الدكتور سعدون حمادي ونظرية الذكاءات المتعددة

بمحض الصدفة قرأت قبل يومين موضوعا على الكوكل عن نظرية (الكفاءات المتعددة) والتي تسمى بالانكليزية (Multiple Intelligence))، وعرفت أنها نظرية وضعها عالم النفس هاورد غاردنر عام 1983 هو عالم نفس أمريكي ولد في 11 تموز 1943 في سكرانتون في بنسيلفانيا بـالولايات المتحدة، وهو أستاذ الإدراك والتعليم في جامعة هارفارد في كلية الدراسات العليا.
تقول هذه النظرية بوجود العديد من الذكاءات وليس على قدرتين فقط، أي ذكاء التواصل اللغوي والتفكير المنطقي، وظلت نظرية ثنائية الذكاء سائدة، حتى استطاع غاردنر دحضها بنظريته الجديدة عام 1983.
بعد هذه المقدمة أود أن أسرد لكم القصة العراقية التالية والله شهيد على ما سيرد فيها من مضامين وليس بالحرف بسبب مضي كل تلك السنوات التي مرت على ما سأسرده.
ربما قلة من العراقيين يعرفون أن الدكتور سعدون حمادي وزير خارجية العراق في عقد الثمانينيات ثم بعد ذلك رئيس المجلس الوطني ثم رئيس الوزراء، في فترات مختلفة، كان يفضل البقاء بدرجة عضو قاعدة في تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي في تلك الحقبة على الرغم من أنه من أوائل العراقيين الذين انضموا إلى صفوف الحزب عندما كان طالبا في الجامعة الأمريكية في بيروت.
تعود الحكاية إلى عام 1981، كنت حينها عضو قيادة فرقة كرادة مريم، التي تشمل ساحة عملها التنظيمي حي العدل وحي الجامعة، وفرقة العدل جزء من تنظيمات شعبة المأمون/ فرع أبي جعفر المنصور، كنت حينها متفرغا للعمل الثقافي فقط أي من دون مسؤولية تنظيمية، منظمة الجامعة كانت تضم عددا من الوزراء بمن فيهم الدكتور حمادي ومحافظ بغداد السيد جميل أحمد العداد، والدكتور طه تايه النعيمي رئيس الجامعة التكنولوجية ثم جامعة بغداد لاحقا، كان مسؤول منظمة الجامعة هو الرفيق الدكتور سامي شريف شهاب والذي تم نقله من ديوان وزارة النفط إلى وظيفة رئيس مؤسسة نفط الشمال التي تتخذ من كركوك مقرا لها، وبشغور موقع مسؤول منظمة الجامعة وتعدد مسؤوليات أعضاء الفرقة الآخرين، فقد كلفني الرفيق عضو قيادة شعبة المأمون وأمين سر فرقة العدل بتولي مسؤولية منظمة الجامعة بصفة مؤقتة، وأنا أعرف أن مصطلح مؤقت في العراق يعني الوقت المفتوح، ليس هناك خيار أمامي، وقمت بواجبي وكنت ومن باب الانصاف وجدت أن أكثر البعثيين التزاما، هم البعثيون القدامى الذين واكبوا مسيرة الحزب منذ سنواته الأولى، منظمة الجامعة منظمة يشعر المسؤول فيها بأهمية واجبه من جهة ويشعر بأنه في وسط عالي الثقافة والادراك ويتعامل بمسؤولية عالية مع ما يطرح في الاجتماع.
كنت يومها مديرا عاما لدائرة الإعلام الداخلي في وزارة الثقافة والإعلام، وبعد أحد الاجتماعات الحزبية، عبر لي الدكتور سعدون حمادي عن رغبته في مناقشة بعض الأمور معي وخاصة ما يتعلق بالسياسة الإعلامية وعلاقاتها بالعلاقات الدولية للعراق والمتغيرات التي يشهدها العالم، شعرت بأهمية اللقاء مع رئيس الدبلوماسية العراقية ورجل الإعلام القديم والسياسي الذي عاصر عهودا كثيرة وتزود من تجاربه بخبرة وحصيلة ثمينتين.
وتنقل الحديث من محور إلى آخر بانتظام بالغ، وسألته أن يعطيني بعض الاجابات عن أنشطة وزارة الخارجية العراقية فوجدته بخيلا إلى حدود بعيدة، ولم ألح عليه لأنني أحترم خصوصيات الدوائر الحساسة، أما الإعلام فهو مفتوح كالفضاء وهو الذي يستدرج المراقب للاطلاع على أحداثه.
بعد انتهاء الجلسة قادني الحديث إلى أمور لا صلة بها بالموضوعات المطروحة، فقلت للدكتور سعدون هناك (دراخّة) لا يفقهون مما احتفظت ذاكرتهم بشي، وبلغة العالم الذي يعرف ماذا يقول، قال لي بالحرف الواحد، يجب ألا نستهين (بالدراخّة)، لأن ما نسميه بالدرخ أو القدرة العالية على الحفظ الدقيق، هو نوع من أنواع الذكاء لا يختلف عن أي نوع اخر، وأضاف (لا تظن أن الذكاء من نوع واحد، الذكاء أبواب مختلفة منه حفظ النصوص ومنه تعلم اللغات والشعر ومنه النبوغ في الرياضيات وغير ذلك من العلوم كالطب والفيزياء).
كان هذا عام 1981 اي قبل أن يطرح عالم النفس الأمريكي هاورد غاردنر نظريته للكفاءات المتعددة عام 1983 بسنتين، ترى ماذا لو أن الدكتور سعدون حمادي نشر بحثا عن مضمون الحديث الذي دار بيننا ومن المؤكد أنه قد فكر به عميقا قبل أن يطرحه في حواره معي؟ هل كان العالم يسمي نظرية الكفاءات المتعددة باسمه أو سيقول إن عراقيا ابتدع هذه النظرية؟ أم أن براءات الاختراع لا تسجل إلا بأسماء مواطني الدول الكبرى؟
هذا هو العراق وهؤلاء الرجال الذين قادوا تجربة الحكم فيه لمدة 35 سنة والتي حفلت بإبداعاتهم التي تنكر لها من جاء بعدهم خلف الدبابة الأمريكية أو في مسيرة التخلف الإيراني الموغل في أعماق التاريخ.

مقالات ذات صلة

د. نزار السامرائي

عميد الاسرى العراقيين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى