التراكمات الكمية تؤدي الى تغيرات نوعية

أن الحديث عن قانون تحول الكم الى كيف ، هو من أجل ابداء الرأي حول هذا القانون ، والذي يجرنا بالحديث عن جوهر الديالكتيك وقوانينه ..
فالديالكتيك ، يعني الجدل أو الحوار بين طرفين وتبادل الحجج دفاعا عن وجهة نظر معينة ، ويحدث ذلك ضمن ظروف مؤاتية للحوار ، كالإجواء الديمقراطية ، وان يتم ذلك تحت لواء العلم والمنطق.
والمادية الديالكتيكية ، تعني أساسا ، الأسلوب المنطقي والعلمي في دراسة الظواهر الطبيعية وتفسيرها والوقوف على حيثياتها من أجل تفهمها وتحليلها والوصول الى فكرة تلك الظواهر ، وهي بنفس الوقت تعني التعمق في دراسة الحياة الاجتماعية واكتشاف حقيقة المجتمع وتفاعلاته والوقوف على الأسباب والعوامل التي تؤدي الى تغيير المجتمع وفِي المجالات كافة. كل ذلك يساعدنا الحصول على التفسيرات المنطقية لما يحدث داخل المجتمع من صراعات ثانوية وتناحرية مما يسهل علينا من فهم مايجري ومعالجة مايجري والتنبؤ لما سيجري داخل المجتمع. لقد تبنى ماركس والماركسيون من بعده ، فكرة المزاوجة بين المادية الجامدة ، مع الفكر المثالي ، وتم الوصول الى ما يسمى
بالمادية الجدلية ، وهي مادية بحتة ، ولكنها تؤمن بالتطور وفق قوانين الديالكتيك ، فالمادية الجدلية تنفي ان تكون المادة قد خلقت من العدم وتنفي انه يمكن ان يتم نفي المادة مستندين على قانون ( لا فوازيه ) والذي ينص بان المادة لا تخلق من العدم ولاتفنى بل تتحول من شكل الى آخر ، وان المادية الجدلية تعتمد على مفهوم الحركة الدائمة ، وإن كل شيء في الحياة يتحرك ذاتيا دون الحاجة الى محرك خارجي ، وهي بذلك تتعارض مع المادية الكلاسيكية السكونية.
وعلى هذا الأساس فإن المادية الجدلية تعمل وفق ثلاثة قوانين رئيسة هي :

١- وحدة صراع المتناقضات ٢- نفي النفي ٣- تحول الكم الى نوع

مقالات ذات صلة

فإن وحدة صراع المتناقضات تعتبر أحد قوانين المادية الجدلية ، وهي تعني أن الأضداد يجمعها وحدة التناقض ، أي المتناقضات التي تؤثر في بعضها البعض
تكون في دائرة واحدة ، وتكون في وحدة واحدة ، كالتناقضات بين العمال وارباب العمل ، ووحدة التناقض هو مكان العمل
والتناقض بين الفلاحين والإقطاعيين ، ومكان الصراع هو الارض ، وهكذا بقية التناقضات ، وللتناقض أشكال متفاوتة ، منها التناقض الثانوي ، فالتناقضات الثانوية هي أساس التطور ، فهي ضرورية للتطور والتقدم ، وهي تمثل المجال الحيوي الذي من خلاله تحدث عملية التغيرات الكبرى في الحياة ، وهي تناقضات مستمرة وفعالة ومثمرة ، وهي لا تزول بزوال احد طرفي الضد ، كما في إطار التناقضات التناحرية ، فهي تناقضات لاتزول إلا بزوال أحد طرفي التضاد ، كالتناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج ، وبين الطبقات الكادحة والمسحوقة والطبقات الرأسمالية وهكذا
فإن الأضداد في هذه الحالة يسعى كل منهم الى القضاء على الاخر حتى لو كان ذلك بالقوة.
أما بالنسبة لقانون نفي النفي ،فيعتبر هذا القانون من أهم قوانين الديالكتيك ، وهو متداخل مع القانونين الآخرين الديالكتيك ،وهو يعني أن حركة التطور تتكون من مجموعة مترابطة ومتداخلة من نتائج التناقضات بحيث ينفي الجديد القديم أي ما سبقه ، أي ينفي القديم لنصل الى الجديد .. وعلى هذا الأساس ستكون نفي المرحلة ايضا في المستقبل أي بعد زمن لصالح مرحلة أجد …
وهذا ينطبق تماما على التطور التأريخي للمجتمعات ، فمع تغير المجتمع من المرحلة المشاعية الى العبودية فإن المجتمع العبودي نفى المجتمع المشاعي وهكذا فالمجتمع الاقطاعي نفى المجتمع العبودي والمرحلة الرأسمالية نفت مرحلة الإقطاع ، وهكذا يستمر الصراع على هذا المنوال وحتى يومنا هذا ، فهو صراع طبقي وصراع بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج وهو كذلك صراعا قوميا.

أما بالنسبة لقانون التراكمات الكمية تؤدي الى تغيرات نوعية ( كيفية ) ، فهو احد القوانين الرئيسةللمادية الجدلية ، ومن خلال هذا القانون نستطيع ان نحدد
كيف وفِي اي ظرف تحدث الحركة والتطور ، وهذا القانون يقضي ان تراكم التغيرات الكمية وبشكل تدريجي يؤدي بالضرورة وفِي لحضة معينة بالنسبة لكل عملية الى تغيرات جذرية للكيف أي للنوع ، ويؤدي الى تحول تدريجي أو على شكل قفزات من شكل قديم الى شكل جديد ..
ومن اجل توضيح الصورة وتبسيطها نضرب المثال الآتي :
إن مياه البحار والبحيرات وبقية المسطحات المائية معرضة جميعها الى أشعة الشمس وبشكل مستمر وتدريجي ، حتى تصل درجة الحرارة الى مئة درجة مؤية ، وهي الدرجة التي ينتقل الماء فيها الى بخار ، أي يتحول الماء من الحالة السائلة الى الحالة الغازية ، وهي درجة الحرارة الحرجة ( النقطة الحرجة ) التي تبدأ فيها عملية التغيير ، وهذا يعني أن التغيرات الكمية التي تتراكم في هذه المياه بسبب درجات الحرارة حتى تصل الى المعيار اللازم لحدوث عملية التغيير
وهكذا ستستمر الأبخرة بالتصاعد والتجمع على شكل سحب دون أن يحدث أي تغيير نوعي مفاجيء وإنما سيحدث التغيير النوعي بشكل تدريجي حتى يزيد التراكم ويصل الى الحد المطلوب لحصول التغيير النوعي ، أي يصل الى
النقطة الحرجة التي ستؤدي بعدها الى هطول الأمطار ، أي ان يتم التحول من الحالة الغازية الى الحالة السائلة، وهذا ما يؤكد لنا أن التغيرات الكمية ستؤدي الى تغيرات نوعية اذا وصلت الى المعيار اللازم التي يصبح التحول والتبدل شيء حتمي.
لذا يمكننا القول أن التغيرات الكمية مع بقاء الحالة على ما هي عليه ، فيعتبر تغير كمي ، وتبقى الحالة التراكمية في هذا الإطار فقط الا بعد أن يصل الحال الى النقطة الحرجة حتى تبدأ عملية التغيرات النوعية ..
أن هذا القانون الجدلي ينطق هو الاخر على الواقع الاجتماعي ، فإذا أخذنا مجتمع ما يعاني من الظلم والقهر والاضطهاد ، فالثورة اذا تحدث ، عندما ينتقل الشعب من التفاعل السياسي الطبيعي الى حالة ثورة ، وهو تغير نوعي ، يحدث ذلك نتيجة تراكمات وتغيرات كمية كبيرة أسهمت في تأجيج غضب الشعب وصولا الى الحد الذي تحول الشعب من حالة الهدوء النسبي الى الثورة. فالثورة تعتبر هو التغير النوعي الذي حدث عندما بلغت التراكمات
الكمية وصولا الى النقطة الحرجة التي بعدها تبدأ عملية التغيير. وهذا مما يجعلنا ان نقول ووفق هذا القانون أن الثورة ستحدث ، ونتوقع حدوثها ، وخاصة عندما نرى أن البيئة الشعبية استعدت للتحول النوعي بسبب التراكمات الكمية التي بلغت ذروتها ، فالثورة حتما ستحدث
مما تقدم يتبادر الى اذهاننا السؤال الآتي
هل بالضرورة ان التغيرات الكمية تؤدي الى تغيرات نوعية ، وهل هذه التغيرات تمثل تغيرات إيجابية أم سلبية ..؟؟
نرى مما تقدم ان قانون التراكم الكمي يؤدي الى تغير كيفي لم يتطرق الى نوع هذا التغير هل هو تغير سلبي ام إيجابي ،
وأكد على ان التغير هو تغير نوعي ( كيفي ) بينما نجد ، ان بعض التغيرات التي تحدث سواء على مستوى التغيرات الطبيعية ام الاجتماعية ، هي تغيرات إيجابية احيانا وسلبية في احيان اخرى .. ونحن نعلم ان تحديد السلبي والإيجابي ، مسألة نسبية وليست مطلقة ، وما هو إيجابي عند البعض يراه الآخرون سلبي وهكذا ، ولكن هنالك ظواهر لا تقبل التأويل كونها سلبية ام إيجابية ، فهطول الأمطار هو تغير نوعي إيجابي ولكن هطول الأمطار بشكل كثيف جدا سيكون تغير سلبي ، وكذلك عندما تصل درجة حرارة الشمس فوق المألوف سيكون هذا التغير النوعي سلبي على البشرية والعكس صحيح ، والشيء نفسه ينطبق على التغيرات التي تحدث على الواقع الاجتماعي ..
ونحن نجد ايضا ان في بعض الأحيان ان التغيرات الكمية لن تفضي عن تغيرات نوعية تلقائيا إلا بعد تدخل عوامل خارجية تعمل على تفعيل التراكمات الكمية ، فعلى سبيل المثال تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي ، عندما فتح الباب أمام المجتمع للانخراط داخل الحزب ، ودخل الحزب أعدادا كبيرة جدا ، اي حدث تغيرات كمية ومتراكمة ، وكانت النتيجة سلبية ، بحيث هذا الكم اثقل كاهل النوع وادى الى اضعافه وتحجيم دوره ، كوّن النوع لن يتمكن من استيعاب هذا الكم الهائل والتأثير علية كي ينتج منه النوع المطلوب
فضلا عن ذلك اذا أخذنا ايضا الوضع القائم في العراق منذ عام ( ٢٠٠٣) والى يومنا هذا ، وطبقنا قانون التغيرات الكمية تفضي الى تغيرات نوعية ، سنجد أن ما يعانيه الشعب العراقي من ظلم وطغيان واضطهاد وقتل وتهجير وفقر وجوع وعوز وفساد مالي واداري واحتلال وتدمير مدن بكاملها وتهجير سكانها ومفقودين ، وهذا كله قد تراكم بشكل لا مثيل له بحيث تجاوز هذا التراكم النقطة الحرجة بمئات المرات ، ولم تحدث الثورة أي لم يحدث التغير المطلوب ، علما ان نص القانون يقول ( ان التغير النوعي سيحدث شكل تدريجي حتى يزيد التراكم ويصل الى الحد المطلوب لحصول التغيير )
أي يصل الى النقطة الحرجة التي ستؤدي بعدها الى حدوث الثورة .. ويؤكد القانون فيما اذا وصلت التغيرات الكمية الى النقطة الحرجة يصبح التحول والتبدل شيء حتمي ..
ولكن في الحالة القائمة في العراق لن يتحقق ذلك ، كوّن جميع الظروف الموضوعية والذاتية متوفرة ، ومع ذلك لن يحدث التغيير ، وان القانون لن يحدد
لنا تماما ما المقصود بالنقطة الحرجة
ومتى تحدث ، فبالنسبة لقوانين الفيزياء والكيمياء واضحة ومعروفة ولكن بالنسبة للواقع الاجتماعي وتطوراته ، لم تكن واضحة .. وكم يستغرق من زمن للوصول الى النقطة الحرجة كي يحدث التغيير ، أي الثورة بالنسبة للواقع الاجتماعي الكارثي الذي يعيشه الشعب العراقي …
فيفترض عندما تبلغ التراكمات الكمية حدودها القصوى ، وكما موجود في حالة الشعب العراقي ، وهي حالة اغتصاب شعب وشعوره بالظلم والاضطهاد الغير مسبوق على مدار التاريخ كله ، فلا بد من حدوث الثورة ، كونها تمثل التغيير النوعي
ولكن هذا الشيء لم يحدث لحد الان ..
ومن الممكن ان يكون السبب هو حالة القمع الغير مسبوق التي تمارسه السلطة السياسية ضد الشعب العراقي …
اذا يمكننا القول ان ليس بالضرورة ان التغيرات الكمية تؤدي الى تغيرات نوعية
كون هنالك عوامل داخلية وخارجية تلعب دورا مهما في تحقيق ذلك .. وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشرعلى ديناميكية هذا القانون الجدلي ومنها عوامل ذاتية وموضوعية بحيث تلعب دورا في تحديد
النقطة الحرجة التي تمثل الحد الفاصل للانتقال الى التغيير النوعي.
أوليس التراكم الكمي قد وصل الى ذروته لدى الشعب العراقي حتى نصل الى ظهور حالة جديدة على الحالة القديمة وحصول التغيير النوعي وحسب القانون..
أم نحن أمام حالة فريدة من نوعها وغير مسبوقة بحيث ان قوانين الديالكتيك لم تنطبق عليها ، كوّن هذه الحالة الغير مطروقة هي خارج المألوف وخارج المنطق والعقل. …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى