المحتويات
اولاً: أول الكلام
ثانياً: مفهوم التضخم
ثالثاً: نظريات التضخم
رابعاً: الآثار المترتبة على التضخم
خامساً: سبل معالجة التضخم
أول الكلام
بعد وقوع الحرب بين روسيا واوكرانيا، كثر الحديث في وسائل الاعلام المختلفة وكذلك منصات التواصل الاجتماعي، عن التضخم وارتفاع الأسعار جراء هذه الحرب، والتي طالت جميع بلدان العالم وبنسب متفاوتة وحسب ظروف كل بلد حتى وصل التضخم في الولايات المتحدة الامريكية نفسها (والتي ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في إشعال فتيل هذه الحرب) الى نسبة (8,6%) وهي النسبة الأعلى منذ أربعون عاماً والشيء نفسه حصل في منطقة اليورو حيث وصلت نسبة التضخم فيها (8,1) مما سيثقل كاهل المواطنين وسيأثر على حياتهم اليومية!!
فاليوم يتعرض العالم في ظل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، الى ارتفاع الأسعار، وخاصة في مجالي الطاقة والسلع الغذائية والانقطاع في سلاسل الامدادات، بشكل متسارع ومستمر وكلها أشعلت التضخم في انحاء العالم، ففي حالة استمرار الحرب بالتأكيد سيزداد التضخم العالمي ومن الممكن ان يصل الى حالة التضخم المفرط، وهذا النوع من التضخم يكون خارج السيطرة وقد يصل الى (50%)، او اكثر، وهذا يقودنا الى انهيار المنظومة القانونية والمنظومة الأمنية العالمية، وسيعرض العالم الى اكبر كارثة إنسانية قل نظريها ولا يمكن تصور نتائجها الكارثية.
وهذا مما دفعني الى إعطاء تصور عن التضخم، لانني وجدت أن الأكثرية من الناس يسمعون يومياً عن التضخم ولا يعرفون معناه، ويعتقدون انه ارتفاع في الأسعار فقط..
لذلك حرصت في هذه الدراسة على إعطاء تصور عن مفهوم التضخم وتحديد انواعه والنظريات التي تفسر هذه الظاهرة وآثاره الاقتصادية..
ثانياً: مفهوم التضخم
يعتبر التضخم من اكثر المصطلحات شيوعاً، وعلى الرغم من شيوع استخدامه، لا يوجد اتفاق بشأن تعريفه، ويرجع ذلك الى اختلاف الرأي حوله وحول تحديد مفهومه كونه يتناول حالات مختلفة…
وتعد ظاهرة التضخم احد اهم المشاكل الاقتصادية التي تواجه دول العالم، كونها تؤثر سلباً على جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعالم يعاني كثيراً من هذه الظاهرة الاقتصادية الخطيرة منذ زمن طويل، ويعاني من وطأتها الشديدة على المجتمع كما حدث في المانيا آبان الحرب العالمية الثانية..
لقد كتب الكثير من قبل الباحثين والاقتصادين عن ما هية التضخم وبأختلاف اتجاهاتهم ومدارسهم والجميع اكدوا ان التضخم يعني ارتفاع أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية محددة، كون ارتفاع الأسعار يؤدي الى خفض القوة الشرائية للنقود مما يفقدها قيمتها الحقيقة لان أي ارتفاع في الأسعار يؤدي الى خفض القوة الشرائية للنقود مما يفقدها قيمتها الحقيقية لان أي ارتفاع في الأسعار سيؤثر على تقليل السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بالعملة الواحدة.
لذلك فهو عبارة عن ارتفاع مستمر ومؤثر في المستوى العام للأسعار، لذا فان الزيادة المؤقتة لا تعتبر تضخماً، فالتضخم يعمل على تقليل القوة الشرائية للأفراد والتضخم الاقتصادي المرتفع ينتج عن النمو المتزايد في العرض النقدي والذي يتأثر بالطلب على السلع والخدمات حيث يكون نمو النقود بشكل اسرع من معدل النمو الاقتصادي أما بالنسبة للمدرسة الكنزية، حيث اعتبر كينز أن التضخم هو زيادة في حجم الطلب الكلي على حجم العرض الحقيقي، زيادة محسوسة ومستمرة مما تؤدي الى حدوث سلسلة من الارتفاعات المفاجئة والمستمرة في المستوى العالم للأسعار، وبعبارة أخرى تتبلور ماهية التضخم في وجود فائض في الطلب على السلع يفوق القدرة الحالية للطاقة الإنتاجية للبلد، وقد عرف كنيز التضخم الحقيقي بانه ((ظرف اقتصادي لا تؤدي فيه زيادة إضافية في الطلب الكلي الى زيادة أخرى في الناتج))، وهذا يعني ان الانفاق الاستهلاكي والاستثماري في المجتمع لن يؤدي الى زيادة الإنتاج بل يؤدي الى زيادة في الأسعار.
وبناء على ما تقدم فأن التضخم يمثل ضغط الطلب الكلي على السلع والخدمات بحيث يتجاوز العرض الكلي المتاح من الناتج من هذه السلع والخدمات وبالنتيجة ستؤدي الى الارتفاع في المستوى العام للأسعار..
وهنا يمكننا القول لنعبر عن ذلك ((ان هناك نقود كثيرة تطارد سلعاً قليلة))، علماً ان ظاهرة التضخم موجودة في كل بلدان العالم، ولكن بنسب متفاوتة فهي تختلف من بلد الى آخر وحسب التطور الاجتماعي والاقتصادي لهذا البلد او ذاك.
ولا بد هنا من الإشارة أنه ليس كل ارتفاع في الأسعار يعني التضخم، بل يعني الارتفاع العام المتواصل أي المستمر في مستوى الأسعار والذي يمكن احتسابه على أساس الأسعار القياسية لأسعار المستهلك، وهو اتجاه تصاعدي في الأسعار بسبب وجود طلب فائض مقارنة بقصور جانب العرض، ولكي نعتبر أي حالة ارتفاع في الأسعار حالة تضخم فأنه من الضروري توفر الشروط الاتية:
1- ان يكون هناك زيادة بنسبة كبيرة في المستوى العام للأسعار.
2- أن تشمل هذه الزيادة معظم أسعار السلع والخدمات الضرورية والاساسية لحياة الانسان.
3- أن يستمر ذلك لفترة طويلة نسبياً.
أي في حالة ارتفاع أسعار مواد غير ضرورية لحياة الانسان كالبضائع الكمالية لوحدها فلا يمكننا اعتبار ذلك تضخماً.
وهنالك أنواع عديدة من التضخم وله درجات متفاوتة لحدته وتأُثيره ووقعه على المجتمع ومن اهم أنواع التضخم، التضخم الأصيل او الصحيح كما اسماه العالم الاقتصادي كينز، وهناك التضخم المتدرج أو الزاحف وهو نوع من أنواع التضخم المعتدل بحيث لا يكاد ان يصل الى (10%) خلال فترة زمنية معقولة، وهنالك تضخم القوي التي تتراوح نسبته من 10% فما فوق سنوياً والتضخم الحاد وهو الذي تتجاوز اكثر من (20%) فما فوق سنوياً واخيراً التضخم المفرط وهو التضخم الذي ترتفع فيه الأسعار بمعدلات عالية جداً قد تزيد عن 50% واكثر.
ثالثاً: نظريات التضخم
أن من اهم التفسيرات المقدمة لتوضيح ظاهرة التضخم او الارتفاع العام في الأسعار، هي التفسيرات التي تتعلق بعوامل دفع الكلفة وعوامل سحب الطب وكذلك التغيرات المتعلقة بالعرض النقدي.
1- نظرية التضخم الناشئ عن دفع الكلفة:
تشير مجموعة من التفسيرات المرتبطة بدفع الكلفة الى ان التضخم يكون بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج، حيث ان هذه الظاهرة تبرز في العديد من دول العالم المتقدم والعالم الثالث ايضا، وعلى وجه الخصوص تبرز في اقتصاديات بلدان العالم الثالث (البلدان النامية)، بسبب زيادة كلف السلع والخدمات ومستلزمات الانتاج السلعي والخدمي، وكذلك ارتفاع تكاليف المواد المستوردة بالإضافة الى الكلف الاضافية الناتجة عن الهدر في استخدام الوقت والمواد الاولية والمكائن والمعدات من خلال الاستغلال الغير كامل للطاقات الانتاجية، كذلك ارتفاع تكاليف النقل والطاقة وغيرها من التكاليف للعناصر التي تدخل في العملية الانتاجية، وانخفاض انتاجية العمل .
كل ذلك ادى الى زيادة في تكاليف انتاج الوحدة الواحدة من الناتج، مما يؤدي بدوره الى ارتفاع الاسعار ناتج عن ارتفاع مسبق في تكاليف الانتاج عامة وفي الاجور خاصة، وترى هذه النظرية ان تضخم التكاليف يشكل السبب الرئيس لظاهرة التضخم وخاصة في الدول المتقدمة، حيث يلجأ المنتجون الى رفع اسعار منتجاتهم لتحقيق معدلات عالية من الارباح، ومن جهة اخرى تقوم النقابات العمالية بمطالبة ارباب العمل لزيادة الاجور، مما يؤدي الى زيادة تكاليف الانتاج، وهذا ما يدفع المنتجين الي رفع الاسعار لتعويض الزيادة في تكاليف الانتاج بسبب زيادة الاجور وتحميلها الى المستهلكين، كما قد ترتفع الاسعار نتيجة ارتفاع اسعار مستلزمات العملية الانتاجية محلية كانت ام مستوردة.
كما ان هذا التفسير غير كاف لوحده، فقد يحدث تزامن في ارتفاع التكاليف وكمية النقود المتداولة ومن ثم تكون لظاهرة التضخم سببين في آن واحد، ومن اجل توضيح ذلك نضرب المثل الآتي:
إذا افترضنا ان تكلفة انتاج وحدة واحدة من منتوج (س) يساوي (100) دينار وان كمية الربح الذي يسعى المنتجون تحقيقه يساوي (20) دينار فيفترض ان يكون سعر البيع حتى يتم تحقيق ربح مقداره (20) دينار يساوي (120) دينار. اما في حال حدوث زيادة في تكاليف الانتاج بمقدار (40) دينار ففي هذه الحالة سيضطر المنتجون من اجل تحقيق نفس الربح والذي مقداره (20) دينار فعليهم رفع سعر البيع ليصبح سعر الوحدة الواحدة (160) دينار ووفق المعادلة الآتية:
تكاليف الانتاج + الربح + سعر البيع
ففي الحالة الاولى ستكون المعادلة كما يأتي:
100 + 20= 120 سعر البيع
وفي حالة زيادة تكاليف الانتاج الى (40) دينار فستكون المعادلة على النحو الآتي:
140 + 20 = 160 دينار سعر البيع
فنلاحظ ارتفاع السعر للوحدة الواحدة وهكذا وينتج عن مثل هذا التضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف انخفاض في العرض الكلي من السلع والخدمات مما يخفض منحنى العرض الكلي، ويحتمل ان يتبع ذلك ارتفاع جديد في الطلب النقدي الكلي فترتفع الاسعار مرة اخرى مما يسبب ارتفاع جديد في التكاليف، وباستمرار حدوث ذلك تتولد عملية تضخمية تراكمية نتيجة لتوالي ارتفاع التكاليف، فارتفاع الاسعار فتزايد الطلب الكلي وهكذا ….
2- نظرية التضخم الناشئ عن سحب الطلب:
ان التفسير المتعلق بسحب الطلب ينص على فائض الطلب على السلع والخدمات هو الذي يؤدي الى ارتفاع الاجور والاسعار حيث ان زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات بسبب زيادة الميل للاستهلاك، والذي يحصل نتيجة للتدفق النقدي، بحيث ان المعروض السلعي لا يتناسب مع هذه الزيادة فيحدث اختلالا بين جانبي العرض الكلي والطلب الكلي، مما يؤدي ذلك الى ارتفاع الاسعار، وبعبارة اخرى يمكننا القول (ان نقودا كثيرة تلاحق سلعا اقل) ولهذا يحدث التضخم نظرا لتجاوز الطلب الكلي على ما معروض من سلع وخدمات في المجتمع. فاذا ارتفع الطلب الكلي بسبب زيادة الانفاق الاستثماري او الاستهلاكي مثلا، فان ذلك سينعكس على ارتفاع الاسعار نظرا لعدم امكانية زيادة الانتاج، والمشكلة هنا ان الارتفاع في الاسعار لن تتوقف عند حد معين، لأنه في الوقت الذي ستنتفع بعض الفئات من ارتفاع الاسعار، الا ان غيرهم كالعمال ومن ذوي الدخل المحدود سيتضررون مما يجعلهم يحاولون الحفاظ على مستوى معيشتهم السابق، وهذا يحدث اما بتقليل ادخاراتهم او زيادة انفاقهم الاستهلاكي من دخولهم الجارية او من اكتنازهم ومدخراتهم السابقة او بالاقتراض. ونظرا لثبات حجم الانتاج سيؤدي الى ارتفاع جديد في الاسعار، والاهم من ذلك ان العمال سيحاولون رفع اجورهم لمواجهة الارتفاع في تكاليف المعيشة مما سيؤدي بدوره الى زيادة الطلب الكلي وبالتالي ستعاود الاسعار بالارتفاع.
3- النظرية النقدية:
ان هذه النظرية تنص على ان العرض النقدي هو المحدد الاساس للتضخم، وتتمثل ذلك في ان نمو عرض النقد يؤدي الى زيادة الطلب الكلي الذي يؤدي الى رفع المستوى العام للأسعار فان التفسيرات المتعلقة بالعرض النقدي، تعني ان التضخم ينتج بسبب الافراط الشديد في عرض النقد والذي يؤدي بدوره افراطا شديدا في الطلب الكلي مما يؤثر على القوة الشرائية وما يترتب عليه ارتفاعا متواصلا للأسعار.
ومن ذلك يتبين لنا ان جميع التفسيرات السابقة الذكر وجميع العوامل السابقة لا تعمل منفردة بل ان كل عامل منها يعمل ويتفاعل مع بقية العوامل الاخرى، فجذب الطلب ورفع الكلفة والعامل النقدي تعمل معا وفي نفس الظروف وتؤدي جميعها الى زيادة الاسعار.
كما ان التضخم في البلدان النامية يختلف من حيث اسبابه ومظاهره عن التضخم في البلدان المتقدمة، فهناك اتجاهين يؤديان الى التضخم الاتجاه الاول يمثل التضخم المحلي المرتبط بالعوامل الداخلية المسببة له، والاتجاه الثاني يمثل التضخم المستورد من الخارج بحكم الاعتماد على السلع والخدمات المستوردة كإحدى المكونات المهمة للمعروض المحلي في البلدان النامية التي تعاني من شحة او قصور العرض السلعي مقارنة بجانب الطلب الكلي مما تنعكس هذه الفجوة بصورة تزايد متواصل في ا لمستوى العام للأسعار، كما ان للعوامل النفسية دور مهم ايضا عند تفسير التقلبات التي تحدث في المستوى العام للأسعار.
ومن ذلك يتبين لنا ان جميع التفسيرات السابقة الذكر وجميع العوامل السابقة لا تعمل منفردة بل ان كل عامل منها يعمل ويتفاعل مع بقية العوامل الأخرى، فجذب الطلب ورفع الكلفة والعامل النقدي تعمل معا وفي نفس الظروف وتؤدي الى زيادة الأسعار.
وهذا فعلاً ما يحدث اليوم وفي جميع دول العالم وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على المستوى الاقتصادي وكذلك بسبب العقوبات التي فرضت من قبل أمريكا والدول الغربية على روسيا من اجل محاصرة الاقتصاد الروسي التي أدت الى ارتفاع أسعار النفط والغاز والكثير من المواد الأولية التي تدخل في عملية الإنتاج، هذا اذا علمنا ان أوروبا تعتمد بدرجة عالية جداً على النفط والغاز الروسي وبالأخص المانيا، حيث وصل سعر البرميل الواحد من النفط الخام بنحو (100) دولار، وهذا يعني وحسب نظرية دفع الكلفة الانفة الذكر، أن تكاليف الإنتاج قد ارتفعت بشكل مباشر كون الطاقة (النفط) يعتبر من اهم العناصر الأساسية لتكاليف الإنتاج وكذلك الأجور مما أدى الى ارتفاع الأسعار وطال هذا الارتفاع جميع السلع والخدمات الضرورية لحياة الانسان، ومن المتوقع ان يحدث زيادات أخرى على معدلات التضخم اذا استمرت الحرب الى فترة طويلة والتي بالضرورة ستؤدي الى تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي في العالم، علماً ان الاقتصاد العالمي يتباطأ بشكل حاد حيث كانت نسبة النمو في العام 2022 (3,2%) ومن المتوقع ان تكون (2,9%) في العام 2023، وسيواجه العالم حالة من الكساد الاقتصادي قد تظاهي الكساد الكبير الذي وقع بين (1929 – 1932).
والجدول الاتي يبين توقعات النمو في كل من أمريكا والصين ومنطقة اليورو:
البلد | 2021 | 2022 | 2023 |
أمريكا | 5,7 | 2,3 | 1,0 |
الصين | 8,1 | 3,3 | 4,6 |
منطقة اليورو | 5,4 | 2,6 | 1,2 |
هذا فضلاً عن حجم الكتلة النقدية التي يتم التداول بها على مستوى العالم كله، حيث بلغ اجمالي الدولارات الامريكية الموجودة في العالم حتى شهر أيار 2021 بنحو (20 تريليون دولار).. وهذا يعني هنالك زيادة في حجم الطلب الكلي والذي لا يقابله عرض كلي (سلع خدمات) كافي لسد هذا الطلب مما يؤدي هو الآخر الى ارتفاع الأسعار وبشكل مستمر ومتصاعد..
4- الآثار المترتبة على التضخم
ان من اهم الآثار المترتبة على التضخم ، فيما يتعلق بآثار التضخم على توزيع الدخل القومي والثروة بين افراد المجتمع، حيث يؤدي التضخم الى توزيع الدخل بين افراد المجتمع بطريقة عشوائية حيث ترتفع الاسعار بمعدلات وبسرعة اعلى من استجابة دخول بعض الطبقات في المجتمع ، فعندما ترتفع الاسعار ستؤدي الى انخفاض القوة الشرائية لهؤلاء الافراد الذين لم تتغير دخولهم النقدية او الذين ارتفعت دخولهم النقدية بنسبة اقل من نسبة ارتفاع مستويات الاسعار، مثل الافراد المتقاعدين او ذوي الدخل المحدود، وكما يحدث الان في الدول المتقدمة وبقية دول العالم الثالث والتي تشكوا جميعا من وطأة التضخم . كما ان للتضخم آثار على النشاط الاقتصادي ومن اهم هذه الاثار، هو ضعف القوة الشرائية للنقود مما يقلل من رغبة الافراد على الادخار، كما بنفس الوقت يشجع التضخم على الاستهلاك حيث يفقد المستهلك ثقته بالنقود التي فقدت قوتها الشرائية فلا يحتفظ بها بل يفضل استبدالها بسلع، كما ان التضخم يؤدي دفع رؤوس الاموال للهجرة الى الخارج حيث يتم تحويل رؤوس الاموال الى عملات اجنبية حماية لها، وان التضخم يعمل على ظهور المضاربات في السوق السوداء، ويخلق التضخم اجواء تشاؤمية بحيث يعزف رجال الاعمال عن المشاريع الانتاجية الاستراتيجية مما يؤدي الى تسريح العمال وزيادة البطالة بسبب تراجع الانتاج، ويزداد بذلك عرض السلع الكمالية على حساب السلع الضرورية فضلا عن ان للتضخم آثارا اجتماعية سيئة مما يؤثر على الاوضاع السياسية في المجتمع .
خامساً: سبل معالجة التضخم
من بديهيات القول، ان الطريق السليم لمعالجة أي مشكلة تواجه المجتمعات، هو معالجة الأسباب التي أدت الى حدوث هذه المشكلة….
وأن من اهم الأسباب التي أدت الى ارتفاع الأسعار في العالم هي الحرب في اوكرانيا والعقوبات التي فرضتها أمريكا والدول الغربية على روسيا، لذا ومن اجل كبح جماح التضخم لابد من العمل وبكل الوسائل على إيقاف هذه الحرب وإعطاء لكل ذي حق حقه، لأن استمرار هذه الحرب ستكون لها عواقب خطيرة جداً على الاقتصاد العالمي ومن ثم على البشرية ومن النواحي الاجتماعية والسياسية والأمنية، وستزيد الفقراء فقراً والأغنياء غناً.. وقد تؤدي بالنهاية الى حرب عالمية لا يحمد عقباها. رغم علمي المسبق عن طبيعة الصراع الدولي والقائم بين الصين ومحورها وأمريكا ومحورها من اجل تشكيل نظاماً دولياً جديداً.
ومن السبل المهمة لمعالجة التضخم هو العمل على إعادة النظر بالسياسات المالية والنقدية وبما يؤدي الى الحد من ارتفاع الأسعار وعلى وجه الخصوص بالنسبة للسياسة النقدية والتي تمارسها البنوك المركزية بالعالم، وذلك من خلال تشديد السياسة النقدية واحتواء الديون المتزايدة والعمل على تقليل كمية النقود المطروحة في الأسواق العالمية، وبجميع الطرق المعروفة، ومنها بيع ما لدى البنوك المركزية من سندات حكومية، من اجل سحب النقود من ايدي الذين يحملونها، كذلك زيادة نسبة الاحتياطي لتقليل مقدرة البنوك التجارية في التوسع بالائتمان وعمليات خلق النقود، والعمل على رفع نسبة الفائدة مما لها من أهمية قصوى من جذب المواطنين والمستثمرين على الادخار وسحب كميات كبيرة من النقود من الأسواق. وكذلك الابتعاد عن الاصدار النقدي الجديد، وغيرها من الإجراءات التي من الواجب على البنوك المركزية القيام بها هذا اذا علمنا ان حجم الكتلة النقدية المتداولة في كل دول العالم تجاوزت الـ (70) ترليون دولار امريكي وذلك في العام (2020) وان معظم هذه المبالغ النقدية تتركز في قارة آسيا والتي استحوذت على نسبة (45%) من الإجمالي العالمي، تلتها قارة أوروبا وبنسبة (27%) ثم أمريكا الشمالية بنسبة (20%) وجاءت اليابان في مقدمة الدول من حيث حجم الكتلة النقدية حيث بلغ اجمالي عرض النقود فيها (13,4) ترليون تليها منطقة اليورو بحوالي (12,8) ترليون دولار ثم الولايات المتحدة بـ (12,1) ترليون ثم الصين بقرابة منها (11) ترليون دولار…
هذه الأرقام الهائلة والتي تمثل حجم العرض النقدي في السوق العالمية، تمثل احد اهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية، بحيث اصبح العرض العالمي لا يحاكي الحجم الهائل للطلب العالمي الكلي ولهذه الأسباب اصبح من الضروري جداً العمل على تحجيم الكتلة النقدية وسحب النقود من السوق العالمية من اجل خلق حالة التوازن بين الطلب والعرض!!
اما بالنسبة للسياسة المالية والتي تمارسها وزارات المالية والمؤسسات التابعة لها ان تتخذ إجراءات تستهدف إعادة توزيع الدخل واتباع إجراءات ضريبية وخاصة على ذوي الدخول العالية دون المساس باصحاب الدخول المحدودة، وعلى السياسة المالية ان تتوسع في تحصيل الضرائب والحد من التهرب الضريبي وفرض ضرائب جديدة ورسوم جديدة من اجل تقليص النقود في ايدي افراد المجتمع بحيث ان لا تلامس دخول الطبقات الفقيرة في المجتمع.
فضلاً عن ان تقوم الحكومات في تقليص انفاقها العام من اجل تقليص الطلب الكلي، إضافة الى ذلك ان تتوسع الحكومات في الاقتراض العام الداخلي من المجتمع كي تخفض كمية النقود ودرجة السيولة والطلب على السلع الخدمات، وتقوم الحكومات ايضاً على تأجيل سداد القروض العامة الداخلية في أوقات التضخم.
وعلى الحكومات ان تمارس الرقابة من خلال اتخاذ إجراءات للحد من ظاهرة، التضخم ومن اهم هذه الإجراءات عملية تسعير المواد الأساسية وان تقوم الدول المعنية في دعم المواد الأساسية والضرورية لحياة الانسان وبالامكان استخدام البطاقة التنموية في توزيع السلع الضرورية والعمل على تشجيع انتاجها وتخفيض القيود على الواردات لزيادة عرض السلع من اجل خلق حالة التوازن مع الطلب المتزايد، وان تعمل الحكومات على مراقبة الأجور وعدم زيادتها بشكل عشوائي لان رفع الأجور يجب ان يرتبط بزيادة إنتاجية العمل والنشاط الاقتصادي.
من السياسات التي تحد من ظاهرة التضخم هو العمل على زيادة الدخل الحقيقي وليس الدخل النقدي مما يؤدي الى تخفيض الكتلة النقدية داخل المجتمع.
وختاماً فأن جميع هذه الإجراءات التي تم أقتراحها تسعى جميعها الى خلق حالة التوازن بين الطلب الكلي المتزايد بسبب تزايد الانفاق الحكومي والخاص دون ان يقابله سلع وخدمات كي تحاكي هذا الطلب.
أن هذا الإجراءات سوف لا يكتب لها النجاح اذا استمرت الحرب الأوكرانية والتوترات والصراعات الدولية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط واذا لم يتحقق استقرار ولو نسبي في هذا العالم المتلاطم، والا سوف تعاني شعوب العالم في زيادة نسبة البطالة والفقر والجوع وستزداد معاناة شعوب العالم بشكل خطير جداً بسبب فقدان الغالبية العظمى دخولهم مقابل استمرار ارتفاع المستوى العام للأسعار التضخم وبشكل تصاعدي مما سيقودنا الى الدمار الشامل..