في المؤتمر التاسيسي للمعهد العالمي للتجديد العربي الذي انعقد في حزيران 2019 بمدريد تناول الدكتور محمد طاقة في مداخلته موضوع العلاقة بين الحداثة والتجديد ، ووجد ان مفهوم الحداثة واسع وشامل ،وهو خلاصة التجديد او الشكل النهائي للتجديد .فالتجديد مستمر، وولادة المعهد هو الخطوة الجوهرية لتجديد كل طاقات الامة العربية التي تواجه اخطر تحد متمثل باستهداف هويتها ومحاولة ازالتها وتحطيم كيانها .ولذلك نحن بحاجة الى التنوير مثلما فعلت اوربا من قبل .الا اننا لايمكن ان نجدد ونُحدّث اذا لم نغير طريقة تفكيرنا .فالحداثة اذن هي تغيير نمط التفكير في جميع نواحي الحياة وبما ينسجم والتطورات التكنلوجية والحضارية ، وهي ادراك العقل لحال الواقع الروحي والمادي الناتج عن التطوروالتجديد الذي وصلت اليه المجتمعات .ومن اجل تغيير هذا النمط لابد من القضاء على الدور الذي تلعبه المؤسسة الدينية المتخلفة والمتطرفة بجميع اتجاهاتها المذهبية والطائفية ، والتي استغلت الدين كغطاء لها لتحقيق اهداف سياسية واقتصادية واجتماعية من اجل الهيمنة والسيطرة على عقول الاغلبية ومقدراتهم وتهميش وتجميد عقولهم تماما بحيث تكون هذه العقول حبيسة لديها تحركها كما تشاء باسم الدين لتجهيل المجتمع.
ان هذا المبدأ الذي تبناه المؤتمر التاسيسي لا يعني انه ضد الدين فهناك فرق بين استغلال الدين وبين مباديء الدين الانسانية ، ولهذا اكد المؤتمر انه مع الايمان ضد الالحاد ، فالدين بجوهره يعالج مشاكل المجتمعات الاخلاقية والاقتصادية والاجتماعية كل في مرحلته ،ولذا يجب ان يكون التعامل مع الدين حضاريا تفاعليا وليس سلفيا جامدا . اما الدين كعبادة ،فالدين لله والوطن للجميع ، وكل فرد مسؤول عن تنظيم العلاقة بربه ولا اكراه في الدين ، فالدين معاملة واخلاق وسلوك وعبادة.
ان مشكلة الفكر التنويري الاوربي والعقلانية الاوربية قد قطعت العلاقة مع الماضي والتراث والدين بشكل نهائي ،فانتقدواالمقدس في الدين مثلما هاجمواالمؤسسات الدينية وفي مقدمتها الكنيسة المتحالفة مع الاقطاع الذين استغلوا الانسان باسم الدين ،ووصل الحال ببعض التنويريين الى الالحاد . اما نحن فنختلف مع هذا الموقف تماما في نظرتنا الى الدين والتراث ، فابن رشد قال (الله لا يمكن ان يعطينا عقولا ،ثم يعطينا شرائع مخالفة لها ) ، ولكن هناك من يتاجر بالدين في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل (فاذا اردت التحكم بالجهل فعليك ان تغلف كل باطل بغلاف ديني) .
ان الديانات جميعها لم تكن على الاطلاق معرقلة للعقل ،خصوصا الديانات السماوية السائدة في وطننا العربي ،بل على العكس هي منورة للعقل وتعطيه مجالا للابداع والتجديد والحداثة ، ولكن الاستخدام المنحرف للدين هو السبب الرئيس لتقييد العقول وتجميدها ومنعها من التفكير والابداع والتجديد والتطوير.وعليه فان الحداثة يجب ان لا تقتل منهاج الروح الذي عرفته البشرية منذ وجودها ،والذي هواساس الفكرة الملهمة في كل زمان ومكان. ويخلص الدكتور محمد طاقة الى ان مفهوم الحداثة هو مفهوم شمولي يستوعب في طياته كل شؤون الحياة، فهي منهاج فكري يسعى لتغيير الحياة ، ولا يمكن لاي باحث اعطاء تعريف دقيق وشامل لهذا المصطلح لانه يمثل النتاج النهائي لعملية التجديد والتطور في زمان ومكان محددين . وفي كل الاحوال فان الحداثة لا تعني القطيعة مع الماضي ومع الموروث الثقافي ، وان البيئة التي ولدت فيها الحداثة في اوربا لايمكن ان تكون متشابهة مع نمط حياتنا وتفكيرنا والتطور التاريخي لامتنا ،فهناك علاقة جدلية بين الماضي والحاضر والمستقبل لا تغفل ما يعطينا الدين من قوة دافعة للتطور والتقدم باستخدامه بشكل حضاري وليس بشكل سلفي جامد . وعليه فان نقل تجربة الغرب في الحداثة كما هي خطأ جسيم ، لكن الاخذ بما يصلح لمجتمعنا العربي والاستفادة من تجارب الاخرين من خلال التفاعل الحضاري وتبادل الخبرات هو امر مطلوب على طريق التجديد والحداثة .