في البداية لابد من الاشارة الى حقيقة ثابتة ان احزاب الاسلام السياسي ليست رديفة للاسلام ولا يمكن لمناهجها ان تختزل الدين بكونها مستوحات من احكام الشريعة بالتأويل والاستدلال لان اغلب تلك المناهج افكار لأحزاب اتخذت من المذاهب ايدولوجية سياسية سواء كانت سنية او شيعية .. وكذلك المتأسلمين انهم سياسيين تقمصوا هيئة رجال الدين ونصبوا انفسهم اوصياء على البلاد والعباد ليتخذوا من الاسلام غطاء لمآرب سياسية لا تمت للدين بصلة .. حيث هناك مدرستين في الاسلام السياسي هما المدرسة الشيعية والمدرسة السنية، الاولى اعتمدت تأويل فتاوى المراجع كونها احكام شرعية .. والثانية اعتمدت اجتهاد فقه العلماء كونه مستنبط من الدين، والطرفين هم اشخاص مجتهدين فتواهم او فقهم ليس حكم شرعي ملزم، لان اغلب تصرفاتهم اصبحت لا تختلف عن ما كان يفعله رجال الدين في اوربا ايام العصور الوسطى كأنهم ظل الله في الارض لهذا اراد كهنة الاسلام السياسي اضفاء صفة القداسة على انفسهم وعلى ما يصدر عنهم من اقوال او افعال لكي تصبح آرائهم السياسية احكام شرعية واجبة الطاعة كونها نابعة من أسس العقيدة، وان من يخالفها يخرج من الدين والملة لان الراد عليهم راداً على الله .. وهنا يكمن اللبس والتوهان الفكري في احزاب الاسلام السياسي بسبب التداخل ما بين المنهج الديني النابع من القران والسنة ومنهج الاسلام السياسي النابع من فكر المتأسلمين من الشيعة والسنة الذين يسخرون الدين لأجندات سياسية من خلال تأويل الايات القرآنية بما ينفع اجنداتهم وتسخيرها من اجل مصالح فئوية او شخصية لذلك حينما ننتقد الاسلام السياسي لا يعني اننا ننتقد الدين، بل ننتقد الاحزاب التي تعمل على تسخير الدين لأجندات لا تمت للاسلام بصلة .. وننتقد المتأسلمين لان اغلب تصرفاتهم فيها اساءة للاسلام بالشكل الذي لا يختلف بالمحصلة عن نهج وسلوك القوى المعادية للاسلام لان خطورة هؤلاء تكمن في تخريب الاسلام من الداخل والقيام بتشتيت امر المسلمين الى فرق وطوائف متناحرة هذا سني وهذا شيعي وهذا سلفي وهذا اخواني حتى باتت الفوضى تسود مجتمعاتنا بسبب تلك الافكار المتشددة التي ادت الى العنف وتكفير الاخر فضلا عن تسويق الجهل والبدع والخرافات والتخلف واذكاء قصص تاريخية مفبركة واعتماد الاساطير الموروثة التي ادت الى تكريس الفتن والصراعات، حتى اصبح الاسلام السياسي السني مرادف للارهاب والاسلام السياسي الشيعي مرادف للثأر والانتقام علاوة على الجهل والخرافات مما جعلوا الكثير من الناس ينفرون من الاسلام ضناً ان المشكلة في الاسلام وليس في احزاب الاسلام السياسي ولكن سرعان ما انكشف زيف هؤلاء المغالين وبانت حقيقة مناهجهم التي لا تبني دول ولا تؤسس اوطان لهذا بدأ يتوالى سقوطهم كما حدث في مصر من قبل، واليوم في تونس والمغرب وايضاً المظاهرات التشرينيية في العراق، وكذلك ردود افعال الشعوب الايرانية في رفض سياسة ملالي طهران التي اسست الى الفرقة والخلاف بين المسلمين واصبحت تشكل اكثر خطورة على الاسلام من اصحاب الايدولوجيات العلمانية التي يتهمونها بالكفر والالحاد ويعتبرونها معادية للاسلام والتي كانت رائجة في القرن الماضي كالشيوعية والقومية دون الادراك ان السياسة في عالم اليوم ليست ايدولوجيات وعقائد يراد فرضها على الناس بالقوة لقبول فكر معين مستنبط من مذاهب دينية او بالخداع لشحذ الولاءات كونه مقدس .. او افكار اممية مستوردة لتحقيق احلام وردية غير قابلة للتحقيق .. او إيحاءات قومية نابعة من فلسفة سياسية ادت الى صراعات وانقلابات عسكرية .. وانما السياسة في عالم اليوم، بناء، وتعليم، ومدارس، وجامعات، ومراكز بحوث، وصحة ومستشفيات، وطرق، وجسور، وفرص عمل، ورفاهية، وعوائد مالية يفترض ان تكون هي المعيار في أي انتخابات حرة ونزيهة وشفافة كما تفعل الدول المتقدمة ليتسنى اختيار من هو الاصلح الذي يقدم خدمات للشعب من اجل حياة حرة كريمة وليس بما يُؤْمِن به من افكار وعقائد وأوهام مبنية على الشعوذة والدجل، لان المتاجرين بالاديان والمذاهب تسيطر على عقولهم عقد الماضي واساطير التاريخ التي لم تعد تنفع مع تطور الوعي الجمعي عند الشعوب لانهم غير قادرين على النظر الى الامام والبحث عن مستقبل مشرق للاجيال القادمة .
342