يتعرض العالم اليوم وفي ظل جائحة كورونا، والحرب الروسية الاكرانية، الى ارتفاع حاد في الأسعار، وخاصة في مجالي الطاقة والسلع الغذائية، وانقطاع سلاسل الامدادات، بشكل متسارع ومستمر، وكلها أشعلت نيران التضخم في أنحاء العالم، ولو بنسب متفاوتة وحسب الإمكانات الاقتصادية لكل بلد.
وان بقت الأوضاع على حالها أي مع استمرار الحرب الأوكرانية وانتشار الأوبئة المصنعة في مختبرات تملكها أمريكا والتوترات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وكذلك في بحر الصين وغيرها من مناطق العالم، بالتأكيد سيزداد التضخم العالمي ومن الممكن ان يصل الى حالة التضخم المفرط، وهذا النوع من التضخم يكون خارج السيطرة، وعلى الأرجح يقودنا الى انهيار المنظومة القانونية والمنظومة الأمنية العالمية، وسيعرض العالم الى اكبر كارثة إنسانية قل نظيرها ولا يمكن تصور نتائجها الكارثية.
هذا مما جعلني أن أعطي تصوراً عن التضخم، لانني وجدت ان الأكثرية من الناس يسمعون يومياً عن التضخم ولا يعرفون معناه، ويعتقدون ان كل ارتفاع في الأسعار يعني تضخماً!!
فالتضخم يعني الارتفاع المستمر والمؤثر في المستوى العام للأسعار، لذا أن الزيادة المؤقتة لا تعني تضخماً، ومن شروطه ان يكون هناك زيادة مستمرة وبنسبة كبيرة في المستوى العام لاسعار المستهلك، وان تشمل هذه الزيادة معظم أسعار السلع والخدمات الضرورية والاساسية لحياة الانسان، وان يستمر ذلك لفترة طويلة نسبياً، ففي حالة ارتفاع أسعار مواد غير ضرورية لحياة الانسان كالبضائع الكمالية لوحدها فلا يمكننا اعتبار ذلك تضخماً.
ومن الواضح ان التضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للافراد، وان هذا التضخم ينتج عن النمو المتزايد في العرض النقدي والذي يتأُثر بالطلب على السلع والخدمات، حيث يكون نمو النقود بشكل اسرع من معدل النمو الاقتصادي!!
أن من اهم التفسيرات المقدمة لتوضيح ظاهرة التضخم والارتفاع العام للأسعار، هي التفسيرات التي تتعلق بعوامل دفع الكلفة وعوامل سحب الطب وكذلك المتعلقة بالعرض النقدي.. وسنتناول هذه التفسيرات باختصار شديد عدا العوامل المتعلقة بالعرض النقدي لأهميتها.
أن التفسيرات المرتبطة بدفع الكلفة، يكون التضخم بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، أي بسبب زيادة كلف مستلزمات الإنتاج السلعي والخدمي، وكذلك ارتفاع تكاليف المواد المستوردة إضافة الى الكلف الإضافية الناتجة عن الهدر في استخدام الوقت والمواد الأولية والمكائن والمعدات وغيرها.. وانخفاض إنتاجية العمل كل ذلك سيؤدي الى زيادة الأسعار، ومن اهم العناصر التي تدخل في تكاليف الإنتاج هما، (الطاقة والأجور)، فبعد الحرب في أوكرانيا والحصار الذي فرض على روسيا وعلى توريد النفط والغاز الروسي، مما أدى الى حدوث ازمة اقتصادية حادة جداً في جميع الدول الأوروبية التي تعتمد على النفط والغاز الروسي، مما أدى الى ارتفاع الأسعار بشكل غير مطروق، بحيث طال جميع الدول الأوروبية وبقية دول العالم، حتى وصل التضخم في الولايات المتحدة الامريكية الى نسبة (8.6%) وهي النسبة الأعلى منذ أربعون عاماً، والشيء نفسه حصل في منطقة اليورو حيث وصلت نسبة التضخم فيها الى (8.1%) مما سيثقل كاهل المواطنين وسيؤثر على حياتهم اليومية.
اما بالنسبة للتفسيرات التي تتعلق بسحب الطلب، فتنص على أن فائض الطلب على السلع والخدمات هو الذي يؤدي الى ارتفاع الأجور والاسعار، أي أن زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات بسبب زيادة الميل للاستهلاك، والذي يحصل نتيجة للتدفق النقدي، وبنفس الوقت ان المعروض السلعي لا يتناسب مع هذه الزيادة فيحدث اختلالاً بين جانبي العرض الكلي والطلب الكلي مما يؤدي الى ارتفاع الأسعار. وبعبارة أخرى يمكننا القول ((ان نقوداً كثيرة تطارد سلعاً قليلة))..
أما بالنسبة للتفسيرات النقدية المقدمة لتوضيح ظاهرة التضخم تنص على ان العرض النقدي هو المحدد الأساسي للتضخم، واننا نعتبر هذه التفسيرات من اهم التفسيرات التي تحدد التضخم على مستوى الدول، حتى على مستوى العالم ككل، كون هذه التفسيرات تتمثل في أن نمو عرض النقد يؤدي الى زيادة الطلب الكلي الذي يؤدي الى رفع المستوى العام للأسعار، وهي تعني ان التضخم ينتج بسبب الافراط الشديد في عرض النقد والذي يؤدي بدوره أفراطاً شديداً في الطلب الكلي مما يؤثر على القوة الشرائية – وما يترتب عليه ارتفاعاً متواصلاً للأسعار، خاصة اذا علمنا من قصور العرض الكلي الذي لا يحاكي هذا الطلب المتزايد.
ان جميع التفسيرات الانفة الذكر وجميع العوامل السابقة لا تعمل منفردة بل ان كل عامل منها يعمل ويتفاعل مع بقية العوامل الأخرى. فالتفسيرات الخاصة بدفع الكلفة وسحب الطلب والنظرية النقدية تعمل معاً وفي نفس الظروف وتؤدي جميعها الى زيادة الأسعار، ومع ذلك نحن نركز على أهمية التفسيرات الخاصة بالجانب النقدي ودوره الأساسي في زيادة الأسعار وبشكل مستمر وعلى مستوى العالم ككل.
وهذا مما يتطلب التعرف على حجم الكتلة النقدية في العالم واثرها على زيادة الأسعار وكيف ان التضخم يغزو العالم اليوم..فالكتلة النقدية تمثل حجم المعروض النقدي للدولة خلال فترة زمنية معينة، ونعني بالنقود المتداولة كافة، النقود التي بحوزة الافراد أو المنشأت الاقتصادية. وتتكون الكتلة النقدية من جميع وسائل الدفع وتتألف الكلفة النقدية من عدد من العناصر وهي الوفورات النقدية ويرمز لها بـ (M1) وتتألف من مجموعة وسائل الدفع كالأوراق النقدية، والعملة المعدنية، الودائع الموجودة في البنوك والمؤسسات المالية وفي الخزينة العامة، إضافة الى الشيكات البريدية وصناديق الادخار..، فضلاً عن التوظيفات السائلة أو لأجل قصير ويرمز لها بالرمز (M2) وتتألف من ما يوضع في البنوك على أساس دفتر توفير ومن ودائع الى اجل تديرها البنوك او الخزينة ومن سندات تصدرها البنوك او الدولة بالإضافة الى توظيفات الادخار، ويضاف اليها شبه العملة وهي عبارة عن الودائع لأجل ويرمز لها بالرمز (M3) وعلى هذا الأساس فأن (M3 + M2 + M1) تمثل الكتلة النقدية لأي بلد او على مستوى العالم.
وهذه الكتلة النقدية تغطى من العناصر الاتية، الذهب والعملات الصعبة، وقروض البنك المركزي على المؤسسات المالية وكذلك مساهمة القطاع المصرفي في المشاريع الاقتصادية في البلاد.
وحسب الإحصاءات البنك المركزي ان مجلس الاحتياطي الفدرالي والذي ينشر بيانات العملة الامريكية، علماً انه من الصعب جداً إعطاء صورة حقيقية عن مقدار الكتلة النقدية على مستوى العالم بالدولار الأمريكي، ولكن وحسب الإحصاءات المنشورة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بلغ المعروض النقدي (M1) من الدولار الأمريكي بنحو (18.7) ترليون دولار وذلك عام (2022)، اما المعروض النقدي الثاني (M2) فهو يساوي (M1) مضافاً اليه الودائع الصغيرة لأجل (أي اقل من 100 الف دولار) وحتى آذار (2022) وصل الى نحو (19.9) ترليون دولار..
وبالتالي يمكننا القول أن اجمالي الدولارات الامريكية الموجودة في التداول في العالم كله بنحو (20) ترليون دولار وتقدر بعض الإحصاءات انه وصل في العام (2023) الى اكثر من (30) ترليون دولار.. أما عن الأموال الموجودة من غير الدولار الأمريكي، فأن أقرب التقديرات لمقدار الأموال الموجودة في العالم يصل بنحو (2.7) كوادريليون دولار.. وهو قدر هائل جداً من المال.
هذا مما يؤدي الى زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات بسبب زيادة الميل للاستهلاك، والسؤال هنا هل يوجد سلع وخدمات تحاكي هذا الطلب الكلي الفعال؟
فالواقع يؤكد من عدم وجود عرض كلي يحاكي هذا الطلب، وذلك بسبب ما خلفته جائحة كورونا على الواقع الاقتصادي لدول العالم بحيث أفلست العديد من الشركات المنتجة، وخرج العديد من الشركات والمعامل والمصانع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من السوق وأغلقت اعمالها، مما أدى الى فقدان الكثير من المعروض السلعي..
فضلاً عن عزوف اكثر من المستثمرين من توجيه استثماراتهم للعملية الإنتاجية، وتوجهوا الى المضاربات في الأسواق المالية (اسهم وسندات)، كل ذلك أدى الى انخفاض حاد بجانب العرض الكلي!!
وعلى هذا الأساس حدث اختلالاً كبيراً بين جانبي العرض الكلي والطلب الكلي مما أدى ذلك الى ارتفاع الأسعار، حيث يوجد في السوق العالمية كمية من النقود كثيراً جداً تطارد سلعاً قليلة، ولهذا السبب يحدث التضخم، نظراً لتجاوز الطلب الكلي على ما معروض من سلع وخدمات في العالم.
ان المنظومة الرأسمالية بدلاً من ان تستخدم الوسائل والطرق الاقتصادية المتعارف عليها. من اجل كبح جماح التضخم وغزوه للعالم ومن هذه الوسائل هو امتصاص وسحب الفائض من الكتلة النقدية وذلك عن طريق رفع سعر الفائدة والحد من الإصدار النقدي الجديد وتشجيع الادخار من خلال بيع الأسهم والسندات الحكومية المختلفة وغيرها من الوسائل والطرق الاقتصادية المعروفة من اجل خلق حالة التوازن بين الطلب الكلي والعرض الكلي.
قامت واستخدمت الطرق اللاأنسانية من اجل الحد من الطلب وتخفيظه وذلك من خلال اشعال الحروب في كل مكان، واستخدمت الحرب البايولوجية وتحديد النسل وشجعت المثليين، كل ذلك من اجل الحد من النمو السكاني وتحديد عدد سكان الأرض وحسب النظرية المالثوسية المعروفة، وهم يسعون ان يجعلوا عدد سكان الأرض ان لا يتجاوز الـ 5 مليار نسمة بدلاً من (10) مليار نسمة حتى عام (2030)