الاربعاء السادس من ايار وبحضور 255 نائب (من مجموع 328) صادق البرلمان العراقي على اسماء 15 مرشحاً لوزرات من كابينة الكاظمي الوزارية وتأجيل 2 (وزارتي النفط والخارجية) ورفض التصويت على 5 حقائب وزارية وهي ( التجارة و العدل و الثقافة والزراعة والهجرة).
وبنسبة التصويت هذه (اكثر من 50% من الاسماء) حصل الكاظمي على الشرعية الدستورية كسادس رئيس لمجلس الوزراء دولة العراق بعد عام 2003 بمفارقة ليس كثير من الدول تحصل فيها الا وهي كونه رئيس وزراء شرعي ولكنه غير منتخب او اصلا لم يشارك في الانتخابات وكذلك عادل عبدالمهدي لم يخوض الانتخابات الاخيره وجاء بالتوافق بين الكتل السياسية وليس على اساس الدستور يتم الترشيح من الكتلة البرلمانية الاكبر وهذه بحد ذاتها مخالفة دستورية. لايهم ايا من اللاعبين الداخليين او الاقليمين او الدوليين اعتبر نفسه منتصرا وايا منهم اعتبرها خسارة وتراجع وكبوة نتيجة لظروف مرحلية وضغوط استثنائية ولكن حال الشعب العراقي هو واحد من سيئ الى اسوء.
الخطيئة الاولى:
ان النتائج على الارض لحال دولة العراق وبعد مرور اكثر من 17 سنه على الغزو العسكري للعراق تشير الى عدم تحقيق الهدف الاميركي المعلن لبناء دولة ديمقراطية بسبب بنية العملية السياسية المشكلة من المكونات الطائفية والاثنية وفشل كل المشاركين فيها الى تشكيل اعتبارات وطنية لعملهم الحزبي او التكتلات والجماعات التي ينتمون اليها.
ورغم ادعاء اميركا بان العراقيين قد فقدوا فرصة مهمة قد منحتها لهم لاعادة بناء دولتهم ولكن هذا لا يعفيها من الاستنتاج ان بغزوها الاحادي (خارج الاتفاق الاممي) ومقاربتها في ادارة الملف العراقي كان عاملا مؤثرا في تردي الاوضاع وشكلت (بقصد او عن غير قصد) كرة ثلج من دوافع عدم الاستقرار يزيد حجمها بمرور الزمن.
الخطيئة الثانية
حسب نتائج الانتخابات المعلنة من المفوضية لعام 2014 تشير الى فوز شخص المالكي كاعلى تصويت فردي له وحصول قائمة دولة القانون على اعلى عدد للمقاعد في البرلمان ولكن اداء المالكي غير المريح للكثيرين وسيطرة داعش على مساحات جغرافية كبيرة منعت المالكي من الاستحواذ للمرة الثالثة على مقعد رئاسة مجلس الوزراء. وهنا (وكحالة غير مسبوقة للنظام الديمقراطي) اتفقت الاطراف التي تكره المالكي ضمن البيت الشيعي على ترشيح السيد العبادي كبديل له. وهنا من المفيد التذكير بان السيد العبادي لم يعبر العتبة الانتخابية لمدينة بغداد وحصل على المرتبة الثامنة عشر بتصويت اهالي المدينة بحصوله فقط على (اكثر قليلا من) 5 الاف صوت. ولكن وتنفيذا لقانون الانتخابات الاعرج وبفضل اصوات المالكي حصل على مقعد في البرلمان. وباتفاق الاطراف الداخلية الشيعية التي تكره المالكي وبالتوافق مع السنة والاكراد حصل العبادي وبقدرة قادر على مقعد رئاسة مجلس الوزراء. وبهذه الخطيئة المميتة حصلت انتكاسة كبيرة في مسيرة العراق حول امكانية البناء واعادة تشكيل دولة حيث فقدت الطبقة السياسية شرعيتها وانهار النظام الديمقراطي المزعوم اميركيا. وهنا بدات كرة الثلج بالتدحرج والتضخم اللاخطي وما المفارقة الحالية باختيار السيد الكاظمي الا نتيجة لهذه الدحرجة. ان طريقة اختيار العبادي (بريطاني الجنسية) لمنصب رئيس مجلس الوزراء شجع المشردون والمرضى النفسيون واللاهثون وراء المجد الشخصي والوصولين والمتلونين بركوب موجة السياسة لاحتمال حصولهم على مقعد رئاسة مجلس الوزارة لدولة مهمة وغنية في الشرق الاوسط مثل العراق وهنا حصلت فجوة بين الشارع والسلطة.
الخطيئة الثالثة
في انتخابات عام 2018 لم ينجح سياسيوا الداخل من ادراك ان عدم توافقهم سيسمح بتدخل خارجي اوسع وسيضعفون هم اولا ومع ذلك (لقصور فهم منهم او كرها لبعضهم او لمصالح شخصية) لم يتكمنوا فرقاء الداخل من الاتفاق والتوافق على تسمية رئيسا لمجلس الوزراء. وبعد مرور اكثر من 6 اشهر على اعلان النتائج تم وبتوازنات اقليمية ترشيح السيد عادل عبد المهدي ليصبح رئيسا للوزراء والذي لم يشترك اصلا بالانتخابات كما اسلفنا. وهذه الخطيئة المميتة الثالثة التي اقترفوها سياسيوا الداخل سياسي الصدفة والتي تشير الى قطع الاوصال بينهم ودخول العراق مرحلة جديدة من دوامة الصراع الاقليمي وحتى الدولي احيانا وبات العراق في رحمة طموحات الاخرين وتوجهاتهم. وبهذه الخطيئة الثالثة لم يعد لدولة العراق الا حدوده على الورق اما شعبه فبات رهينة للاخرين.
فالان حال العراق ومسيرته يعتمد على ماذا تريد اميركا من العراق وماذا تريد ايران من العراق وماذا تريد اسرائيل من العراق وماذا تريد الدول الاقليمية والخليجية..
رغم مرور 5 اشهر على استقالة عبد المهدي ورغم ان واجبات الحكومة المؤقتة محدودة بالتحضير لانتخابات خلال اقل من سنة من تشكيلها لكن الجميع فشلوا في التوافق لتناقض اجنداتهم على الارض. ان تعدد الاسماء المطروحة لخلافة عبد المهدي (فرنسي الجنسية) من محمد توفيق علاوي ( بريطاني الجنسية وغير مشارك في الانتخابات) الى عدنان الزرفي ( اميركي الجنسية وعضو كتلة النصر المنضوية مع سائرون) الى مصطفى الكاظمي ( غير مشارك بالانتخابات) هو مؤشر الى صراع اجندات عنيف بين الفرقاء الاقليمين وعلى ملعب ارض العراق.
وان التصويت على مرشح ما والمصادقة عليه لا يعني الاقرار بكفاءته او نزاهته او الاقتناع بامكانه فعل خير للناس بل يعني حصول توافق مؤقت لاطراف متناحرة بانتظار النتائج للتهيؤ لمباراة اكبر واكثر تاثيرا. وان احتمال تكرر المشهد (استقالة الحكومة) بات مرتفعا اكثر من ذي قبل.
ان تراكم الخطايا المميتة جعل العراق مسلوب الارادة ومرتهن للاخرين ومما يعقد الامر اكثر هو وجود فصائل مسلحة مختلفة التوجهات والولاء وان الخطورة الحقيقية هنا تكمن في استعداد هذه الفصائل ان تخدم اجندات الغير من دون وضع اي اعتبار للمصلحة الوطنية. فهناك فصائل مسلحة ولائية تنحاز الى ايران وهناك فصائل البيشمركة تنحاز لمن يحميها (اميركا) وحتى مسلحي داعش يمكن ان يُفَعلوا كونهم الجهة القادرة على عرقلة جهود ايران في المنطقة والمستعدة عقائديا للنزال.
المشكلة التراكمية والعويصة في العراق تكمن في المؤسسات السياسية التي اُنشِاتْ بعد عام 2003 والتي حولت العراق الى بلد عقيم وفاسد وفاشل وليس بشخص رئيس مجلس الوزراء واهمية تسميته.