من مباديء الديمقراطية المركزية ، مبدأ نفذ ثم ناقش والذي تم تبنيه من قبل جميع الأحزاب الثورية في العالم .
ومفهوم الديمقراطية المركزية ، مفهوم بلوره لأول مرة نظريا وطبقها عمليا هما كل من ماركس وإنجلز ، وقام بتطوير هذا المفهوم ، ومارسه هو لينين ، أبان ثورة البروليتاريا .. وتم اعتماد الديمقراطية المركزية كمبدأ أساس في البناء التنظيمي للحزب الشيوعي السوفيتي ،
وبعدئذ أصبحت مباديء الديمقراطية المركزية أساس لجميع الأحزاب الثورية في العالم. ومن ضمنهم ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، كما ان مفهوم الديمقراطية المركزية جمع بين مفهومين متناقضين ، الديمقراطية وهي عكس المركزية ، والمركزية تميل كثيرا لمفهوم الدكتاتورية .. ولهذا السبب تكمن صعوبة العمل بهذا المبدأ الذي يمثل أهم مباديء بناء الحزب الثوري .. وان هذا المفهوم بحاجة دائمة الى التطوير المستمر تبعا للظروف ، ولما يعزز الديمقراطية فيه .. ومن المعروف أن من الشروط اللازمة لقيام تنظيم سياسي قوي ، هي العلاقة الوطيدة بين الوحدة التنظيمية المدعمة بالوحدة الفكرية.
إن عملية تحقيق الموازنة بين طرفي المعادلة ، المركزية من جهة والديمقراطية من جهة ثانية ، تحتاج وعي وادراك كامل لطبيعة هذه المعادلة ، كوّن حدوث أي خلل في أحد طرفي المعادلة سيؤدي الى خروج الحزب من طبيعته كحزب ثوري يسعى الى التغيير والتطور.
أن طرفي المعادلة لاينفصلان عن بعضهما رغم تناقضهما .. والمشكله هنا تكمن ، ليس بالمبدأ وإنما في عملية تطبيق هذا المبدأ الحساس ،كونه يحتاج الى دقة متناهية لإيجاد عملية التوازن المطلوبة بين المفهومين ، ( كدقة ميزان الذهب ) ، وهذا يتطلب الى قيادة حكيمة قادرة على فهم كيفية تطبيق هذا المبدأ..
بحيث تعلم جيدا متى تغلب المركزية على الديمقراطية ، وفِي أي ظروف ، ومتى تغلب الديمقراطية على المركزية وتحت أي ظروف ، ومتى تتعامل بشكل متوازن بين المفهومين المتناقضين ..
ولكل حالة حساباتها الخاصة ، وحسب ظروفها ، والعناصر المحيطة بها..
وهذا ماينطبق تماما على مبدأ نفذ ثم ناقش ، إن هذا المبدأ يحتاج الى الكثير من النقاش ، رغم كونه أحد المباديء المهمة التي تحافظ على وحدة الحزب التنظيمية ، ورغم إيجابياته ، لكن بنفس الوقت يحمل في طياته الكثير من السلبيات ، التي تجعل الكثير يتحفظوا على طريقة استعماله ..
أو استغلاله من قبل القيادات لتمرير قرارات لم توافق عليها الأغلبية ، وتضطر الأغلبية على تنفيذها تفاديا لمشاكل تنظيمية قد لا يحمد عقباها ، وكذلك تفاديا من العقوبات التي تترتب على عدم تنفيذها لتلك القرارات .. وخاصة إذا أسيء تطبيق هذا المبدأ ، سيؤدي الى حدوث خللا في العلاقة بين الحزبيين أنفسهم من جهة وبين القاعدة والقيادة من جهة اخرى..
وعليه نرى أن هذا المبدأ لا يصلح في كل الميادين ، فهو يصلح بشكل كبير في الميدان العسكري والامني ، ولكنه غير ملائم في الميدان السياسي والفكري والاستراتيجي وحتى في بعض الأحيان التنظيمي. كون هذا الميدان يحتاج الى سماع الرأي والرأي الاخر ، وأن لا يخضع الى القرار ، وإنما يخضع الى النقاش والحوار والتفكير ، وصولا الى ما هو مفيد وصائب ، لان ذهن الانسان الفرد ، لا يستطيع فهم أي موضوع مطروح للتفكير من جميع الجوانب ، لأسباب عديدة ، منها تتعلق بالثقافة ، وبالعوامل الذاتية ، والظروف المحيطة ، فعملية الحوار والنقاش والتفكير تكون اكثر موضوعية ومنطقية وإحاطة واكتمالا عندما يتناولها المجموع بدلا من الفرد.
ان هذه المعضلة تطرح وبشكل مستمر حول علاقة المفكرين والمثقفين الثوريين مع الأحزاب الثورية ، كون مبدأ نفذ ثم ناقش بالنسبة للمسائل الفكرية يعتبر بمثابة الموت لكل مبدع ومثقف ومفكر
وهذا ما يخالف ما تنص عليه كل ادبيات ودساتير الأحزاب الثورية ، والتي تنادي بحرية الكلام والاجتهاد والاعتقاد وابداء الرأي. فضلا عن أن العمل الفكري عمل مقدس ويجب ان يحترم ، وعلى الدول والأحزاب الثورية ان تحمي المفكرين والعلماء وتشجعهم ، وإذا استخدم مبدأ نفذ ثم ناقش بالطريقة المخطوءة ، سيعمل على تدمير كل الأفكار والابداع والتطوير ويجعل من الأعضاء مجرد آلات مبرمجة أو ما يشبه الجنود في الجيش تنفذ ما تؤتمر به ، وهذا سيقودنا الى مسألة خطيرة ، وهي ان القيادة لها الحق بالتفكير واتخاذ القرارات وعلى القواعد والكوادر ، ان تقف عن التفكير ، وان تنفذ ما تريده القيادة.
ومن بديهيات القول ، ان لا وجود للفكر بدون مفكرين مجددين ، وإن اخطر ما يواجه الأحزاب الثورية هو الجمود العقائدي ، فلا حزب عقائدي من دون فكر قابل للتجديد والتطوير وعلى كافة الاصعدة الفكرية والتنظيمية وغيرها ..
لذا علينا أن لانجعل من مبدأ نفذ ثم ناقش ، مقتلا للمفكرين والعلماء والمبدعين ، داخل الأحزاب الثورية ، وعلينا ان ندرك خطورة استخدام هذه المباديء بصورة غير صحيحة ، فالقيادة الحكيمة هي التي تستخدم هذه المباديء لصالح الحزب الثوري .. وليس لشيء آخر
838