الحرب الإسرائيلية الإيرانية: غموض وتداعيات

في منتصف الشهر الماضي قامت طائرات مجهولة بدون طيار بقصف معسكر تابع للحشد الشعبي اللواء 16 في منطقة “أمرلي” في العراق، وقد أدى ذلك إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة لم يعلن عنها،  ومنطقة “امرلي” تابعة إلى محافظة صلاح الدين، وهي أقرب إلى مدينة “كركوك” منها إلى مدينة “تكريت”، وسكانها الأصليين هم خليط من قبائل “البيات” العربية وقبائل تركمانية وقبائل عربية أخرى، وقد قام الحشد الشعبي بتطهير عرقي لمدينة أمرلي من معظم سكانها العرب والتركمان، في حملة طائفية، وأحل محل السكان الأصليين خليط من داخل وخارج العراق، وذلك خلال الحرب من تنظيم داعش الإرهابي، ومنذ ذلك الوقت تمت إقامة معسكرات للحشد الشعبي،  لقد أثارت تلك الضربة تساؤلات كثيرة عن الفاعل، وكعادتها فإن الأجهزة الحكومية العراقية ادعت أن طائرة بدون طيار قامت بقصف المعسكر، وبعد تلك الضربة لاحظ السكان المدنيون المحيطون في معسكرات ومخازن الحشد الشعبي في بغداد حركة شاحنات كثيرة تنقل معدات عسكرية، وتعمل على مدار الساعة، وقد تبين فيما بعد ما كانت تنقله تلك الشاحنات، وهي صواريخ وأسلحة وذخائر إيرانية كانت مخزونة في أماكن غير آمنة، وكانوا يعتقدون أن معسكرات ومخازن الحشد الشعبي ستكون أكثر أمانا، لكن المفاجأة التي حدثت قبل  أسبوعين ومازالت مستمرة، هي تعرض معسكرات ومخازن تابعة للحشد الشعبي لضربات كثيرة أدت إلى انفجارات هائلة وتناثر المتفجرات والشظايا في المناطق السكنية المحيطة بتلك المخازن، ما أدى إلى قتل وإصابة الكثير من السكان المدنيين، وهنا لم تتمكن أجهزة الإعلام والمسؤولين العراقيين من إلصاق التهمة بتنظيم داعش الإرهابي، لأن حجم الضربات الهائل فوق إمكانيات داعش ويرقى إلى إمكانات دول، وأول تصريح صدر عن مسؤول في الميليشيات الطائفة يقول أن طائرات مجهولة قامت بضرب مخازن تحتوي على أمانة لدولة جارة قد استأمنتها عندنا في تلك المخازن، وهو يقصد صواريخ إيرانية كانت مخزونة في تلك الأماكن ومباشرة صدر تصريح لزميل ذلك المسؤول يقول: “يجب على العراق تعويض الدولة الجارة عن الخسائر التي لحقت بالمواد التي تم قصفها”، وتناثرت التصريحات بعد ذلك، فمنهم من قال أن الطائرات بدون طيار كانت تطير من القاعدة الأميركية في التاجي شمال بغداد وتقصف المخازن، ومنهم من قال أن تماس كهربائي أدى إلى حرائق وانفجار الأسلحة، لكن تلميحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبوع الحالي قطعت الشك باليقين، وتأكد الجميع بأن  الطائرات الإسرائيلية هي من قامت بقصف مخازن السلاح في داخل مدينة بغداد ما تسبب في خسائر بشرية ومادية في صفوف المدنيين والعسكريين العراقيين، ووفاة أربعة عسكريين يحملون الجنسية الإيرانية، (لغاية تاريخ كتابة هذا المقال لم يصدر بيان رسمي عراقي حول الموضوع)، في المقابل تجاهلت معظم وسائل الإعلام العالمية هذا الخبر، وهذا يعطي مؤشراً خطيرًا في التعمد في تجاهل مثل هذه الأخبار من قبل وكالات الأنباء العالمية، وهذا يفتح باب النقاش حول عدالة وكالات الأنباء العالمية والانتقائية وتظليل الجمهور.

إن الصراع الإسرائيلي الإيراني والضربات الجوية ليست جديدة فمنذ سنوات تقوم الطائرات الإسرائيلية وباعترافات رسمية بقصف مخازن أسلحة تابعة لإيران وحزب الله اللبناني في سوريا، وتصدر بيانات سورية فيها الكثير من العنتريات والقليل من الحقائق وأما انتقال تلك الحرب إلى العراق فهو الجديد في الموضوع وفوضى التصريحات في العراق، حيث يصدر في يوم واحد مئات التصريحات في وقت واحد لأشخاص لديهم مناصب رسمية ودينية!  وهذا جعل المواطن العراقي لا يعرف الحقيقة! وقد  تعود ذلك المواطن المسكين على ضياع الحقيقة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003 لغاية الآن، بعد أن دخل في دهاليز حرب هوليوود الإخبارية، التي تم اعتمادها كجزء من الحرب النفسية ضد نظام صدام، والتي أصبحت منهجاً عاملاً للإعلام العراقي، وهذا ما يزيد من الفوضى والتخبط لديه، ما يضاعف المعاناة بغياب الخدمات الأساسية وبروز الظاهرة الدينية والقصص الخرافية التي أخذت تسيطر على عقول الناس، إذن إسرائيل هي من تحارب إيران في العراق وإسرائيل هذه من الممكن أن تحارب إيران في مناطق نفوذ إيرانية أخرى مستقبلا ًكاليمن أو لبنان وقطر مثلاً، فماذا سيكون رد الفعل الشعبي اليمني إذا استيقظوا في منتصف الليل على انفجارات قد يقولون أنه من التحالف العربي، لكن المضحك لو قامت إسرائيل بإرسال طائرات مسيرة لقصف مخازن أسلحة الحرس الثوري في الدوحة،  عندها ماذا سيكون رد فعل دولة قطر، وكيف ستفسر قناة الجزيرة بنسج قصص خيال حول تلك الضربات ؟ ومن الطبيعي أن تقول قطر حينها أن المملكة العربية السعودية من أرسل الطائرات المسيرة لقصف الدوحة، أو أن تقول بأن المواطنين القطريين من أبناء القبائل ممن ابعدوا إلى السعودية من قام بإرسال الطائرات المسيرة لقصف الدوحة وبدعم سعودي.

مقالات ذات صلة

إن القانون الدولي واتفاقيات جنيف المتعددة بخصوص الحرب والخسائر الناتجة عنها، تحمّل مسؤولية الدول التي تحارب على أراضي الغير مسؤولية الخسائر المادية والبشرية والأخلاقية، وقد اعتمدت محكمة نورنبيرغ في ألمانيا لمحاكمة النازيين في الحروب التي شنتها ألمانيا النازية على دول الحلفاء، وعلى أراضي دول أخرى  اتفاقيات جنيف المتعددة، وتفاصيل العقوبات والتعويضات التي مازالت تدفعها ألمانيا، فأين نحن من دولتين سجلهما قد امتلئ بالجرائم وهما إسرائيل وإيران؟

إن العالم سيتحمل العبء القانوني والأخلاقي للسكوت على تلك الحرب التي تتنقل من دولة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر، وتقتل المدنيين الأبرياء من رعايا دول ليس لهم علاقة بالموضوع، في حين أن الدولتين المتحاربتين في مأمن عن أي خسائر، فلا يموت إسرائيلي ولا إيراني، وكل هذه الجرائم العبثية في بلدان أخرى يغفل عنها مجلس الأمن، لأنها تقع في خانة المجهول، فلا الحكومة السورية ستقدم شكوى لمجلس الأمن على إسرائيل لأنها قتلت مواطنيها ولا تقدم شكوى على إيران التي قامت بخزن ذخائرها في أراضيها، لأن الحكومة السورية متورطة في حرب قذرة جرت إليها دول متعددة لتكون سنداً لها، ولا حكومة المنطقة الخضراء في بغداد ستقدم شكوى على إسرائيل لأنها قتلت مواطنيها أو على إيران لأنها قامت بخزن أسلحة وذخائر في أراضيها  لأن تلك الحكومة هي حكومة إيرانية بأسماء مستعارة .

الغريب أن حروب الطائرات المسيرة قد تطور تدريجياً ومن طرف واحد فقط، فالحوثيين يرسلون طائرات إيرانية مسيرة لضرب أهداف مدنية كالمطارات والمدن ومنشآت البترول، ودول التحالف العربي لا ترسل لهم طائرات مسيرة لتقصفهم في مناطق متعددة من اليمن يتواجدون فيها، وذلك حفاظا على أرواح المدنيين اليمنيين، والإسرائيليين يرسلون طائرات مسيرة لقصف أهداف إيرانية في سوريا والعراق، ولا أحد يرسل لهم طائرات لقصفهم، وتقوم حركة حماس بإرسال طائرات ورقية لضرب إسرائيل، وتدعي أن تلك الطائرات الورقية تسبب إزعاجا للإيرانيين.

إن سياسة إيران التوسعية العدوانية قد جرّت المنطقة إلى فوضى ودمار، وتسببت بخسائر عديدة فإسرائيل التي تقصف مخازن أسلحة إيران في كل مكان، يمكنها ضرب إيران مباشرة وإيقافها عند حدها وإنهاء المشكلة الإيرانية وإنقاذ الشعب الإيراني من حكم الملالي، لكن إسرائيل  لن تضرب إيران، فمن مصلحة إسرائيل أن تبقى إيران تثير الحروب والفوضى في المنطقة، ما ينعش سوق السلاح العالمي ويبقي أغنى منطقة في العالم قلقة وغير مستقرة ومشغولة بالحروب بدلاً من التنمية والتقدم، وبالمقابل فإن التهديدات الإيرانية لإسرائيل من عام 1979 لغاية الآن لم تسفر عن قتل إسرائيلي واحد، ولم تحصل مواجهة واحدة بين الطرفين، والحرب التي تشنها إيران على إسرائيل هي حرب طاحنة ساحتها الصحف ومحطات التلفزيون .

بسام شكري

باحث وكاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى