الشعوب دفعا ولا تختارها بعد أن غلقت أمام الشعوب كل طرق التغيير وفشلت أنظمة ما بعد الاستقلال في تحقيق كل الأهداف التي تشدقت بها ولهذا تصبح مسألة خروج الشعوب مرة أخرى للميادين مسألة وقت إذا استمرت هذه الأوضاع الحالية سائدة في أغلب دول الشرق الأوسط فبعد الثورات أصبح الشعب جزءا من المعادلة ولن تنجح الثورات المضادة في إبعاده فالمعتقلات والمنافي بها عشرات الألاف في صفوف الثورة وهناك الملايين الذين يلوذون بالصمت في كل قطاعات الدولة والمجتمع ومن هؤلاء آلاف لديهم القدرة على قيادةأوطانهم فالتغيير تقوم به نسبة من الشعب بشرط تمتلك رؤية للمستقبل وأدوات التغيير بشرط أن تعبر عنها قوة أو قوى منظمة
    ج. الثورة او الحراك الشعبي ليس غاية في حد ذاتها وهي ليست أفضل الطرق لتحقيق التغيير السياسي لكنها تفشل بفشل القوى التي تدافع عنها وبإنقساماتهم وعدم قدرتهم على وضع مشروع متماسك يعبر عن مطالب الجماهير وكما أن الطغيان صناعة تحتاج إلى إرادة وتدبير وتخطيط ورؤى وقوى تتكتل من أجل بنائه والدفاع عنه فإن الحرية والكرامة صناعة أيضا تحتاج إلى إرادة وتدبير وتخطيط ورؤى وقوى تتكتل من أجلها .
    د. أوضحت الثورات الشعبية والحراك الشعبي والثورات المضادة أن المعركة ضد الاستبداد معركة الجميع وأنه لا حرية لفصيل دون الأخر فالثورة الشعبية أثبتت أهمية وإمكانية العمل المشترك لكافة التيارات الإسلامية والليبرالية والاشتراكية بينما أثبتت الثورة المضادة أن الجميع مستهدف وأن الأزدواجية في النظر في القضايا الحقوقية والأنسانية أمر مدمر للجميع كما أثبتت الثورات أن للعنف تداعيات وخيمة فالتغيير بالقوة المسلحة أمر خطير يتطلب توازنا أو تقاربا في القوى المادية بجانب داعمين إقليميين أو دوليين كما أن أستهداف الجماهير بالقتل والاعتقال والنفي والأحكام المسيسة لا يقضي على إرادتهم فالنظم التي تعيش بالعنف لا تتغير إلا به وهو ما يجب الحذر منه والوعي بأخطاره
    ه. إن التغيير طريق طويل ومن غير الممكن إحداث التغيير بلا توفر متطلباتة وشروطة وأهمها ظهور تيار تغيير وطني قوي وامتلاك طليعتة ونخبتة القدرة على وضع الرؤى الجامعة وقيادة الجماهير والتعبير عن آمالها فضلا عن امتلاك القدرة على إقامة التحالفات وتغير موازين القوة وهنا يكون الرهان في نجاح هذا السيناريو على بناء التوافقات الكبرى على موائد حوار ساخنه وشاملة حول المسائل الكبرى التي تهم المواطن وتمكين أوسع من المشاركة وتغيير نمط السلطة وتعزيز حكم القانون ودولة المؤسسات والمواطنة والعدالة الاجتماعية وزرع ثقافة المساءلة والمسؤولية ومواجهة الفساد والأستبداد السائد في أغلب دول أقليم الشرق الأوسط
    *4. السيناريو الثاني : الفوضى والانهيار *
    يثير هذا السيناريو إلى أن البعض من دول الشرق الأوسط ستواجه خلال السنوات القادمة حتى عام 2030 العديد من التحديات فيما يتعلق بالبطالة والمشاركة السياسية فضلا عن تهديد الإرهاب وبرغم محاولات احتواء هذا الخطر الأخير فإن نطاقه سيجعل الإقليم عالقا في صراع ممتد بما يؤجل أي عمليات إصلاح داخلية من منطلق الأسباب الأمنية فالصراع والعنف الممتد في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وايران لن يمنع التكامل الإقليمي فقط بل يعوق أيضا التنمية الأقتصادية على نطاق واسع داخل المنطقة
    ولذا فإن البطالة التي يعاني منها غالبية الشباب والتي كانت محركا أساسيا للثورات للشعبية في دول أقليم الشرق الأوسط سترتفع بشكل أكبر في الأعوام القادمة إذ تقف نسبة البطالة في الوقت الحالي عند 35 0/0 نتيجة عدم قدرة أسواق العمل على أستيعاب العمالة خصوصا الحاصلين على مؤهلات عليا كما أنه رغم بعض الإصلاحات التي قامت بها بعض دول الثورات العربية فإن النتائج ليست مشجعة بشكل كبير
    كما أن تنامي خطر الإرهاب أدى إلى انخفاض معدلات الاستثمار الأجنبي في العديد من البلدان وهو ما ترتب عليه تقليل فرص العمل كما تواجه الدول العربية كذلك تحديات أخرى تهدد استقرار الإقليم لعل أبرزها التوترات الأمنية في سوريا وليبيا واليمن والعراق ولبنان وايران وثم أستمرار إيران في تطوير. برنامجها النووي والحرب الباردة بين السعودية وإيران بأبعادها المصلحية والمذهبية .
    ويفترض هذا السيناريو تراجع بعض دول الأقليم في العديد من الجبهات وفق مايلي :-
    أ. خطر تنظيم داعش الإرهابي ، والذي أدخل الأقليم في اظطراب كبير جعل بعض الدول ترسخ كل إمكانياتها لمحاربته وإهمال تحقيق إصلاحات اقتصادية التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية حيث سيؤدي إهمال أو تأجيل الإصلاح إلى تآكل نمو الاقتصادات لبعض دول المنطقة نتيجة لعدد من العوامل منها عدم الاستقرار وعدم استدامة الدعم وارتفاع أسعار الغذاء وغيرها ومع استمرار هذا الأمر سترتفع البطالة في دول المنطقة بشكل كارثي وبالتالي من المخيف والخطير قد لن يكون أمام هذا الشباب العاطل إلا أن ينضم للتنظيمات الإرهابية الإقليمية أو يشارك في المظاهرات العنيفة الرافضة للحكومات وسياساتها
    ب. الصراع اليبي : ستتحول ليبيا مع استمرار الصراعات داخلها الى منطقة كبيرة غير حكومية حيث ستعمل فيها الشبكات الإجرامية والتنظيمات الإرهابية بحرية تامة مما سيؤثر سلبا على جيرانها كما ستبدأ تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية في إنشاء هياكل للبنية التحتية الخاصة بها فيما ستركز جماعات أخرى على عمليات الخطف ومبيعات الأسلحة
    ج. الصراع السوري : الصراع السوري قد يستمر ولم ينتهي على أساس من الاتفاق المشترك بين الجماعات المسلحة كما يمكن القول إن النظام السوري لن يكون قادر على السيطرة على البلاد بالكامل في ظل استمرار تعاون بعض الجماعات المسلحة داخل سوريا مع تنظيم داعش الأرهابي.
    د . وضع إيران: هناك احتمال أن تمتلك ايران السلاح النووي بعد أن غادرت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كما ستعزز من التوترات الطائفية ليس فقط في اليمن ولبنان والعراق وسوريا ولكن في أماكن أخرى خاصة في دول الخليج العربي وستسعى كل من السعودية ومصر إلى بحث خيارات شراء الأسلحة النووية لأنفسهم أيضا” كما ستمتلك منظمتا حماس وحزب الله حلفاء إيران الصواريخ البالستية مما يهدد الإقليم كافة بالانهيار وليس فقط بالاضطراب
    ه. التوترات الطائفية : تصاعد التوترات الطائفية في المنطقة خاصة في لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا وإيران والتي قد تزيد من فرص قيام الفوضى والانهيار والقتال بين القوى الطائفية والمذهبية وربما تقود الى تقسيم دول الشرق الأوسط الى مجموعات وأقاليم ذات حكم ذاتي على أساس طائفي مع احتمالية استمرار الصراع وسيحقق الأكراد أكبر مكاسب من الصراع الطائفي في المنطقة وفي إطار هذا الاحتمال سيدخل أيضا هدف تقسيم تركيا وايران أو سيكون الهدف التالي تقسيم تركيا وايران على أساس قومي من خلال استخدام الحراك الشعبي والثورات الشعبية والمنظمات الإرهابية إلى جانب بعض التدخلات الصريحة من أدوات النظام العالمي وهذا الاحتمال من شأنه تعميق الفوضى بهذا الحجم في المنطقة وتصفية ما تبقى من الشرق الأوسط.
    وفي توصيف لهذه المرحلة ونطاقها الزمني يقول ( ريتشارد ن هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية سابقا إننا نشهد إليوم نهاية حقبة من تاريخ العالم وبزوغ فجر حقبة أخرى جديدة لقد مر أكثر من ربع قرن من الزمان منذ سقوط سور برلين ونهاية الحرب الباردة والآن تبدأ حقبة جديدة أقل خضوعا للنظام وأقل سلمية يعيش فيها الشرق الأوسط المراحل المبكرة من النسخة المعاصرة من حرب الثلاثين عاما ( 1618- 1648 ) حيث ستعمل الولإات السياسية والدينية على تأجيج صراعات مطولة ووحشية أحيانا داخل وعبر الحدود الوطنية فالشرق الأوسط يعاني في هذه المرحلة من قدر كبير من عدم التسامح ونقص كبير في الوفاق سواء بشأن الحدود بين الحكومات والمجتمع أو الدور الذي يلعبه الدين داخلها ).
    و . أما عن تداعيات هذه المرحلة عالميا وإقليميا يقول ( نورىيل روىيني أستاذ الإقتصاد في كلية شتيرن جامعة نيويورك بين المخاطر الجيوسياسية التي تهدد العالم إليوم عدم الاستقرار الطويل الذي يمتد من المغرب إلى الحدود الأفغانية الباكستانية وبعد تحول الربيع العربي إلى ذكرى بعيدة على نحو متزايد تزداد حالة عدم الاستقرار على طول هذا القوس عمقا فمن بين دول الربيع العربي الثلاث الأولى أصبحت ليبيا دولة فاشلة وعادت مصر إلى الحكم السلطوي وتعمل الهجمات الإرهابية على زعزعة استقرار تونس اقتصاديا وسياسيا وما تشهده سوريا واليمن والعراق ولبنان وإيران من أعمال عنف وأرهاب وحراك شعبي ينتشر العنف وعدم الاستقرار من شمال أفريقيا إلى جنوب الصحراء الكبرى وإذا تجاهل الغرب الشرق الأوسط أو سعى إلى حل مشاكل المنطقة بالاستعانة بالسبل العسكرية فحسب بدلا من الاعتماد على الدبلوماسية والموارد المالية لدعم النمو وخلق فرص العمل فإن حالة عدم الاستقرار في المنطقة لن تزداد إلا سوءا ومن المؤكد أن مثل هذا الاختيار سوف يطارد الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وبالتالي الاقتصاد العالمي لعقود قادمة من الزمن )
    الى هنا انتهينا من قراءة ودراسة وتحليل مسار السيناريو الأول والسيناريو الثاني ويبقى لنا من المستوى الأول السيناريو الثالث التفكيك والتركيب والسيناريو الرابع الأخطر من التقسيم ثم المستوى الثاني من هذه الدراسة المقترحات سيتم نشرها في المباحث القادمة أن شاء الله تحياتي

اللواء الركن فيصل الدليمي

رئيس منظمة عين للتوثيق والعدالة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى