هذا العنوان ليس لكتاب، وإنما لوثيقة بمثابة موسوعة أرخت لمرحلة ولفترة مزدهرة لمدينة بغداد وتاريخها وصروحها العلمية والاجتماعية للمجتمع البغدادي الذي غدا عنوانا للمعرفة والتواصل مع زهو تلك الأيام التي عاشتها بغداد.
وعلى الرغم من صدور هذا الكتاب، الموسوعة ـ إن جاز التعبير ـ كان عام 1958، إلا أن إعادة نشره وتداوله هذه الأيام يعكس أهمية الإضاءة على تاريخ بغداد وأسرارها خلال الحقب الماضية مقارنة بحال بغداد الآن بعد أن كانت حاضرة العلم وبوصلته التنويرية، تحولت إلى مدينة مدعاة للألم والتندر من فرط واقعها المتخلف مقارنة بحالها قبل عدة قرون.
وفي مقدمة كتاب (البغداديون أخبارهم ومجالسهم) لمؤلفه إبراهيم الدروبي يقول: إن منجزه لم يأت بالمعجزات، وإنما أكمل وأضاف في عالم التأليف، وسد نقصا في تسليط الضوء على مرحلة من تاريخ بغداد كان من الضروري اطلاع الأجيال على زهو بغداد وازدهارها ورُقيها في شتى ميادين الحياة.
والكتاب ـ كما يوضح المؤلف في مقدمته ـ يبحث عن مجالس بغداد والأسر البغدادية وعن الخطاطين والمدارس العلمية المنقرضة والحالية ونقابة الأشراف والقضاء والإفتاء والإمامة والخطابة والوعظ والإقراء والمقرئين والكتاتيب والخانات والحمامات، وزيارة سلمان باك وحفلات الختان.
ما تضمنه الكتاب ـ برأي المطلعين على تاريخ بغداد ـ هو بمثابة كنوز علمية أبرزت معالمها، وسلطت الضوء على بيوت بغداد وأنساب سكانها وتراجم رجالها، حيث كان للمدارس العلمية والاجتماعية في تلك الحقب قد زهت بها بغداد بنوابغ خدموا فيها أمتهم ورفعوا مكانتها في مجال المدنية والحضارة.
ويرى المؤلف في منجزه أنه حاول أن يحيط بكل ما احتوى منجزه من محاسن نادرة ومزايا فريدة معتمدا على فصوله من المصادر النادرة، هي بمثابة مخطوطات كانت أسيرة في أجنة في بطون المكتبات، وحان وقت إشهارها.
وتنبع أهمية الكتاب من أنه أرَّخ تاريخ بغداد على مدى عدة قرون، وجال في فضائها، معتمدا على شهادات ومصادر ومخطوطات لخصها بكتاب تحول إلى وثيقة وكنز يحاكي زمنا مزدهرا بإضاءة على مدارس بغداد ورجالاتها وأنسابهم، ودور المجالس البغدادية وأثرها حسب قدمها، وهي مجالس لبيوت مشهودة بأصالتها ودورها الوطني في تاريخ بغداد، لا سيما التكايا والمقاهي والحمامات ومراقد وحلبات المصارعة.
لقد أحسن المؤلف إبراهيم الدروبي في تفاصيل ذكر البيوت التي أسست المجالس وآداب البغداديين وعاداتهم وتقاليدهم بأسلوب وطريقة تدعو للفخر والثناء من فرط التفاصيل التي أجهد وقتا للحصول عليها، وقدمها للرأي العام؛ ليطلعه على مجد وتاريخ بغداد ورجالها ودورها في مجالات العلم والمعرفة والتنوير.
وعندما نتوقف عند تاريخ بغداد وزهوها وازدهارها وتطورها ودورها في عالم المعرفة والتطور نستطيع القول إن بغداد قبل أكثر من ألف عام كانت أجمل وأنظف عاصمة الدنيا، لا يضاهيها في ذلك أحد وما أتحفنا به المؤلف إبراهيم الدروبي من إبراز رقي وعظمة بغداد وزهوها في تلك الحقب يدعونا للحزن والقلق على مدينة كانت حاضرة العلم والمعرفة والازدهار تحولت إلى مدينة يتناحر المتخلفون على بقائها متخلفة، وفي آخر سلم قائمة المدن الخطرة وغير الآمنة.
835