السفسسطائيون الجدد

أ.د. محمد طاقة

السفسطائية ظاهرة فلسفية نشأت في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس قبل الميلاد، في بلاد الإغريق، ومفاد فلسفة السفسطائيين أن الحقيقة نسبية غير مطلقة الإنسان هو مقياسها، بالنسبة إليهم، فهو مصدر الحقيقة، وفي ضوء ذلك، يمثل الانسان لديهم مقياس كل شيء.
السفسطائيون طائفة من المعلمين المتجولين احترفوا مهنة تعليم الناس فن الكلام، واشتهروا بالقدرة الهائلة على الإقناع فهم يقنعونك بأمر ثم يعودون ليقنعوك بعكسه وهكذا، ومن خلال هذه الخاصية يقلبون الحقائق ويخلطون الأمور ولديهم استعداد للنقاش والكلام والجدال إلى أمد طويل ومن دون توقف أو ملل.
هذه الفئة تستخدم الكلام، الذي فيه تمويه للحقائق الخالي من المنطق وهم يصرفون الذهن، أيضاً، عن الحقائق والأحوال والأمور الصحيحة أو المقبولة في العقل والمنطق ويعملون جاهدين على تضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة في التفكير وعن الحقيقة.
ذلك كله فقط من أجل ربح المال وكسبه عن طريق النصب والاحتيال واستخدام فن الخطابة، فهم لا تهمهم الحقيقة، بل يهمهم كسب المال طمعاً فيه.
الشخصية السفسطائية شخصية جدلية ويقع تحت وطأتها البسطاء والمتخلفين وقليلي العلم والمعرفة، وهي شخصية تتكلم بسرعة غير معتادة تفتقد الحكمة، كما أنها معقدة تعاني من مشكلات اجتماعية وتناقش بغباء مطلق وتتفنن في صناعة الجدل العقيم.
كيف للمرء، بعد ذلك أن يخيل أنه، وبعد أكثر من ألفي سنة تخرج علينا فئة بشرية غبية متخلفة تلقنت فن الخطابة والكلام في مدارس قم وطهران ودهاليز النجف وكربلاء ونالت، بجدارة، صفة السفسطائية.. إنهم السفسطائيون الجدد.. سفسطائيو القرن الحادي والعشرين.
برغم التشابه الكبير جداً بين السفسطائيين القدامى والجدد، إلا أن الجدد يتميزون عن القدامى ويتفوقون عليهم كونهم مجرمين ومنحطين وسراقاً لم يشهد التاريخ كله مثيلاً لهم..
هؤلاء هم الذين جاءت بهم قوات الاحتلال ونصبتهم على حكم العراق العظيم بثرواته وبشعبه.. جاءوا بهم ليدمروا كل شيء في العراق وليعملوا على إشاعة التخلف والجهل والفقر، وقد شردوا نصف الشعب العراقي من موطنه، وقتلوا اكثر من مليوني عراقي، رجالاً ونساءً وشباباً واطفالاً، متسترين بالدين ومسوغين أعمالهم الدنيئة كلها به.
لقد اعتنقوا مذهب السفسطائيين القدامى نفسه، بحيث استخدموا الكلام، الذي فيه تمويه للحقيقة والخالي من المنطق وتصرفوا بأمور كثيرة لا يقبلها العقل ولا المنطق واستخدموا الكذب والدجل والسحر والشعوذة اسلوباً لتغطية أفعالهم وإبادة خصومهم، وذلك كله من اجل كسب المال وسرقته عن طريق النصب والاحتيال.
يخرج علينا أحد زعمائهم ومنظريهم على شاشة التلفاز، وهو يبكي على العراق وعلى معاناة شعب العراق وهو في الوقت نفسه من قادة تدمير العراق وخرابه ونهب ثرواته هو وشقيقه الدجال، ويطلع علينا سفسطائي آخر ليقول للشعب نحن كلنا سراق وأخذنا رشاوى وانا واحد منهم وكلنا مسؤولون عما يحدث في البلد ومسؤولون عن القتل والتدمير، الذي حل بالبلد ومسؤولون عن الأطفال المشردين والجائعين وعن الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن وأزواجهن.. هكذا، بكل صلافة ووقاحة، يتهمون أنفسهم ويجلدونها وهم من اقترف ذلك كله، فهم بارعون في فن الكلام والخطابة وخداع الناس وتشويه الحقائق.
في الوقت نفسه هم يعرفون أنهم يكذبون ويضللون ولا يهمهم قول الحقيقة سعياً وراء نيل الجاه وكسب المال من السحت الحرام.
هؤلاء من غير البشر فهم بشر من نوع خاص لأنهم يمثلون الرذيلة والانحطاط بعينه، وكما وصفهم أفلاطون، فهم مشعوذون ووحوش ضارية.
واليوم، هم الذين يقتلون ويفجرون ويسرقون ويسجنون ويشردون ويتهمون المقاومة الوطنية الباسلة ويتهمون أبطال النظام الوطني.
انهم كفايروس كورونا انتشروا في العراق والوطن العربي لتدميره وتمزيقه.
وَيَا للعجب، فبعد ألفي سنة وأكثر تظهر علينا سفسطائية من نوع خطير تزرع الرعب بين الشعب وتعتمد على الخرافات والسحر والشعوذة والدجل وأساطير من نسج الخيال وفن الكلام لتضليل الشعب عن افعالها المجرمة، وتعمل ليل نهار على ترسيخ الطائفية والإثنية من أجل تقسيم البلد، وتنفذ تنفيذا اعمى ما يطلبه أسيادها في واشنطن وقم وطهران، ويزعمون أنهم وطنيون وجاءوا من اجل خدمة العراق.
انهم أكبر كارثة حلت على العراق والوطن العربي، منذ بداية التاريخ، وهم أخطر بكثير من وباء كورونا.
لا بد من اقتلاعهم من جذورهم، كما فعل أرسطو وسقراط وأفلاطون، في مقاومتهم للسفسطائيين القدامى قبل ألفي عام.
إن على شباب العراق ومثقفيه وعلمائه وكتابه وإعلامييه والوطنيين الشرفاء كلهم العمل على مكافحة هؤلاء الطارئين السفسطائيين الجدد والقضاء على التخلف والجهل والشعوذة والأمية والفقر والجوع والظلم والاضطهاد، الذي زرعوه وان تتظافر الجهود الخيرة كلها لاجتثاث هذا الوباء من جذوره، من خلال دعم ثورة الشباب المباركة الشباب الذي وعى واكتشف زيف هؤلاء والذي أدرك أن الخلاص لن يتم إلا بإزاحة هؤلاء من الوجود والى الأبد.. وثورة حتى النصر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى