التفاوض المباشر مع واشنطن هو الحل الوحيد لانقاذ النظام الإيراني : قراءة في الإعلام الإيراني

بعد يومين من تصريحات “ترامب” التي دعا فيها المسؤولين الإيرانيين لمحادثات مباشرة، قام البيت الأبيض بتسليم السفارة السويسرية في طهران برقم هاتف خاص يعود للرئيس “ترامب”، كي يتصل به المسؤولين الإيرانيين مباشرة إذا رغبوا بذلك. بالتزامن مع هذه التطورات قامت الولايات المتحدة بإرسال حاملة طائرات قتالية جديدة مصحوبة ببطارية مضادة للصواريخ من نوع باتريوت، إلى منطقة الشرق الأوسط وتقول أمريكا أن هذا الإجراء تم اتخاذه لمواجهة التهديدات الإيرانية ، ومن جهة أخرى دافع السيد “برايان هوك” ممثل وزارة الخارجية الأمريكية في الشأن الإيراني، عن سياسة ممارسة أشد الضغوطات على حكومة إيران وحماية الشعب من التعسف:| الشيء الوحيد الذي يخاف منه النظام الإيراني أكثر من أي شيئ آخر، هو الإنتخابات الحرة.

من ناحية أخرى، يصر الجانب الإيراني في المجال الدبلوماسي على ضرورة الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها الحكومات الأوروبية في ما يتعلق “بالاتفاق النووي “. من جانبه أعلن وزير الخارجية الإيرانية الأسبق “كمال خرازي”، الرئيس التنفيذي لمجلس العلاقات الخارجية، طالب الأوروبيين أن ينقذوا “الاتفاق النووي ” من الموت بتطبيقهم لنظام الآلية المالية الخاصة بإيران ،  والتي تدعى  “اينستكس”،  وجاءت هذه التصريحات في إطار الجهود الدبلوماسية التي يبذلها “محمد جواد ظريف” وزير الخارجية الإيرانية الذي قام بزيارة إلى روسيا  ، وصرح هناك بأن إيران و وروسيا دولتان مازالتا ملتزمتين بروح الاتفاق النووي ،  وقد أثبتنا التزامنا هذا بشكل عملي. والكثير من الدول الأخرى التي أعلنت إلتزامها، لكنها لم تثبت إلتزامها عمليا،  وفيما يتعلق بالمساعي الدبلوماسية التي يبذلها “ظريف”، قال “برايان هوك” رئيس المجموعة الخاصة للضغط على إيران: إن “ظريف” متخصص بالكلام المعسول، لكنه يفتقر إلى صلاحيات التنفيذ، لأن وزير الخارجية الرئيس في إيران هو “قاسم سليماني”.

حسب هذه التطورات الدراماتيكية المتسارعة ،  فأمريكا ترسل حاملة طائرات إلى المنطقة من جهة و في نفس الوقت تعطي المسئولين الإيرانيين رقم هاتف خاص للاتصال بها من جهة أخرى ، على ضوء ذلك  فأي إستراتيجية يتم العمل بها الآن من جانب واشنطن ، الخيار الدبلوماسي أم خيار الصدام العسكري؟ لا شك بأن  كلا الخيارين مأخوذين بعين الاعتبار،  وعلى أي حال يبدو من خلال الاجراءات العسكرية الأميركية منع طهران من توظيف وكلائها ومخالبها في المنطقة للتخريب ونشر الفوضى  لجهة  تحقيق مكاسب سياسية. وعلينا أن ندرك بأن التصعيد بين الطرفين يهدف لتحسين شروط التفاوض  والحوار ،وحتى يتمكنا بعد مدة من الزمن من البدء بمفاوضات علنية،  وفي الوقت الحالي هنالك محادثات سرية تجري بين الحين والآخر، لكن الشيء المتبقي، هو أن تتحول الحوارات السرية إلى محادثات علنية ومن المحتمل أن تبدأ المحادثات العلنية في شهر نوفمبر عام 202 م أي بعد انجلاء غبار الإنتخابات الرئاسية في أمريكا،  وبعد أن يتضح موضوع بقاء “ترامب” كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية أو رحيله من البيت الأبيض. وسوف يكون موضوع التفاوض حول الشروط الإثنى عشر التي طرحها “بومبيو” والموزعة على عدة مجالات ،  وهذا ما تشي به التسريبات الإعلامية الإيرانية .

بموازاة ذلك تحاول طهران اللعب بورقة طرد اللاجئين الأفغان المقيمين في إيران ، حيث صرح  “عباس عراقجي” النائب السياسي لوزير الخارجية الإيراني، أن سوء فهم كبير قد نجم عن تصريحاته التي أدلى بها حول اللاجئين الأفغان المتواجدين في إيران ، “عراقجي” الذي كان يتحدث مع الشبكه الثالثة في التلفزيون الإيراني، ضمن تأكيده على أن موضوع طرد اللاجئين الأفغان وإعادتهم إلى بلادهم نهائيا أمر غير وارد، أشار إلى أن خطابه كان موجها للغربيين والأوروبيين الذين لم يفوا بتعهداتهم وكان يحثهم على الوفاء. وقد نسبوا عبارة: إذا العقوبات اشتدت على إيران، فإن طهران سوف تكون مجبورة على اخراج اللاجئين الأفغان .

لقد أدت تصريحات “عراقجي” إلى ردد أفعال كثيرة ، لكن ما  هو هدف المسؤولين الإيرانيين من وراء هذه التصريحات؟ هي في الواقع ورقة للضغط على أوروبا، حيث يعكس ذلك أن إيران الآن قد فقدت معظم خياراتها من جهة،  وتريد أن تستثمر في الإتفاق النووي المتعثر الذي لم يتم تنفيذه، وهي تريد أن تمارس نوعا من الضغط على أوروبا، مقلدة بذلك ما قام به “أوردوغان” الذي قام بإرسال المهاجرين السوريين إلى حدود أوروبا،  حيث استطاع أن يحصل على إمتيازات عديدة ومن ضمنها مبالغ مالية طائلة،  بالإضافة إلى فوائد أخرى،  وأجبر الأوروبيين من الرضوخ إلى مطالبه والآن يمكننا أن نقيم هذا الموضوع من ناحية أخرى ؛  فتركيا لن تقبل بأي شكل من الأشكال أن يدخل اللاجئون الأفغان إلى أراضيها، كما أن إيران لن تستطيع الدفع بالمهاجرين الأفغان إلى الحدود  التركية ،  و في هذه الحالة لا يمكن لتهديد “عراقجي” أن يتم من الناحية العملية وعلى الأغلب لا تفوح منه إلا رائحة الإبتزاز حيث أن هذه التهديدات لا يمكن  تنفيذ ها على أرض الواقع، لماذا؟ ، لأن المهاجرون الأفغان على مناطق شاسعة من إيران بالرغم من عدم وجود أي حقوق لهم، فهم لا يتمتعون بحق العمل والعلاج، ولا يمنكهم إرسال أبنائهم إلى المدراس، كما أنهم لا يمتلكون الحق في فتح حسابات بنكية، و لم تسجل اسمائهم وفقا لسجلات، كما أن الحكومة ليس لديها المزيد من المعلومات حول اماكن إقامتهم في إيران، فكيف لها أن تعمل على إرسالهم نحو الحدود الأوروبية. بالمحصلة يمكن القول  أنه يمكن للحكومة الإيرانية العمل على إرجاع البعض منهم إلى بلادهم أفغانستان نظرا لما تعانيه إيران اليوم من تدهور اقتصادي غير مسبوق ، وباتت القناعة لدى  المهاجرين الأفغان أن  السفر والعودة  إلى أفغانستان، أفضل بكثير منها في إيران.

إلى جانب ذلك تحاول إيران توظيف الورقة الأفغانية  حيث  أعلن أكثر من  مسؤول عسكري إيراني حيث قال اننا سنعمل على فتح الحدود الأفغانية لنقل المواد المخدرة من أفغانستان بإتجاه أوروبا ، ولن نحول دون توقف هذه الأمر لنضع أوروبا اما مازق كبير. لقد سمعنا الكثير مثل هذه التهديدات وسنستمع لغيرها الكثير الكثير ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الافلاس السياسي الذي باتت تعانيه الدولة الإيرانية .

من جهتها  واصل الاعلام الإيراني  تحليلاته للمآزق الذي تعيشه إيران ، واقتراح سبلاً للحل ، وهي باتت تتوافق مع  طروحات الرئيس الأميركي ترامب بالتفاوض المباشر والعاجل مع واشنطن ، حيث نشرت هذه الصحف  تحليلات  خلصت إلى أن الخيار الوحيد أمام إيران هو التفاوض مع أميركا، داعية  الحكومة الإيرانية إلى عدم التعويل على الدول الأوروبية في تنفيذ تعهداتها المنشودة ومواجهة العقوبات الأميركية “بسبب عدم امتلاكها الجرأة على ذلك،  واصفة الجانب الأوروبي بغير المؤثر في الاتفاق النووي والتابع لأميركا، ومحذرة في الوقت نفسه من انسحاب طهران من الاتفاق النووي ، وتناولت الصحف الإيرانية مخاطر الاجراءات الأميركية التصعيدية ضد إيران

ومن أبرزها تشويه قرار إيران الأخير في تعليق عدة بنود من الاتفاق النووي،والحد من تأثيره دولياً؛ مما  سيخلق حالة انقسام في الداخل الإيراني حول الذهاب لطاولة المفاوضات في ظل الأوضاع الحالية، أما على الصعيد الأميركي المحلي، فيهدف ترامب وفق الاعلام الإيراني  إلى “تقوية مكانة الحزب الجمهوري، والتقليل من شأن منافسه الحزب الديموقراطي، وفي سياق متصل، وصفت بعض وسائل   الاعلام الإيراني، التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة في المنطقة بالحرب النفسية، واعتبرتها ورقة رابحة في الانتخابات الأميركية المقبلة، ووسيلة لزيادة عدد الناخبين لصالح ترامب، و أضافت بأن ورقة الضغط تلك ثنائية، فهي تستهدف إيران وأوروبا في آن، وتسعى لدفع إيران إلى تقديم تنازلات، من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى