شهد الداخل الإيراني خلال السنوات الأخيرة تغييرا مرحليا في التئام فئات المجتمع واصطفافها معا للتعبير عن رفض النظام الحاكم ومناوأة فكره وسياساتها، وطرأ تطور هام جدا على صعيد شرعية النظام ورأس هرمه المرشد الأعلى.
لأول مرة في تاريخ عمر النظام الحالي، يهتف الشعب الإيراني شعار “الموت للدكتاتور” و”الموت لخامنئي”، وذلك أثناء اندلاع مظاهرات شعبية في أكثر من 100 مدينة إيرانية بداية عام ٢٠١٨ ومن خلال مواصلة النشطاء والمواطنين الإيرانيين أسلوب التعبير عن رفض النظام عبر كتابة “شعار الموت لخامنئي” (بالفارسية: مرگ بر خامنه اى) على جدران الشوارع واليافطات المنتشرة وأسوار المدارس والمحال، ليتحول انتشار هذا الشعار وكثرة تدوينه في الشوارع العامة، إلى كابوس حقيقي للنظام وأجهزته، وتشير مقاطع الفيديو وبعض الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي أن هذه الظاهرة تتزايد يوما بعد يوم، وتعبر عن اتساع رقعة معارضة المواطنين ورفضهم للنظام الحاكم، كما أن هذه الظاهرة ساعدت إلى حد كبير في كسر الخوف لدى المواطن الإيراني، الذي أصبح يرى كل يوم شعار جديد ضد النظام.
وفي الحقيقة، فإن المظاهرات الشعبية الأخيرة وانتشار الشعارات المناهضة لحكم الملالي في المدن الإيرانية تكشف عن ظهور عدة متغييرات انفجرت جراء الكبت وتراكم الأزمات، أهمها فشل الحرس الثوري وباقي أجهزة النظام العسكرية والأمنية والدينية والفكرية في المحافظة على “عصمة المرشد” لدى الشعوب الإيرانية، التي أخذت تبتعد كثيرا عن أفكار الثورة، وتدرك نتائجها المدمرة على حياتهم المعيشية، وتظهر حالة عامة واسعة الطاق من الرفض الشعبي لحكم الملالي، وضرورة التخلص منه وليس إصلاحه، وهو تطور جلي بالملاحظة والدراسة في إطار وضع أي رؤية مستقبلية لإيران، إذ تظهر وبوضوح أن الرفض الشعبي لم يعد متعلق بسياسات النظام فحسب، بل بوجود النظام وقبوله، وهذا الرفض وصل إلى نقطة اللاعودة، واندمجت فيه شخصيات سياسية نافذة تدعم سرا وعلانية التحرك الشعبي ضد النظام، ما يعني أن الثورة الشعبية قادمة في إيران بكل تأكيد، وإذا ما وقعت، فإنها ستلقى دعما كبيرا من شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية داخل إيران، فضلا عن دعم المجتمع الدولي لتطلعات وطموحات الشعوب الإيرانية.
إن التماسك الشعبي الداخلي الذي تشهده إيران حاليا، موجه في الحقيقة ضد نظام الحكم والحرس الثوري، وتؤكد التقارير وما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي ان رقعة الكراهية الشعبية للنظام والحرس الثوري تتسع بشكل مستمر، وأن خيار المقاومة والانتفاضة يزداد قبولا وقوة يوما بعيد يوم، وهذا الأمر على ما يبدو يدركه النظام والحرس الثوري بشكل جيد، إذ أقام معسكرات لتدريب عناصر الباسيج الإيرانية، وعناصر من لواء فاطميون وزينبيون غير الإيرانية، على قمع أي ثورة أو انتفاضة قد تنفجر في إيران.
إيران لن تخرج من قيعان ثورتها وظلام كهونتها إلا بتحريرها من سلطة الملالي، وهذه مهمة الشعوب الإيرانية الأكثر تضررا من استمرارية هذه الحكم، والتي باتت مؤخرا تدرك هذه الحقيقة وتستعد لها بكل قوة، ولكن لا بد من دعم دولي ممنهج ومكثف لها لنيل حقوقها وأهدافها، وخاصة أنها تتفق مع مسار ترسيخ الأمن والاستقرار وإنهاء العبث في المنطقة واجتثاث الإرهاب ووقف التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، فاسقاط حكم الملالي أصبح ضرورة داخلية وإقليمية، وجزء لا يتجزء من عملية مكافحة الإرهاب، ولا يمكن للمنطقة أن تنعم بالأمن والاستقرار مع وجود نظام الملالي في طهران