الحداثة والتجديد والدين

أ.د. محمد رفعت

أن أوروبا تشكل مركز التفكير العقلاني والشرق يمثل مركز التفكير الديني الذي يعتمد على الايمان بالله ورسله, فأن منطق الفلاسفة العقلانيين ينطلقون من الانسان ويعودون اليه, أما الشرق فأفكاره سماوية وتمثل النبع الذي يستقى منه العقل.
واذا عدنا الى العصور الوسطى والتي سميت بعصور الظلام, اي الفترة التي سيطرت فيها الديانة المسيحية والفكر الكنسي على اوروبا لسنين طويلة. وتمكنت الافكار الكنسيه ان تصادر حق التفكير العقلاني المستقل, فالكنيسة في هذه الفترة لعبت دور الاقطاع, وعمقت الصراع الطبقي وزادت من المعاناة الانسانية بكل أوجهها من حرمان وجوع ومرض, ووقفت ضد التطور العلمي وبناء عليه اصبحت أوروبا تنظر الى الدين اي دين هو مشابه تماماً للكنيسة ودورها.
واصبح موقف اوروبا من كل تفكير ديني ينطلق من مسلمات ثابتة وبنصوص جاهزة وعلى هذا الاساس سيشكل حاجزاً وعائقاً للتقدم وغير قادر على التطور والتجديد, باعتبار ان التجديد حتمي ومستمر ولا حدود له. من هنا بدأت فكرة تبني فصل الدين عن السياسة وكانت صرخة مارتن لوثر على النظام الكنائسي وطروحاته الاصلاحية ونقده لتصرفات الكنيسة وبالاخص وقوفه ضد صكوك الغفران هي بداية الثورة الاصلاحية في أوروبا وهي بداية الحداثة.
كما أعتبر التنويريون أن الكنيسة مؤسسة رجعية متحالفة مع النظام الاقطاعي, وهي مؤسسة تستخدم الدين في توطيد سلطة رجال اللاهوت في المجتمع. والكنيسة تعمل على ارهاب العلماء والمفكرين الاحرار وتناصب حرية الفكر العداء. كما تقيد رعاياها بالفكر الغيبي الخرافي وتعطيهم أملاُ في حياة أفضل في الأخرة,
وبنفس الوقت نجد التشابه الكبير بين دور الكنيسة في أوروبا قبل اكثر من خمسمائة سنة وبين الواقع الذي نعيشه في الشرق وبالاخص بالامة العربية وعلى وجه الخصوص في العراق, لقد فرضت الكنيسة صكوك الغفران على رعاياها وفرضت المؤسسة الدينية العراقية ما يسمى (بالخمس) على أتباعها, وتذهب هذه الايرادات لصالح الاشخاص والمؤسسات الدينية المعنية دون استفادة الرعايا منها. أوليس المؤسسات الدينية اليوم في العراق والمنطقة تلعب دور الكنيسة قبل خمسمائة عام, أوليس المؤسسات الدينية عندنا اليوم يشكلون عقبة تحول دون التقدم الانساني ويعملون على أشاعة الجهل والتخلف ويحاربون العلم والتقدم العلمي والعلماء ويبتعدون عن العقلانية والمنطق في تفسير الامور…
اذا الصراع سيستمر بين الحداثة والتجديد وبين قوى التخلف والخرافات والشعوذة والدجل والكذب والتي انتهت لتأسيس ظاهرة الارهاب والعنف.
ان المؤسسات الدينية والاحزاب الاسلامية تمارس التجارة بالدين وتقف تماماً ضد الحداثة والتجديد ومن خلال ذلك تتمكن من الاستحواذ على عقول البسطاء من ابناء الشعب, وكما قال الفيلسوف أبن الرشد “أن التجارة بالاديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل, فأن اردت التحكم في جاهل عليك أن تغلف كل باطل بغلاف ديني”.
وعليه فان عملية تغيير نمط التفكير وتحرير العقول من سجانيها ومن قيودها يتطلب القضاء على جميع المؤسسات الدينية المتخلفة والتكفيرية والمتطرفة ورجال الدين الذين يخدمونها واحزابها السياسية وبغيره سوف لن نحقق اهدافنا في التغير والتجديد وصولاً الى الحداثة وردم الهوة بيننا وبين العالم المتحضر.
وثوره حتي النصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى