الحدود الجوية
وهو الهواء الذي يعلو إقليم الدولة، وهناك ثلاث نظريات بشأن هذه الحدود وهي: –
1 – نظرية حرية الهواء الذي يعلو إقليم الدولة، ويرى المؤيدون لهذه النظرية أن المجال الجوي لا يخضع لسيادة دولة من الدول بل هو متاح للجميع.
إن تطور تكنولوجيا الصواريخ العابرة للقارات والتي تستطيع الوصول إلى أهدافها البعيدة وتصيبها بدقة متناهية، وكذلك وضع الآلاف من الأقمار الصناعية في مدارات ثابتة حول الكرة الأرضية لمختلف الأغراض كالتجسس والاتصالات ومراقبة الأنواء الجوية، يجعل من المستحيل على معظم دول العالم وخاصة الدول الصغيرة أو الضعيفة حماية أجوائها من سطوة الدول الكبرى، وخاصة في أعالي الفضاء الخارجي المحيط بها، أو منع حركة هذه التوابع المخصصة للتجسس أو للاتصالات من الدوران فوق أجوائها، ومعلوم أن الكلف المرصدة لما يسمى بالدرع الصاروخية تنوء بها حتى الاقتصادات الكبرى في العالم بما فيها الاقتصاد الأمريكي، ولو أن الأمر يرتبط بحركة الطيران المدني التجاري فقط لكان ممكنا من الناحية النظرية لكل الدول أن تضمن سلامة أجواءها، ليس بقوة السلاح وإنما بقوة الاتفاقيات الدولية الملزمة للدول الموقعة عليها والموثقة لدى الأمم المتحدة .
2 – نظرية السيادة المقيدة: ويرى أنصار هذه النظرية أن سيادة الدولة تمتد إلى ارتفاع معين من إقليمها، أما ما يعلو ذلك فهو حر لجميع الدول، يمكن أن تكون هذه النظرية أكثر قبولا لأنها واقعية وممكنة التطبيق من الناحية العملية، شريطة أن تستند إلى اتفاقيات دولية جماعية ملزمة للدول الموقعة عليها، وتحظى برعاية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وكذلك دعمها من جانب الأمم المتحدة، وفي هذه الحالة فقط يمكن ضمان احترامها من قبل الدول الأعضاء في المنظمة العالمية، وفي حال خرقها من أي طرف يجب فرض غرامات محددة، أو اتخاذ تدابير مانعة من تكرار الخرق لضمان احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وصيانة أجواء الدول غير القادرة على حماية أجوائها بقدراتها الذاتية من التجاوز وإدخالها في نزاعات لا مصلحة لها فيها، ويمكن الاستدلال على أن الدول لا تستطيع حماية نفسها من الخرق لأجوائها في الفضاء العالي، أن الولايات المتحدة لم تنجح حتى اليوم في اختبارات ما تسمى بالدرع الصاروخية لحماية أجوائها من ضربات غير محسوبة، فإذا كان هذا حال بلد كالولايات المتحدة فكيف سيكون حال الدول الأقل تطوراً؟
3 – نظرية السيادة المطلقة للدولة على ما يعلو إقليمها من هواء مهما ارتفع: وهذه النظرية ومهما استندت على أسس قانونية، فإنها من الناحية العملية غير قابلة للتطبيق، ولا يمكن لأية دولة في عالم اليوم أن تفرض سيادتها المطلقة على أجوائها مهما ارتفعت، فالأجواء ليست مهيأة لإقامة خطوط دفاعية، ثم إن هذا المبدأ لا يمكن ضمانه في كل الأوقات، لأن الدول الكبرى التي تريد توجيه صواريخها لضرب أهداف محددة في دول أخرى، لا تنتظر أخذ إجازة من دول صغيرة كي تقوم بذلك، أو إذا تعرض أمنها القومي للخطر، فإنها ستبادر لاستخدام صواريخها في ضرب أهداف محددة في دولة معادية، عبر أجواء دولة ثالثة أو دول متعددة، ولا يُتوقع منها أن تأخذ رخصةً من دولة ما، من أجل السماح لصواريخها بالمرور عبر أجوائها لضرب دولة ثالثة، وهذه الصواريخ، لا بد أنها ستمر بأجواء دول ظلت تقدم افتراضات غير واقعية عن سيادتها على أجوائها، ولا يمكن تطبيقها عمليا، حتى لو اعترضت أو قدمت شكاوى للدولة التي انتهكت سيادتها بصورة مباشرة، أو قدمت شكوى لدى الأمم المتحدة، لأن قدرتها على فرض سيادتها المطلقة على أجوائها، تبقى خاضعة لعوامل كثيرة تخرج عن قدراتها الذاتية.
إن ما جرى خلال الحرب العدوانية التي قادتها الولايات المتحدة على العراق، سواء في عام 1991م أو في عام 2003م، يُعطي الدليل القاطع على سقوط نظرية السيادة المطلقة على الأجواء الإقليمية، بما فيها الهواء العالي، فماذا فعلت الدول التي مرت الصواريخ الأمريكية فوق أجوائها؟ والتي كانت قد أُطلقت من بوارج أو غواصات تابعة لأسطول الأمريكي في البحر الابيض المتوسط أو البحر الأحمر باتجاه الأراضي العراقية؟ هذا في حال افترضنا أن تلك الدول، غير راضية عن استخدام أجوائها لضرب العراق، وهل كانت تستطيع الاحتجاج على مرور الصواريخ الاستراتيجية فوق أجوائها، فيما لو كانت غير موافقة أصلا؟ وإذا فعلت ذلك هل يمكن أن تحقق شيئا ملموسا من وراء ذلك الاحتجاج؟ بل ماذا فعلت الولايات المتحدة في السابق وماذا تفعل اليوم وهي ترصد المئات من أقمار التجسس السوفيتية سابقا والروسية حاليا، تمسح أجواءها على مدار الساعة؟ وهل تستطيع من الناحية السياسية إسقاط واحد منها؟ وما هي عواقب مثل هذا الفعل وتأثيراته على العلاقات الدولية والسلام العالمي القلق؟ وهل هي راغبة في إشعال فتيل حرب في الفضاء الخارجي؟ وما هو رد الفعل الروسي تجاه الأقمار الصناعية الأمريكية التي تحلق في أعلي الفضاء لا سيما فوق أجواء روسيا، فالولايات المتحدة تمتلك عددا مماثلا أو أكثر من أقمار التجسس الروسية، وهذا الكم الكبير من أقمار التجسس الأمريكية يحلق في الأجواء الروسية وأجواء الدول الأخرى من دون استئذان منها، ولو أن الدول عبّرت عن سخطها على وجود أقمار صناعية تجوب فضاءها الخارجي، وحولت هذا السخط إلى تدابير وإجراءات دفاعية، فهل هي قادرة على تحقيق كسب حقيقي من خطواتها تلك؟ ذلك أن الفضاء الخارجي سيكون ساحة لأخطر أنواع الحروب الحديثة.