الحدود البحرية
تضاف إلى أرض الإقليم رقعة الماء التي تحاذي سواحله (إذا كانت الدولة مطلة على البحر) إلى أي مدى يقره القانون الدولي وتسمى المياه الإقليمية، ويضاف أيضا الفضاء الجوي الذي يعلو الأرض والماء ويسمى (الفضاء الجوي الإقليمي)، وتشغل الحدود البحرية بالنسبة للدول التي لها سواحل جانبا مهما في الدراسات القانونية، بسبب أهمية تلك الحدود في رسم المصالح المباشرة في استغلال الثروات، وكذلك كطرق للمواصلات بين الدول ذلك أن النقل البحري ما زال من أقل أجور النقل كلفة، فضلا عن وجود الأساطيل الحربية للدول الكبرى التي تجوب أعالي البحار في عملية استعراض للقوة وفرض الهيمنة على الممرات الدولية، وهذه الأهمية هي التي دفعت بالأسرة الدولية لتنظيم تلك الحقوق باتفاقيات تحدد حقوق الدول وواجباتها، وخاصة بعد أن شهدت مناطق كثيرة من العالم تضاربا في المصالح وعجزا عن التوفيق فيما بينها، وخاصة نتيجة البحث عن فرص مد النفوذ إلى أوسع بقعة على سطح الأرض، سواء من خلال إقامة القواعد البحرية الثابتة، أو عبر نشاط الأساطيل الأجنبية على مقربة من المياه الإقليمية، ويختلف فقهاء القانون الدولي في تقسيم البحر من الناحية القانونية من ثلاثة أجزاء إلى خمسة :
1 – المياه الإقليمية: ولها نظامها القانوني الخاص بها، وهو ذلك الجزء من البحر الملاصق لليابسة ويمتد لمسافة تختلف من بلد لآخر، وتحديد هذه المسافة يرتبط بالخطط المعدة لمنع وصول الأساطيل الحربية للدول الأخرى من السواحل الوطنية، وإلى حماية الثروات الطبيعية التي يمكن أن تتوفر عليها أعماق الأرض تحت المياه الإقليمية، من الاستغلال من قبل دول أخرى، إضافة إلى حماية الثروة السمكية من الصيد الجائر، فبعض الدول تمدها لمسافة تصل إلى 12 ميلا بحريا وهو ما تعتمده معظم دول العالم، وهناك دول بالغت كثيرا في مد مياهها الإقليمية لمسافة 200 ميل بحري كالولايات المتحدة الأمريكية وتشيلي وبيرو والأكوادور، وترتبط قضية المدى الذي تصل إليه المياه الإقليمية بقدرة البلد العسكرية على فرض احترامها على الدول الأخرى، وإلا تعرضت لسخرية من الدول الأخرى وفقدانها لهيبتها ومصداقيتها، بسبب الانتهاكات التي ستتعرض لها هذه المياه من دون أن تتمكن من وقفها، فحماية المياه الإقليمية يصبح أكثر تعقيدا، كلما توسع مداها ويحتاج إلى قوة بحرية مناسبة لحماية تلك المياه، في وقت تتبارى الدول جميعا من أجل استغلال الثروات الطبيعية المغمورة تحت قيعان البحار وخاصة النفط والغاز، مع تطور أساليب الاستكشاف وتوفر منصات حديثة ومتطورة وعملاقة لحفر الآبار البحرية، ونتيجة الارتفاع المتزايد في أسعار النفط، مما بات يشكل عبئا كبيرا على ميزانيات الدول الفقيرة واضطرارها للبحث عن مصادر للطاقة خاصة بها ومضمونة، وهذا ما دفع بها إلى البحث عن مصادر الطاقة في المياه البحرية المواجهة لسواحلها، مما سيعني فتح الأبواب لنزاعات طويلة وشائكة ما لم تتدخل الأمم المتحدة في رسم خارطة طريق الانتفاع بالثروات الكامنة في أعماق البحار العالية، هذا غير حقوق الصيد التي أثارت منازعات مختلفة بين الدول.
أن التطور الحاصل في الأساطيل البحرية للدول الكبرى من جهة، وأزمة الغذاء التي تتطلب التوسع في البحث عن مصادر الصيد البحري، جعلت من المياه الإقليمية شعارا غير قابل للتطبيق في كل الأحوال وخاصة أثناء الأزمات، وقد وقعّت دول تمتلك سواحل غنية بالثروة السمكية اتفاقيات لحمايتها من تجاوزات أساطيل الدول البحرية التي تمتلك أساطيل متطورة، ولكن الثروة السمكية للدول الصغيرة ظلت عرضة للسطو المنظم من جانب الدول الأكبر أو الدول التي تمتلك أساطيل للصيد البحري، والتي تمتلك قوات بحرية قادرة على توفير الحماية لسفن الصيد التي تعمل في أعالي البحار، أو في شواطئ الدول التي لا تمتلك سفن صيد حديثة قادرة منافسة الدول الأكثر تقدما، وأهمها اتفاقيات موريتانيا بهذا الخصوص مع فرنسا واسبانيا ودول أخرى.
2 – الجرف القاري: وهو الجزء من البحر الذي يلتصق بالمياه الإقليمية مباشرة وقد يصل إلى عمق 200 متر تحت سطح الماء، وأول اتفاقية أخذت بفكرة الامتداد القاري، هي الاتفاقية الموقعة بين بريطانيا وفنزويلا عام 1942م، بخصوص خليج باربا وقد تم بمقتضاها تقسيم الخليج المذكور إلى قسمين تباشر كل دولة منهما حقوق السيادة والاشراف على الجزء الخاص بها، وبلغ حق كل دولة بموجب الاتفاقية المذكورة 25 ميلا، وقد حدد المؤتمر الدولي للبحار لعام 1977م، الجرف القاري على النحو التالي (يتألف الامتداد القاري لأية دولة ساحلية من قاع البحر، وباطن أرض القاع المغمورة التي تمتد وراء بحرها الإقليمي، وفي جميع اتجاهات الامتداد الطبيعي البري لإقليم تلك الدولة، حتى الحد الخارجي للحافة القارية، أو إلى مسافة 200 ميل بحري من الخطوط الأساسية التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي، إذا لم تكن الحافة القارية تمتد إلى تلك المسافة)، وإذا لم تكن الدول قادرة على حماية مياهها الإقليمية وجرفها القاري بقوتها الذاتية، فأن عليها البحث عن وسائل بديلة لضمان ذلك، وخاصة توقيع اتفاقيات ثنائية أو جماعية لحماية الثروات الموجودة في أعماق قاع الجرف القاري، أو الثروة السمكية في مياهه، ومنع خرق سيادتها الوطنية المفترضة، ويمكن إدراج ما تسمى بالمناطق الاقتصادية إلى المياه الإقليمية والجرف القاري، بحيث تتداخل مع المياه الدولية، وعادة ما تكون الثروات في هذه المنطقة حقا مشاعا بين الدول المطلة عليها، على وفق ما ترتبه شواطئها من حقوق لها، غير أن الدول الأكثر تطورا من الناحية التكنولوجية والأكثر قوة، ستستحوذ على الثروات الطبيعية في هذه المناطق، وتترك خلفها الدول الضعيفة والمتخلفة في مجال التكنولوجيا وخاصة تكنولوجيا الاستكشاف والحفر في أعماق البحار، ولا تمنحها شيئا تعتبر نفسها أنفقت الأموال من أجل الحصول عليه، وتعتبر حقول الغاز الطبيعي في المنطقة البحرية الاقتصادية في البحر الابيض المتوسط، والتي تقع بين شواطئ لبنان وفلسطين المحتلة وجزيرة قبرص، مثالا للنزاع غير المتكافئ بين دول لا تلتزم بالقانون الدولي ولا تُعير له وزنا، ودول تحترم هذا القانون، فقد باشرت إسرائيل بالتنقيب عن الغاز في ثلاثة حقول وهي (ليفياتان وتامار وداليت)، على الرغم من أن الحكومة اللبنانية كانت قد أودعت خرائط بحرية تؤكد أحقيتها بغاز المنطقة المتنازع عليها، مما يؤكد أن أعالي البحار ملك مشاع للأقوياء أو للقوى التي لا تُقيم وزنا للمواثيق والأعراف والقوانين الدولية التي كانت طرفا فيها.
3 – أعالي البحار: عرّفت المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1958م، أعالي البحار بأنها تشمل جميع أجزاء البحر والتي لا تُعد من المياه الداخلية لأية دولة، ومنذ صعود الدول البحرية الكبيرة وامتلاكها أساطيل حربية قوية كالولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا واليابان، أصبحت أعالي البحار أشبه ما تكون بالبحيرات الوطنية لتلك الدول، تستغل ثرواتها في قيعان البحار وفي مياهه, وتسيّر فوق مياهها أساطيلها الحربية لشن الحروب حيثما تطلب الأمر ذلك، وتتحرك أساطيل صيد الأسماك لتلك الدول مدعومة بقوة الأساطيل الحربية وقوة دولها السياسية والاقتصادية والعسكرية دون أي التزام بالمعاهدات الدولية التي كانت قد وقعتها، وبدأت تثور في الأوقات الأخيرة، مشكلة التلوث الناتج عن حركة السفن مختلفة الأغراض والأحجام والأوزان، مما يؤثر على الحياة الطبيعية في هذه المناطق غير الخاضعة للرقابة الدولية المحايدة، وعلى الرغم من أن أساليب استثمار الثروات الطبيعية من باطن الأرض الواقعة تحت قاع تلك البحار لم تعالج حتى اليوم بمعاهدات واتفاقيات دولية ملزمة، ألا أن توازنات القوة العسكرية تؤكد أن تلك الثروات التي لم تستكشف حتى الان ستبقى حكرا على الدول الكبرى فقط، وعلى الرغم من أن حروبا بحرية شاملة لم تسجل في البحار العميقة بين أساطيل الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الواقع يشير إلى أن التنافس على الثروات البحرية المشاعة دَخَل أو على وشك أن يدخل مرحلة في غاية الخطورة على الأمن والاستقرار في العالم، وكذلك على البيئة نتيجة ما تلقيه تلك الأساطيل من مخلفات ملوثة.
هناك دول لا تمتلك إطلالة بحرية على الإطلاق وهي الدول الداخلية، وهذا يضعف مركزها التفاوضي مع جيرانها بشأن تجارتها الخارجية، ويفرض عليها تقديم تنازلات من أجل أن يسمح لها جارها أو جيرانها البحريين، تسهيل تبادلاتها التجارية الخارجية، وتشكل أفغانستان مثلا على هذا الصنف من الدول، وهناك دول تمتلك إطلالة بحرية محدودة، أو على بحار أو خلجان محلية، مما يحصر نطاق تبادلاتها التجارية في موانئ وممرات محددة لا تستطيع تجاوزها، وربما يمثل العراق أبرز نموذج لهذا الطراز من الدول، ومع ذلك فإن إيران التي تمتلك سواحل طويلة على الخليج العربي وهي سواحل تعود لإقليم الأحواز الذي انتقلت ملكتيه إلى إيران عام 1925بموجب خطة بريطانية لتقوية مكانة إيران على حساب دول الإقليم، وعلى بحر العرب وهي جزء من إقليم بلوشستان، غير ما تمتلكه من سواحل على بحر قزين المغلق، ظلت تحارب حقوق العراق البحرية لا سيما في شط العرب بكل ما لديها من مكر أو تسخر أدوات محلية لإضعاف العراق في مواجهتها.
ثم جاء دور مشيخة الكويت لتسخر موقف الدول الكبرى المضادة للعراق وترسم مسارات جائرة لحدود العراق البرية والبحرية، ولم تتوقف الكويت عن سياسة الحاق الأذى بالعراق مستندة إلى حالة اللادولة التي يعيشها العراق منذ الاحتلال الأمريكي الأطلسي الإيراني عام 2003، فكانت تقضم المزيد من الاطلالات البحرية الصغيرة أصلا، وتضيفها إلى رصيدها المغتصب الجائر، ظنا منها أن موازين القوى ستبقى على ما هي عليه إلى الأبد.