الانسان .. والدخل

ان الدخل يلعب دورا أساسا في حياة الانسان سواء كان الدخل نقديا ام عينيا ، منذ المرحلة المشاعية كان الانسان يعيش في صراع قاس مع الطبيعة من اجل الحصول على مستلزمات الحياة الضرورية آنذاك ، هي المأوى الذي يحتمي به وعائلته والمأكل والمشرب ، كل ذلك يمثل بالنسبة للإنسان الدخل العيني الذي كان يتمتع به لديمومة الحياة.
ونتيجة للتطور التأريخي للمجتمعات ، وصولا الى المرحلة التي نعيشها اليوم من التطور الذي حصل علميا وتقنيا ، أصبح الدخل النقدي هو الأساس الذي يعتمد عليه الانسان في توفير أحتياجاته الضرورية المتنوعة والمتعددة ،دون أن يغفل الدخل العيني.. وأصبح الدخل الفردي يلعب دورا في تحديد أستهلاك الفرد من حيث الكم والنوع ويحدد مستوى الرفاه الذي يتمتع به الفرد كذلك علاقاته الانسانية والاجتماعية وسلوكه العام وحريته في التصرف وعلى جميع المستويات.
ونقصد بالدخل الفردي ، هو ما يحصل الفرد ، من ايراد صافي ، أو الأجر أو الربح ، ومن أي شكل من أشكال الدخل ( كالاستثمارات ، والرواتب ، والمكافآت ، والتعويضات ، والضمان الاجتماعي ، وأرباح الأسهم ، وغيرها. ) لقاء وظيفته أو عمله أو تجارته.
والدخل الفردي يختلف من فرد الى آخر ، وحسب نوع الوظيفة إو العمل الذي يقوم به الفرد ، وحسب تأهيله الشخصي ، كما ان العلاقة بين دخل الفردومستوى دخل الدولة تتناسب طرديا ، فكلما كان دخل الدولة مرتفعا يكون دخل الفرد مرتفعا ايضا ، والعكس صحيح.
ولكل قاعدة شواذ ، فعديد من الدول يكون دخلها عالي لكن الدخل الفردي لمواطنيها متدني ، أو لا يتناسب مع ايرادات الدولة الكبيرة ، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها استنزاف الإيرادات على مشاريع التسليح أو البنى التحتية المكلفة للغاية ، أو وجودالفساد المالي والاداري وما يلحق به من سرقات واختلالات ونهب الثروات، وعلى الجهة المقابلة من الممكن أن يكون الدخل لمواطن ما عال جدا ، في دولة فقيرة بمواردها ، ويرجع ذلك لاعتبارات عدة من أهمها سوء توزيع الدخل ، أو التميز النوعي وتأهيله العلمي المتميز لذلك الفرد ، أو حصوله على الثروة بطرق غير مشروعة.فالدخل الفردي ، هو الذي يعتمد عليه الانسان حتى يستطيع اداء واجباته ومسؤولياته جميعها ، حيث أن كل شيء يحتاج الى النقود حتى يتحصل عليه ، ومن هنا فإن الدخل الفردي ، هو الذي يتيح للناس أن يمتلكوا الأشياء ليستطيعوا العيش.
هنالك علاقة بين نسبة الفقر وهناء العيش مع نسبة الدخل ، فكلما كان دخل الفرد أعلى كلما كان العيش مرفها وهنيئا اكثر ، والعكس صحيح ، كما أن الدخل الفردي يعطي لنا صورة واضحة عن مستوى إمكانات الدولة الاقتصادية. فهنالك علاقة طردية بين الدخل القومي للدولة ، ودخل الفرد ، فكلما زاد دخل الفرد ، زادت القوة الشرائية للأفراد ، وينعكس ذلك على الاستهلاك والإنتاج ..
كما ان مستوى دخول الأفراد يحدد مستوى الفقر في البلد ، فالفقر يعني عدم توافر الموارد اللازمة لوفاء الانسان بإحتياجاته الاساسية ، والحاجات الاساسية هي تلك التي تبقي الانسان على قيد الحياة من أكل وشرب وسكن وكساء ودواء ، فالفقر يكاد يكون مسألة نسبية تتغير بحسب الزمان والمكان. حيث تختلف أسعار السلع والخدمات من بلد الى آخر وتتغير احتياجات الانسان من زمن الى آخر. والكثير يتعرضون للفقر طوال حياتهم ،ومنهم من يتعرض اليه لفترات مؤقتة، نتيجة فقدان العمل أو قلة الدخل أو التعرض الى إصابة أو مرض عارض أو خسارة المدخرات وغيرها من الأسباب التي يزول الفقر بزوالها.
وهناك من يرى ان الفقر مسألة شخصية ، وفشل ذاتي يتسبب فيه ويتحمل عواقبه الشخص نفسه، نتيجة تصرفاته وافعاله التي أوقعته في دائرة الفقر ، وان الانسان قادر على تغيير ظروفه وواقعه ، من خلال تصرفه العقلاني واتخاذ إجراءات وقرارات
سليمة التي تحقق له اكبر منفعة.
فالفقر هو نتيجة التصرف الخاطيء من قبل الفرد نفسه فهذا النوع من الفقراء يتشاركون في عديد من الصفات الشخصية والتي تكرس من فقرهم ،مثل الكسل والاتكال على الغير وفقدان الحافز والدافع للعمل ، فضلا عن نقص المهارات، وعدم القدرة على التعليم ، والفقراء عادة هم الأقل تعليما والأضعف بدنيا وصحيا والأقل تحضرا ، والمعطلين عن العمل هم الأكثر مخالفة للقوانين والأكثر عرضة للمخدرات والإدمان عليها ، وارتكاب الجرائم.
وهنالك فقراء هم ضحية ظروف وقيود مجتمعية وثقافية لا دخل لهم فيها ، ولا قدرة لهم على مقاومتها، كما هو حال فقراء العراق .. فالوضع السياسي والامني والاقتصادي في العراق ومنذ سنة ٢٠٠٣ ، سنة الاحتلال وما قامت به قوات الاحتلال من تدمير شامل للاقتصاد العراقي ، تدمير الصناعة والزراعة وقطاع الخدمات ، فضلا عن ما قامت به حكومات الاحتلال المتعاقبة بتكملة هذا التدمير ، وظهور الفساد المالي والاداري الذي قل نظيره .. كل ذلك ولد عجزا كبيرا جدا في فرص العمل وأصبحت البطالة هي السائدة في المجتمع بحيث يعتبر العراق اليوم في مقدمة الدول في الشرق الأوسط ، بنسبة البطالة من حجم قوة العمل والارقام الآتية توضح ذلك ، فحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي ، إن معدل البطالة عند الشباب بلغ بنحو ٥٠ ‎%‎بالمئة في جميع العراق ، وبعض المحافظات بلغ اكثر من ٦٥ ‎%‎بالمئة … وهنالك بنحو ٥ مليون خريج عاطلين عن العمل ، وإن البطالة المقنعة ارتفعت الى أضعاف ما هو معلن ، وان نسبة النساء العاطلات عن العمل تقدر بأكثر من ٨٠ ‎%‎بالمئة ، وان الإيرادات المتأتية من النفط لا تؤمن اكثر من ‎ 1‎%واحد ‎بالمئة من فرص العمل ، إن هذه النسبة العالية جدا ، تقودنا الى زيادة نسبة الفقر بالعراق ، وان هؤلاء جميعهم هم في سن العمل ويبحثون عن عمل ولديهم رغبة في العمل ولكن لا يجدونه ، ولأسباب خارجة عن ارادتهم ، فالجميع يبحثون عن دخل ، حتى يسدون رمق عيشهم وحتى يستطيعون من تأدية واجباتهم ومسؤولياتهم اتجاه العراق واتجاه عوائلهم والمجتمع .
ليتصور أي منا ، اذا فقد دخله أو لم يحصل عليه أصلا … كيف سيكون حاله وحال عائلته ؟ كيف سيوفرون حاجاتهم الاساسية والضرورية للحياة ، وما تأثير ذلك على الانسان ، من الناحية النفسية والإنسانية والاجتماعية. ؟
بالتأكيد سيكون لها تأثير مؤلم جدا ، على الوضع النفسي وعلى سعادة الأفراد وهناء عيشهم ، وستؤثر على العلاقات الاجتماعية ، وستؤدي الى زيادة الجريمة بكل اشكالها، وستزيد من العقد النفسية وآثار ذلك على المجتمع. فضلا عن الآثار الاقتصادية الضخمة.
ويتضح مما تقدم ، أن فقدان الأفراد الى دخولهم ، أو عدم الحصول عليه أصلا يشكل معاناة ومأساة إنسانية خطيرة جدا ، ولها آثار كبيرة على المجتمع ، وما جائحة كورونا وآثارها على زيادة معدلات البطالة في العالم ، والتي تجاوزت مئات الملايين من الموظفين والعمال ، الذين فقدوا دخولهم ستترك آثارا كبيرة على حياة الأفراد وعوائلهم.
وهنا يأتي دور الدولة وقدراتها الاقتصادية على معالجة مشكلة البطالة وعدم الحصول على الدخول من خلال العمل على تنشيط الاقتصاد الوطني وزيادة الإنفاق الاستثماري من أجل خلق فرص عمل جديدة.
فالدخل هو ضرورة موضوعية ، وحاجة أساس وملحة للأفراد حتى يتمكنوا من العيش برفاه وسعادة وبحرية تامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى