تكلّم الفلاسفة وعلماء السياسة، قديمًا وحديثًا، عن علاقة السياسة بالأخلاق، وربّما، صار من المُتعارف عليه أن السياسة «العبقرية» هي السياسة الخالية من الأخلاق، أو بعبارة مُنمّقة ودبلوماسية هي التي تتجاهل الأخلاق وتلتمس المصالح فقط!
وتأكيدًا لثمار هذه الفلسفة المُفزِعة السائدة قال رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل (1940 – 1945): رأيت في أحد المقابر ضريحا كُتِب على شاهده: هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق… فتعجّبت كيف يُدفن الاثنان في قبر واحد!
ولكن بالمقابل هنالك مَن يؤمن أن العمل السياسي المرموق يمكن أن يَصْمُد ويتغلب على مؤامرات الأشرار أو الفارغين من الأخلاق والمبادئ.
والأخلاق جزء من السلوكيات الدبلوماسية التي تكشف الوجه الحقيقي للدولة والحكومة والمسؤول وحتّى المواطنين، وليست مُجرّد سلوكيات فردية تتعلّق بالمسؤول الفلاني.
وبهذا فإن السياسة المُؤطّرة بالأخلاق تُكافح لزرع الثقة والسلام والتعايش والالتزام والمحبّة والتلاحم بمفاصل الدولة وبين المواطنين، ومع الدول الأخرى!
واتفق الحاقدون على الأوطان والإنسان على العمل الجاد الهادف لابتذال المبادئ والقيم النقية وجعلها مُجرّد عبارات فارغة لا أثر لها في الفكر الإنساني والسلوكيات الحياتية والمجتمعية!
وبخلاف ذلك فإن السياسات الغوغائية الداعرة تُبدّد الجهود النبيلة الشريفة وتسعى لنشر الفوضى الفكرية والأخلاقية في ربوع الدولة والمجتمع، وتهدف لتدمير الوطن وقتل ضمائر الناس وحاضرهم ومستقبلهم، وحتّى ماضيهم، بينما السياسات الحكيمة تغرس السلوكيات الصالحة والأخلاق المضيئة لبناء الفكر الصحيح، وحماية المجتمع!
ويسعى المعطّلون لقدرات الإنسان والحالمون بالفوضى الأخلاقية لدوام الحالة الغامضة والتيه والتعاسة، وهم أخطر الأشرار على مستقبل الأوطان ويتوجّب الحذر منهم والتحذير من مخطّطاتهم الشريرة السلبية!
ولا يمكن للشعوب التي لا تُقدِّس المنظومة الأخلاقية أن تطلب من الحاكم والحكومة تطبيقها، ولهذا فإن الشعوب التي تضيّع تراثها وتفقد ثقتها بنفسها هي شعوب ميتة وإن كانت فوق الأرض.
والسياسات الحكيمة لا تحارب الأخلاق لأنها حينئذ ستنقلب إلى نظم همجية وملاجئ للمكر والخداع!
ويؤكّد التدقيق العميق أن التغافل عن الأخلاق في إدارة الدولة بداية انهيار الحكومات والدول، والأخلاق المقصودة ليست فضائل تجميلية تكميلية بل مبادئ جوهرية رصينة في سلوكيات الدول والحكومات والأفراد، والحفاظ على مكانة وسمعة الوطن قضيّة حياة أو موت وليست نزهة ترفيهية اختيارية.
إن امتصاص حقوق الناس وسحق حياتهم وآمالهم وأعصابهم بوعود مُزيّفة هي سياسات لا أخلاقية خبيثة لا تقود لبناء الإنسان وإنّما هي مراحل أوّلية لخراب قادم أساسه نفاد صبر المواطن نتيجة الوعود الوهمية (البعيدة عن أخلاق المسؤولية الصادقة) وبالتالي قد تذهب الأمور إلى نهايات مهلكة للوطن والناس!
وهذه السياسات الهابطة مؤامرات تخريبية تستّرت خلف ستار الحريات وحقوق الإنسان وتطبيق القانون ولكنّ الحقيقة أنها مجرّد ستائر للتمويه وتنفيذ المؤامرات المهلكة للوطن والإنسان.
ومهما حاولت قوى الخراب إبراز عضلاتها بالباطل والدعوة للانحلال يفترض بقوى البناء ألا تنسحب وألا تتراجع ليقينها الثابت أن البناء مقدّم على الهدم، والصحّة مقدّمة على المرض، والنور مقدّم على الظلمة، والسلام مقدّم على الحرب، والنظام مقدّم على الفوضى، والحياة مقدّمة على الموت!
والدول الشاذّة التي تشتغل بالقضايا الثانوية وتهمل القضايا الكبرى الضرورية لا يُمكنها أن تقف بوجه التحديات المحلّية والأجنبية، وستكون عُرْضة للضياع والفشل عند أبسط الاختبارات السياسية والأمنية والمجتمعية!
لنسارع ونشدّ الأحزمة لدعم القيم الأخلاقية النبيلة وفي مقدّمتها الأمانة والصدق والوفاء بالوعود والعهود وغيرها من الصفات التي يفترض وجودها عند المسؤولين والمواطنين لبناء المجتمعات الإنسانية والأوطان. ويبقى القانون العادل هو الضابط والضامن لأخلاقيات وسلوكيات العامّة والخاصّة، ومِن عنده تكون البداية والنهاية!