الحرب النفطية

آ.د محمد طاقة

يعيش العالم اليوم تداعيات الحرب البايولوجية وما لها من آثار أقتصادية خطيرة جداً, ونتفاجأ بحرب نفطية ستزيد من تأزم الاوضاع السياسية والاقتصادية, وتسير بنا هذه الاوضاع الى حافة حرب عالمية لا يحمد عقباها.
أن الولايات المتحدة الامريكية وبعد أنهاء المنظومة الشيوعية بأسرها, أنفردت بالعالم وهي تملك كل الوسائل العلمية التقنية والعسكرية والاقتصادية الهائلة التي تمكنها من نشر نفوذها, والهيمنة على الكرة الارضية وتحقيق عولمتها دون أن يقف أمامها أحد.
حتى تتمكن أمريكا من تحقيق أهدافها هذه.. كان عليها أيقاف ظهور قوى سياسية وأقتصادية وعسكرية تنافسها وتقف بالضد منها, من هذه القوى هي أوروبا موحدة والصين وروسيا.
ومن المعروف أن جميع هذه القوى تعتمد على النفط بشكل أساسي في تنمية أقتصادياتها وهي تستورد من الطاقة بحدود 95% من منطقة الخليج العربي … وبالاخص الصين واوروبا..
وعلى هذا الاساس يصح القول أن من يسيطر على النفط ومنابعه يسيطر على العالم.
ومن هنا تكمن الاهمية الاستراتيجية للنفط ودوره في تحديد السياسات العامة للدول العظمى.. فلا يوجد خيار أمام امريكا لتحقيق اهدافها ألا بالسيطرة على منابع النفط الرئيسية الموجودة في منطقة الخليج العربي والعراق, وكان النفط أحد الاسباب الرئيسية لاحتلال العراق.
ومما تقدم تتبين الاهمية الاستراتيجية للنفط بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية, والتي تسعى بكل الوسائل للحفاظ على مبدأ استمرار تدفق النفط اليها وبأقل الاسعار والذي يحقق أهدافها المرسومة من اجل الهيمنة على اقتصاديات العالم.
وهنا تكمن اهمية النفط كونه سلعة نادرة ومحدودة العمر, فضلاً عن كونه مادة أساسية لتوليد الطاقة التي تدخل في صلب العملية الانتاجية, فهي ضرورية لاستمرار الحياة. فعلى هذا الاساس تعاملت امريكا مع النفط وربطته بأمنها القومي ومستوى رفاه الشعب الامريكي.
وبدأت العمل على السيطرة على منابع النفط ووضعت الاليات الكفيلة لتحقيق هذا الهدف.
ومن هنا يمكننا القول أن ما يجري في السوق النفطية من حيث تحديد سقوف الانتاج وكذلك الاسعار, لن تخضع للعوامل الاقتصادية فحسب وانما اصبحت العوامل السياسية والعسكرية, تلعب دوراً اساسياً ومهماً في تحديد أسعار هذه المادة الاستراتيجية والحيوية بحيث أصبح قانون العرض والطلب تأثيره نسبي على ذلك.
أي بمعنى أن قانون العرض والطلب لم يفعل فعله تلقائياً وأنما يتحرك بعوامل سياسية ضاغطة وبناء على هذه المعطيات ولوترك لقانون العرض والطلب أن يفعل فعله تلقائياً لكانت الاسعار تأخذ اتجاهاً تصاعدياً… بسبب زيادة الطلب على هذه المادة الاستراتيجية.
وبما أن السعودية تمتلك اعلى احتياطي نفطي عالمي قد يصل بحدود 250 مليار برميل وتمتلك قدرة تصديرية تصل بحدود 14 مليون برميل في اليوم وبسبب تأثيراتها على منظمة أوبك وعلى التزاماتها بالسقف الانتاجي المحدد لها وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية, تمكنت السعودية أن تلعب دور ( المنتج الموازن ), أي المنتج الذي يتحكم بالاسعار ويوازنها صعوداً ونزولاً لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.
وهي بذلك تصبح السعودية هي قائدة للاسعار ( preice leader ).
لكن دخول روسيا كثاني اكثر منتج للنفط بعد السعودية في العالم في منظمة أوبك, أثر على دور السعودية كقائده للاسعار.. وبدأ صراعاً داخل أوبك بين السعودية المدعومة أمريكيا وروسيا لمدعومة من قبل الصين, حول تحديد سقف الانتاج ومن ثم تحديد الاسعار, فأن هذه المشكلة لا تخرج على الاطلاق من أطار الصراع القائم بين القوى العظمى من أجل تشكيل نظام دولي جديد.
أن انخفاض الاسعار الى حوالي 33 دولار للبرميل الواحد, وبسبب عدم الالتزام بسقوف الانتاج المتفق عليها في منظمة أوبك, سوف يكون له آثاراً أقتصادية كبيرة, فضلاً عن الاثار التي تتركها الحرب البايولوجية المتمثلة بوباء كورونا والتي ستؤدي الى تراجع في النمو الاقتصادي العالمي بشكل عام.
أن المتضررين من هذا الانخفاض هم الدول المنتجة للنفط وعلى وجه الخصوص العراق اما الدول المستهلكة للنفط ستستفيد من فروقات الاسعار التي حدثت ((علماً أن اوروبا تستهلك بحدود 27% من استهلاك النفط العالمي واليابان تستهلك بحدود 20‎%‎وأمريكا تستهلك 23‎%‎من الاستهلاك العالمي )) وكذلك ستستفيد الدول المنتجة للنفط التي تستورد كميات اضافية لسد حاجاتها كالولايات المتحدة الامريكية كونها تستورد يومياً بحدود (5) مليون برميل لسد حاجتها من النفط, وأن حاجة امريكا للنفط وزيادة أستيرادها بسبب التطور العلمي التقني الذي حدث خلال السنوات الماضية وهو مستمر وبشكل يومي مما يجعل زيادة الطلب على النفط حاجة ملحة لامريكا.
هذا اذا علمنا ان تكلفه أنتاج برميل من النفط من الصخر الزيتي تصل بحدود 50 دولار, وهذا يعني تضرر الشركات التي تنتج الزيت الصخري. وبمعنى آخر من الناحية الاقتصادية هبوط الاسعار يفيد الاقتصاد الامريكي من جهة ومن جهة أخرى يؤثر سلباً على الشركات المنتجة للنفط الصخري.
ومن الجدير بالذكر وكنتيجة لانتشار فايروس الكورونا هبط الاستهلاك في أوروبا وبقية دول العالم الى درجة كبيرة جداً بسبب أيقاف الحياة بشكل شبه كامل ففي الصين انخفض الاستهلاك بحدود ثلاثة(3) مليون برميل باليوم. ففي هذه الحالة وبسبب أنخفاض الطلب الكلي على النفط, او ليس من المنطق ان يقابل ذلك تحديد لسقف الانتاج للحفاظ على سعر توازني يفيد جميع الاطراف البلدان المنتجة والمستهلكة للنفط والذي يجري هو عكس المنطق الاقتصادي بسبب العامل السياسي.. لان من مصلحة المنتجين الذين يبحثون عن مصالح بلدانهم الاقتصادية أن يحددوا سقفاً للأنتاج يضمن لهم ايرادات مناسبة يحققون بها نموهم الاقتصادي.
لذا فأن النفط المخزون في باطن الارض أفضل من ذلك المصدر خاماً, وذلك لان النفط في مكمنه, الطبيعي سيحقق في المستقبل سعراً اكثر ارتفاعاً بكثير من ذلك الذي نبيعه حالياً, وما هو أهم, فأن النفط المحتفظ به في مكمنه سيجده العرب بأنتظارهم وبشكل ويوفر لهم الامن في الحقب المقبلة عندما تدخل المنطقة العربية مرحلة التصنيع. ويبقى النفط ذخراً للاجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى